الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

ماذا تتوقع أميركا في مصر؟

الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. سمير كرم

من بين كل العوامل المؤثرة خارجياً في احتمالات تطور الثورة المصرية للخروج من حالة الاضطراب الراهنة التي تمر بها، قد تكون «العلاقات الاستراتيجية» مع الولايات المتحدة هي اهم هذه العومل. والأمر الوحيد المؤكد بشأن هذه العلاقات، هو ان الولايات المتحدة لم تتوقع ابداً حدوث ثورة في مصر تطيح بحسني مبارك من الرئاسة وبنظامه من الحكم. لقد اعتبر إخفاق المخابرات الاميركية، و«الاسرائيلية» معها، في توقع الثورة في مصر واحداً من أكبر إخفاقاتهما.

مع ذلك فإن هذا الإخفاق لم يكن يعني بأي حال من الاحوال ان الولايات المتحدة لم تكن قبل وقوع ثورة 25 كانون الثاني/يناير الماضي منشغلة بأمر المصير الذي ينتظر نظام مبارك. كانت بالفعل مشغولة سياسيا ومخابراتيا ودبلوماسيا بأمر مصير رئاسة مبارك تحت وطأة امرين اساسيين : الاول مرض مبارك وتقدمه في العمر، والثاني ميل النظام المصري الى التوريث - توريث جمال مبارك الحكم - كحل لهذه المعضلة.

ولقد تبين هذا الانشغال الاميركي باحتمالات مصر قبل الثورة في تقرير بالغ الأهمية اصدره قبل ايام «معهد الدراسات الاستراتيجية» التابع لكلية الحرب الاميركية، التابعة بدورها لوزارة الدفاع (البنتاغون). ولهذا التقرير قصة جديرة بأن تحكى. ففي ربيع العام الماضي كلف المعهد احد باحثيه - وهو غريغوري افتاندليان - بوضع تقرير عن «سيناريوهات الخلافة الرئاسية في مصر وأثرها على العلاقات الاستراتيجية الاميركية - المصرية». وانتهى الباحث من المهمة في ختام العام الماضي وأعدّ التقرير للنشر، وقبل الانتهاء من طباعته كانت ثورة 25 يناير المصرية تقع وتغير احتمالات عديدة في الرؤى الاميركية بشأن العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة. وقد قرر المعهد المضي بنشر التقرير وكتب له مدير المعهد مقدمة أضفت اهمية اكبر على مادة التقرير.

تقول مقدمة التقرير، التي كتبها دوغلاس لافليس مدير معهد الدراسات الاستراتيجية : «إن مصر حليف وثيق للولايات المتحدة منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضي، حينما غير الرئيس الراحل انور السادات انتماءه في الحرب الباردة (إشارة الى تغيير اتجاه السياسة المصرية من التحالف مع الاتحاد السوفياتي الى الولايات المتحدة) وبدأ عملية السلام مع «اسرائيل» التي ادت الى «اتفاقات كامب ديفيد» في عام 1978 والى معاهدة السلام المصرية - «الاسرائيلية» في عام 1979. وبالمقابل اصبحت مصر واحدة من اكبر متلقي المساعدة الاميركية، اذ اصبحت تتلقى 1,3 مليار دولار (سنوياً) كمساعدة عسكرية بالإضافة الى مبالغ كبيرة من المساعدة المدنية كل عام».

وتضيف المقدمة إنه «منذ ذلك الوقت طورت المؤسسة العسكرية المصرية روابط وثيقة مع نظيرتها الاميركية، الامر الذي تمثل في مناورات عسكرية مشتركة وتدريبات للضباط المصريين في المعاهد العسكرية الاميركية، وشراء مصر معدات عسكرية اميركية. وقد ساعد هذا التعاون بين العسكريين (المصريين والاميركيين) اهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية في منطقة «الشرق الاوسط»، اذ تلقت الولايات المتحدة العبور السريع لسفنها البحرية (العسكرية) عبر قناة السويس وكذلك حقوق التحليق الجوي للطائرات العسكرية الاميركية. وبالإضافة الى هذا هناك التعاون الوثيق بين الحكومتين المصرية والاميركية في مسائل مكافحة «الارهاب». ويكفي ان نقول إن الولايات المتحدة اعتمدت على مصر فيما يتعلق بالتعاون الاستراتيجي لأكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك المساعدة الحيوية في مسائل عملية السلام العربية - «الاسرائيلية»».

وتنتقل مقدمة التقرير الى ما بعد وقوع الثورة المصرية لتقول: «أياً كان نمط الحكومة التي تخلف (نظام مبارك) في السلطة في مصر فإن المرجح ان الرئيس بعد مبارك سيملك سلطات قوية، يحتمل ان لا تكون الى الحد الذي كان يتمتع به مبارك، لتشمل هذه السلطات بقاءه قائداً اعلى للمؤسسة العسكرية».

ويجدر بالذكر ان مؤلف التقرير - وكان قبل التحاقه بجهاز باحثي المعهد المذكور محللا للشؤون المصرية بوزارة الخارجية الاميركية - انما وضعه كجزء من برنامج المنتسبين الخارجي الذي يشجع الباحثين الأكاديميين على كتابة دراسات عن المسائل الاستراتيجية الدقيقة التي تواجه الولايات المتحدة في مناطق العالم المختلفة ... وهو يتفحص بوضوح شراكة مصر مع الولايات المتحدة وأهميتها للأهداف الاستراتيجية الاميركية في المنطقة وبنية السلطة في مصر والسيناريوهات الممكنة العديدة للخلافة الرئاسية. كما انه يتفحص كيف يمكن لكل سيناريو منها التأثير على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ويعطي توصيات واضحة لصناع السياسة الاميركيين.

ويذكر مدير المعهد في مقدمته في هذا الصدد أسماء لشخصيات دخلت اطار المرشحين لتولي الرئاسة المصرية منهم عمرو موسى، الذي يذكر كاتب المقدمة صفته كوزير سابق للخارجية المصرية ويتجاهل صفته اللاحقة كأمين عام لجامعة الدول العربية (ومن العسير التأكد مما اذا كان هذا التجاهل مقصوداً أو عفوياً)، ومنها محمد البرادعي الذي يصفه بأنه من زعماء المعارضة. لكنه يصف هذين المرشحين بأنهما «لا يحتمل ان يؤثرا تأثيراً سلبياً على جوهر العلاقات المصرية - الاميركية ككل، لأن كليهما من شخصيات المؤسسة (الحاكمة) على الرغم من ان الولايات المتحدة ينبغي ان تتوقع من اي منهما الابتعاد بقدر ما عن بعض سياسات الولايات المتحدة في المنطقة».

ويضيف واضع المقدمة لهذا التقرير انه «يتعين على الولايات المتحدة - خلال فترة خلافة رئاسية ان يفهم صانعو السياسة الاميركية ان الانتقال سيتم بناء على احداث وعمليات داخل مصر وليس بناء على احداث وعمليات في واشنطن. يتعين على المسؤولين الاميركيين ان يتجنبوا مرشحاً معيناً للرئاسة الاميركية وأن يتحدثوا بدلاً من ذلك عن التزام بحكم القانون والدستور المصري. اما في حالة استيلاء العسكريين (على السلطة) - حتى ولو لفترة قصيرة - فإنه يتعين على المسؤولين الاميركيين ان يركزوا على الحاجة للعودة الى الحكم المدني بأسرع ما يمكن».

ولعلّ من أهم ما يذكره التقرير - في جزئه الاخير الذي يضع التوصيات السياسية للمسؤولين الاميركيين بشان الخلافة الرئاسية المصرية - هو ما يذكره من ان حالات الخلافة الرئاسية في مصر في الماضي تكشف لدارسها عن انها في كل الحالات تمت من دون اي تأثير من جانب اي من القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة و«إسرائيل» والمملكة العربية السعودية، ولا يتوقع احد ان يتغير هذا الوضع في المرة القادمة. ولهذا «ينبغي ان تمتنع الولايات المتحدة عن اعلان اي تفضيل لمرشح من بين المرشحين للرئاسة المصرية». ويشير التقرير في هذا الصدد الى حادث 4 شباط/فبراير الذي ضغطت خلاله بريطانيا - قوة الاحتلال في مصر - على الملك فاروق في عام 1942 كي يكلف مصطفى النحاس زعيم حزب «الوفد» والأغلبية بتشكيل حكومة جديدة وسط ازمة سياسية معقدة. وهددت بريطانيا وقتها بإطلاق المدافع على القصر الملكي في وجود فاروق اذا امتنع عن تنفيذ هذا الطلب. وقد رضخ الملك فاروق للضغط البريطاني، الامر الذي اعتبره المصريون بمثابة «إذلال وطني». واعتبر التقرير اي تفضيل من جانب الولايات المتحدة لمرشح رئاسة مصري في الظروف الحالية سيكون بمثابة إذلال وطني مماثل، بالنسبة للمواطنين المصريين.

وأوصى التقرير المسؤولين الاميركيين بأن لا يكتفوا بالاهتمام بالعلاقات الاستراتيجية مع مصر النظام ومصر القوات المسلحة إنما توسيع هذا الاهتمام ليشمل الشعب المصري، او على الأقل النخبة من المتعلمين المصريين لكي تبقى صورة العلاقات المصرية الاميركية على حالها. وحتى اذا ما جاء الى الرئاسة المصرية رئيس يتخذ موقفاً اكثر انتقاداً للولايات المتحدة مما كان مبارك، فإنه يتعين على المسؤولين الاميركيين ان يتجنبوا إثارة خلافات من وراء مثل هذا الموقف.

والتقرير يعود الى التأكيد بانه لا يتوقع حدوث اي تغيير في طبيعة او مستوى العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر. ويذكر انه من المتوقع ان يحرص الرئيس المصري القادم على هذه العلاقات على الأقل لكي يرضي قادة القوات المسلحة المصرية.

بل تذهب توصيات التقرير الى انه ينبغي على الولايات المتحدة ان لا تبدو مؤيدة لانقلاب عسكري في حالة وقوعه في مصر، لأن هذا الموقف يظهرها بمظهر تأييد حكم غير ديموقراطي. وفضلا عن ذلك فإن الكونغرس الاميركي سيميل في هذه الحالة الى عدم الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية والمدنية لبلد يحكمه انقلابيون عسكريون. ويرجح التقرير انه اذا حدث تأثير سلبي على المساعدات العسكرية لمصر فإن قادة الانقلاب العسكري لن يكونوا مستعدين لتمديد فترة حكمهم الى حد غير مرض للشعب المتطلع الى نظام ديموقراطي.

وفيما عدا ذلك فإن توصيات تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية الاميركي يرى ان باستطاعة الولايات المتحدة ان تظهر اهتماما واضحا بالحكم الديموقراطي في مصر أياً كان الرئيس القادم الى حكم مصر، وان تظهر اهتماما واضحا باستقرار طويل الامد في هذا البلد الذي يهم الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية اكثر من اي بلد آخر في المنطقة. لهذا سيتعين على واشنطن ان تعارض إجراءات من نوع تزوير الانتخابات او قمع الحريات العامة او قمع الحريات الاعلامية او اعتقال متظاهرين سلميين لا يلجأون الى العنف.

اما اذا تولت السلطة مجموعة متطرفة مثل «الإخوان المسلمين» وقررت إنهاء العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة فإنه سيتعين على الحكومة الاميركية ان تتصرف على نحو يحقق عزلة هذه الحكومة المصرية، وذلك باللجوء الى كافة الأساليب التي من شأنها إضعاف هذا النظام. في الوقت نفسه يتعين على الولايات المتحدة ان توصي «اسرائيل» بان لا تتخذ إجراءات تتسم بالعنف «ما لم تدرك الولايات المتحدة ان ضرراً سيقع بالمصالح الوطنية لـ «اسرائيل» نتيجة لسياسات مثل هذه الحكومة المصرية».

ويبدو التقرير في النهاية على درجة عالية من الثقة بأن أي حكومة تأتي الى السلطة في مصر، حتى اذا كانت من «الاخوان المسلمين»، لن تميل الى قطع كامل للعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، على الاقل بسبب اعتماد مصر على التسليح الاميركي للقوات المسلحة المصرية. «وينبغي ان نتذكر ان اميركا ربطتها بمصر علاقات تراوحت بين البرودة والعداوة طوال عهد ناصر، ولكن جاء الرئيس انور السادات من النظام نفسه واتبع سياسات ادخلت الدفء على العلاقات».


titre documents joints

Presidential Succession Scenarios in Egypt and Their Impact on U.S.-Egyptian Strategic Relations

3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
info document : PDF
2.6 ميغابايت

Authored by Gregory Aftandilian.


Presidential Succession Scenarios in Egypt and Their Impact on U.S.-Egyptian Strategic Relations

3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
info document : HTML
23.5 كيلوبايت

Authored by Gregory Aftandilian.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2176668

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176668 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40