الثلاثاء 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أكبر سجون العالم.. وأصغرها!!

الثلاثاء 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par خيري منصور

توصف غزة في وسائل الإعلام التي لم تستوطنها الميديا الصهيونية بعد بأنها أكبر سجن في العالم، ولا خلاف على كون القطاع سجناً لكل من في داخله، ما دام الحصار قد بلغ ما هو أبعد وأقسى من ذروته، لكن أكبر سجن في هذا العالم هو العالم ذاته، فالكوكب الذي حولته العولمة والرأسمالية ذات الأنياب التي تقطر سماً لم يعد يدور حول نفسه أو حول الشمس، بل حول مبنى البنتاغون وأحياناً يستريح في حدائق البيت الأشد سواداً من الفحم البشري في العراق وغيره من الساحات التي جربت فيها الأسلحة المبيدة.

العالم أصبح سجناً بعد أن صودرت حريات من سوف يصبح عددهم قريباً سبعة مليارات إنسان، هؤلاء حرموا من ثلاث حريات إضافة إلى حريتهم السياسية، الحرية الأولى هي حرية انتقال الجسد الذي يفتش ويصور ويستباح حتى نخاعه، والثانية هي حرية انتقال المعلومة، فالأدمغة تفتش أيضاً وكذلك القلوب، والحرية الثالثة هي حرية التفكير، فثمة الآن من يفكرون نيابة عنا، وينوبون عنا في كل شيء إلا الموت، الذي ننوب نحن فيه عنهم كي يعيشوا إلى أرذل العمر والقهر والزّجر!

لقد مرت لحظات كان فيها السجناء هم وحدهم الأحرار، لأنهم ليسوا مخدوعين بحرية زائفة، مثلما مرت أوقات كان فيها المحتلون هم وحدهم المستقلون لأن عددهم ماثل أمامهم بلحمه ودمه وسلاحه بعكس الاحتلال الآخر المتعدد الأسماء والأقنعة، لهذا كتب ذات يوم الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي من سجنه أن الفلسطينيين أكثر حرية وانعتاقاً من شعوب محتلة، لكن ما من أحد يعترف بذلك، وما من موعد مضروب حتى في أقصى التاريخ لتحررها.

ما أشبه هذا الكوكب بسيرك سياسي حيواناته من البشر أنفسهم، ولعل من كتب مزرعة الحيوان وهو جورج أورويل كان يتنبأ بزمن تتبادل فيه الكائنات الأدوار وصدقت نبوءته مثلما صدقت نبوءة روايته التي حملت عنوان 1984 وكتبت عام 1948 بأن تصبح الكلمات تعني عكس دلالاتها، فالحب كراهية والسلام حرب والاحتلال تحرير، إضافة إلى أن اثنين + اثنين تساوي خمسة، وقد يتضاعف الرقم تبعاً للرياضيات الانجلوساكسونية الحديثة فيصبح ملياراً!

فلسطين، وبالتحديد ذلك القطاع الذي عانى من القطيعة أكثر من أي شيء في الكون لا تنافس سجون العالم كي تكون الأكبر أو الأصغر، وبقدر ما هي سجن فهي حرية أيضاً، لهذا كتب سارتر في كتابه جمهورية الصمت عن زمن الاحتلال النازي لفرنسا يقول :

لم نكن أحراراً كما كنا تحت الاحتلال لأننا لم نكن فرنسيين كما كنا في تلك الأيام لأن مجرد كتابة اسم فرنسا يكلف المرء حياته.. وهذا ما فعله محمود درويش عندما اعتذر عن قراءة قصيدته سجل أنا عربي في عاصمة عربية، وقال إن قيمة هذه القصيدة أنها كتبت وقرئت في فلسطين تحت الاحتلال وهناك يصبح لعبارة سجل أنا عربي معنى آخر!

بقي أن نتذكر أصغر سجن في هذا العالم إنه ليس من زنازين وقضبان وأدوات تعذيب، كما أنه ليس من حديد وإسمنت، أصغر سجون العالم هو هذا الجسد الذي نقيم فيه، ونرتهن لغرائزه وجوعه وبحثه عن الأمان.

ما من سجين أسوأ حالاً ممن تحول جسده إلى زنزانة من لحم وعظم!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2181363

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2181363 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40