الثلاثاء 1 حزيران (يونيو) 2010

جرائم «الزعران» وحرب السفن السبعة...

الثلاثاء 1 حزيران (يونيو) 2010 par أيمن اللبدي

أظن أن السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري لم يتوقع أن يثبت له وللعالم أجمع حمقى وغلمان «إسرائيل» ما وصفهم به قبل عدة أسابيع صدق وصفه بهذه السرعة، فهم خططوا وتربّصوا وتقافزوا كي يثبتوا أن السيد وليد المعلم كان على حق في وصفهم «بالزعران» في هذه المنطقة، وأصبح هذا الكيان اليوم نتيجة هذه «الزعرنة» يواجه كذا وخمسين جنسية مختلفة في قفزة واحدة، لم يدر بخلد أعتى «فتوات» الزمان أنه يستطيع فعل حتى ربعها.

التوصيف القانوني لما ارتكبته نسل عصابات الهاجناه وشتيرن في عرض البحر الأبيض المتوسط سيكون مركبّاً بشكل كبير، فأنواع ودرجات الخطورة في الجرائم المرتكبه ستشغل القانونيين فترة لترتيب ملفاتها، وليس على السيد أكومبو اليوم أن يحتال كي يحاول إيجاد ملفاً حقيقياً يجعل من وظيفته في النيابة مكتباً غير زائد عن الحاجة خاصة في ظل الأزمات المالية الدولية، وهو إن أراد أن يقنع العالم بأنه يثأر للعدالة الدولية فعلاً كما يتوجب أن تقود إليه جملة توصيف وظيفته، فعليه أن يذهب اليوم وليس غداً بطلب للتصديق على مذكرة جلب دولية لقراصنة زعران في البحر الأبيض المتوسط.

الزعران انفتحت شهيتهم على تركيبة من الجرائم دفعة واحدة، بحيث لا يدري المرء مع أيها يضع علامة حمراء على شدة الخطورة في معقبات هذه الجريمة، هل يقف عند ذبح العدالة الدولية وقوانينها التي ترفعها منذ عدة عقود في وجه الضعفاء كلما أرادوا ولو فسحة من الحياة وقطعة صغيرة من ثروات بلدانهم، هذه القوانين الدولية وهذه المواثيق انتهكت جهاراً نهاراً وأصبحت اليوم مداسة الشرف أو بجملة أبسط دون شرف، ومروراً بالقرصنة التي لا تحتاج خبيراً ولا لجنة دولية لتوضيحها لأنها كانت بسيطة في جميع جملتها الميدانية بحيث تغدو من تلكم الأسئلة التي يجيب عليها رجل الشارع العادي بين خياري «نعم» و«لا»، هل هبط زعران «إسرائيل» على هذه السفن في المياه الدولية وهي تسير بخط أفقي موازي للشاطيء الفلسطيني؟ وهل اقتادوا هذه السفن بحمولتها من هناك إلى أوكارهم في فلسطين المغتصبة؟

عملية المداهمة نفسها التي جابه بها «الزعران» بضع سفن مدنية تجارية تقل مدنيين معظمهم من الكهول والنساء، وأغلبهم من أصحاب المواقع الاعتبارية في بلدانهم من الشرائح التشريعية النيابية وحتى النشاطات الإنسانية الاجتماعية أيضا سافروا بدافع إنساني محض كانت فارقة، وما ينتج عن هذه المداهمة الإرهابية ليلة آخر أيار الحالي من قتل وجرح وترويع وإتلاف من قبل فئات قتالية يعدونها عندهم بالأقوى تدريباً بين بقية عناصر الزعران، هو أيضا مسألة سيتوقف عندها رجل الشارع الدولي برهة طويلة من الوقت وبخاصة هؤلاء الذين لطالما صدّعت آلة الدعاية الصهيونية رؤوسهم بالحديث عن ظلم العالم وشعوبه للصهاينة، وعن ديموقراطية كيان«الزعران» ومجتمع القيم والأعراف والمؤسسات والقانون والشرائع، وعن الجنة الموعودة والصديقة والمحبة للعالم وواحة التقدم والمدنية في الشرق الأوسط، هؤلاء سيجدون أنفسهم يستمعون ويشاهدون رواية طرف ثالث في كل هذه القصة التي لم تعد في شيء من أي تسلية.

يحسن أن يتذكر زعران «إسرائيل» يوم 31/5/2010 جيداً منذ اليوم لأنه سيعرف لاحقاً مع ما سيتلوه من أيام قادمة في حزيران الجديد باسم حرب «السفن السبعة» التي خاضها زعران الصهيونية وانكفئوا ووجوههم في غاية السوء، حرب بين قوات عسكرية بحرية وجوية مجهزة بأحدث المعدات وذات كثافة نيران لافتة وعديد لافت أيضا وغرفة عمليات مرتبطة بالأقمار الصناعية لا يجب نسيان هذا، وبين مجموعة مدنيين في سبات ما قبل الفجر بقليل يحملون معهم الحليب والصابون وألعاب الأطفال ويحلمون بتوزيعها غدا على أطفال يعاقبون على طفولتهم الفلسطينية فقط، فيسقط منهم عشرات الشهداء والجرحى والمرهبين ، هكذا هو توصيف طرفي الحرب التي خاضها زعران نتينياهو وباراك وأشكنازي ،وأتفق هنا مع السيدين الزهار والهندي في تتبع التوصيف القرآني الوارد في مسألة سوءة وجوه الصهاينة قبل اندحارهم عن فلسطين والأقصى تماماً كما قدماها ليلة أمس، وإن كنت أظن أن مسلسل فضائح هؤلاء ربما لم تبدأ بعد ذلك أنهى بالقطع ستصل كما وصلت يوما في أوروبا لدرجة أن تصبح الصهيونية ليست المرادف للعنصرية من موقع الخسة المعتدية، بل وأيضا المرادف الطبيعي للكذب والزيف والدونية التي تشتهر بها عصابات المافيا وإن كانت المافيا لم تصل يوماً إلى هذه الدرجة من الحيوانية والغرائزية البحت، يهم جداً أن يدرك رجل الشارع الدولي مستوى الكذب الذي تحفل به الرواية الصهيونية لهذه الجريمة ذلك أنها لا تقل عن مستوى الكذب في مجمل الرواية الصهيونية منذ بروباغاندا «المحرقة» وحتى بروباغاندا توصيف هؤلاء المدنيين الضحايا الذين تم إعدامهم بدم بارد كما قالت جماعة ناطوري كارتا اليهودية الأأرذوكسية في بيانها، بأنهم إرهابيون ينتمون لحماس وطبعا بما فيهم الرهبان والأحبار على متن هذه السفن!

مسألة ردود فعل العالم مسألة أخرى لا نريد أن نحتسبها لعدة ساعات صاحبت أو تلت هذه الجرائم، لأنها لا يجب أن تكون آنية ويجب أن تفعل فعلها الاستراتيجي التام، طبعاً نحن نتحدث عن وعي رجل الشارع الدولي ولا نتحدث عن الأنظمة ولا الحكومات ولا الدول أو الدويلات ولا أنديتها أو منظماتها على كل حال، وبالقطع ليست تلكم العربية أو الإسلامية أو بقايا عدم الانحياز باستثناء ربما تركيا لمصيبتها في رعاياها وأملاكها وعلمها المهدور الكرامة، لأن حسابات هذه جميعاً في المقام الأول ليست حسابات الشعوب ولا حسابات الضمائر والقيم في الأعم الأغلب، وهي طالما تذكّر السامع بأنها تدير سياسات ومصالح دول، ولأنها كذلك فهي ستحسب جيداً ردود أفعالها قبل أن تصدرها، فمثلاً عندما تكون المسألة متعلقة بتعرض صهيوني واحد لقرصة بعوضة في دولة ضعيفة، فلا مانع من إدانة الجنس البشري الشامل لهذه الدولة بحسب الفصول وتلاوينها وخاصة السابع الذي يسمح بما يمسح به كل محرمات، وإذا كان المصاب من جنسية تتبع الحلقات القوية ولكن الإصابة تمت على أيدي صهاينة، فمن المفيد تشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة التفاصيل والمسألة تظل رهناً بالمساومات خلف الكواليس.

الدول التي تسأل عن رعاياها دائما عند وجودهم في أي مكان من العالم تستثني حدود الكيان وهذه قاعدة جديدة في العلاقات الدولية كما يبدو تساهم الولايات المتحدة بترسيخها، وهي تفعل ذلك وتطبقه بذاتها كما فعلت في حادثة استشهاد راشيل كوري، والدول التي يتفطّر قلبها على ضحايا جرائم مجرمي الحرب الدوليين يفعل قلبها ذلك بحسب المنطقة الجغرافية وبحسب الثروات ونظام الحكم القائم ومدى انسجامه مع أجنداتها وشرهها وأطماعها، والعالم أصبح يقرأ عن ظهر قلب أية ردود فعل لأي حدث بحسب هذه الخارطة الجديدة من المفاتيح الدولية، وعليه فلا مجال لانتظار الطفرات إلا إذا فعلت الشعوب نفسها بنفسها رد الفعل المناسب عندما تصل إلى قناعة القرف من هذه المعادلات غير الحضارية وغير الإنسانية.

الحصار على غزة هو جوهر المسألة، وغزة هذه المسكينة تحاصر براً قبل أن تحاصر بحراً، والذي يحاصرها براً هو الذي يبني جدرا فولاذية ويطلق الغازات القاتلة والمواد الناسفة في الشقوق والأنفاق لضمان فعالية الحصار، والحصار في ظاهر شعاره أنه يتم لإجبار حماس على المصالحة الفلسطينية مع محمود عباس ونفق تسويته التي لا يعرف هو أين تسير وإلى أي هاوية تندحر، ويستفيد منه محمود عباس كما يستفيد منه النظام المصري وآخرون بشكل أو بآخر، بعض الآخرين نخشى أن يكون قد التبس على حصافتهم وحنكتهم السياسية والوطنية والإسلامية بعض التراتيب في الأولويات ، فعلى الأقل دعونا نجعل هذا الحصار على المقاومة وحكومتها الشاملة في غزة تحت سقف المقاومة نفسها لا سقف أوسلو وما تبعه وما التحق به ، طالما أن الحقيقي هو في الجوهر وأن جوهر الحصار ليس على تنظيم بعينه فلم نبقي هذه الشبهة التي يعني يكفيها سنواتها الأربع من استنفاذ حق الانتخابات التي أفرزت وليتها لم تكن.

عندما جوهر الحصار يكون في الرغبة الدفينة بكسر إرادة الفلسطيني في المطالبة بحقه والرضوخ لآلة المعادلات التي سلبته وطنه يوماً والتي تريد أن تسلبه اليوم صوته وروايته التاريخية حول وطنه فلم لا تظهر بما هي أصلاً عليه، ولم تبقى المسألة وكأنها باب آخر من أبواب الحسابات الداخلية الفلسطينية تحت سقف السلطة ومرفقاتها وتوابعها وتحت عتبة الورقات المصرية والأمريكية وغيرها هذا إن كانت هناك نية حقيقية في مسألتي الشراكة الوطنية والبرنامج الوطني المقاوم الموحّد لشعبنا، أما من فرض الحصار وقبل به في الواقع فهو ذاته الذي يقوم اليوم بمراجعة كاذبة مخادعة لواحدة من مضاعفات فرضه هو لا غيره وكحادثة لا تقبل الجدال بشأنها في كونها ناتجة عنه، ويأتي في رأس و أول هذه القائمة التي تحمل مجترحي هذا الحصار ما عرف بالرباعية الدولية برعاية الأمم المتحدة، وهؤلاء جميعاً شركاء في كل مضاعفات ونواتج عملية الحصار وشركاء للزعرنة والزعران وليست هذه الجريمة الأخيرة إلا واحدة من هذه المضاعفات الكثيرة بما تضمه من تنويع لا يقبله ضمير حي يقول أنه يسعى في سبيل الحياة والسلام والرخاء والتعاون الإنساني والحضاري والتقدم البشري.

كسر الحصار هو قرار، والمسؤولية تقع على العرب والمسلمين قبل غيرهم كما كانت أيام حصار الجماهيرية الليبية الشقيقة طيلة سنوات طويلة قبل أن يفعلها الأفارقة ويكسروا حصار ليبيا، اليوم يأتي الأتراك ليكسروا حصار غزة وحصار فلسطين فيها، يأتون بسفنهم وبرجالاتهم ونسائهم وراياتهم ولا يختفون خلف آخرين ونأمل أن يفعلوا ذلك وينجحوا به، والذي يريد أن يصدقه العالم بأنه يدعوا إلى كسر الحصار عليه أن يفتح حدوده البرية التي يغلقها ولا يلعب دوراً على الأمة باستدعاء سفير الزعران في عاصمته وإذاعة خبر مضحك أنه استدعاه ليطلب منه كسر الحصار، أو أن يرسل سفينة فوراً إلى غزة، وننتظر أثنتين وعشرين سفينة على الأقل في بحر غزة خلال ثلاثين يوماً من أيام العروبة وجامعتها واجتماعاتها سواء أكانت على مستوى مندوبين أو مستوى بوابين ، وإلا فإن غيره يفعل وسيفعل والناس تشاهد الفعل ولم تعد تأبه بالقول والشعارات، فالفرق بين القرار والفرار هو نقطة، نقطة يبدأ معها الفعل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165950

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165950 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010