الخميس 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

متحدون من أجل «تغيير العالم»

الخميس 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

منذ أسابيع قليلة مضت كتب المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي قراءة تحليلية لواقع الأزمة التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، معتبراً أن هذه الأزمة هي أولاً أزمة حقيقية بكل معنى الكلمة وليست مجرد أقوال افتراضية، وهي ثانياً أزمة سياسية وليست مجرد أزمة اقتصادية رغم أن كل معالم الأزمة تبدو اقتصادية، فهي اقتصادية من ناحية ما هو ظاهر من معالم هذه الأزمة، لكن جذورها تمتد في عصب النظام السياسي الأمريكي والثقافة السياسية الأمريكية الحاكمة لأداء هذا النظام، وكانت أهم استخلاصات قراءة تشومسكي لهذه الأزمة أنها في الواقع تعبر عن «أفول نظام» أكثر من مجرد تعثر مؤسسات أو بنوك أو حتى سياسات اقتصادية، فهذه كلها موجودة وتتفاقم وتؤشر إلى معالم «انهيار نظام».

عندما كتب تشومسكي ذلك لم تكن حركة «احتلوا وول ستريت» قد ظهرت، وهي الحركة الشعبية الأهم الآن التي تعلي شأن مكانة الشعب في مواجهة استبداد الطبقة الحاكمة وكبار رجال المال والاقتصاد المسيطرة على الثروة والسلطة، وهي تطالب بإسقاط كل هؤلاء وتمكين الشعب من أن يعود ليمتلك مقاليد أموره بنفسه، وأن يقيم نظاماً بديلاً يحقق العدالة الحقيقية والديمقراطية الحقيقية وليس الديمقراطية المزيفة الفاسدة التي يسيطر عليها المتحكمون في مقاليد السلطة والثروة في البلاد.

وجاء تفجر هذه الحركة ليضع قراءة تشومسكي لحقيقة الأزمة الأمريكية في حجمها الطبيعي ولتؤكد أن واقعاً جديداً، قد يبدو جنينياً، يتشكل الآن داخل رحم المجتمع الأمريكي، وتتخلق معالمه خطوة مع كل نجاح يتحقق على أرض الواقع من أداء حركة «احتلوا وول ستريت» بكل رمزيتها في عدائها لمركز السيطرة المالية في النظام المالي والسياسي الأمريكي.

المفاجأة الأهم هي اتساع مدى أصداء دعوة هذه الحركة عالمياً وبسرعة مذهلة حولتها إلى حركة عالمية من أجل نظام سياسي واقتصادي عادل يحترم حقوق الفقراء ويؤسس لدور الشعوب في إدارة شؤون الحكم والسياسة، حيث تحولت الحركة إلى حركة عالمية.

ففي البيان الذي نشر على موقع «متحدون من أجل تغيير العالم» أكد المنظمون أن «الشعوب ستنتفض لتطالب بحقوقها وتطالب أيضاً بديمقراطية حقيقية، ولتحتج ضد السياسيين والنخب المالية التي يخدمونها» لكنهم لم يكتفوا بذلك بل إنهم انتقلوا من إطار تحديد ما يريدون فعله وتحقيقه إلى كشف الطرق والآليات المرجحة لذلك فقالوا «نحن الذين سنحدد مصيرنا ونرسم مستقبلنا، لسنا متاعاً في أيدي السياسيين والمصرفيين الذين لا يمثلوننا، حان الوقت لنا لنتحد، وحان الوقت لهم لينصتوا إلينا». وحدد بيان الحركة يوم السبت 15 أكتوبر/تشرين الأول موعداً لالتقاء الشعوب في الساحات والشوارع والميادين «من أجل أن ندشن التغيير العالمي الذي نريده».

الدعوة كانت لها أصداؤها في نحو ألف مدينة في كل أرجاء العالم من أمريكا إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا، وكان التوجه من أجل التعبئة الاحتجاجية على تدهور الأوضاع الاقتصادية وهيمنة رأس المال تحت شعارات شديدة الأهمية والخطورة معاً من نوع: «يا شعوب العالم انهضي» و«انزل إلى الشارع واصنع عالماً جديداً» في تحد للنظم القائمة، مؤكدين أن «الشعوب وحدها هي التي بيدها أن تقرر مستقبل ومصير الشعوب»، وأن الغاية هي «الديمقراطية الحقيقية».

شعارات لم يعتدها الغرب الرأسمالي، تطالب بإسقاط الرأسمالية الظالمة، وإسقاط الهياكل السياسية والاقتصادية التي همشت الشعوب لمصلحة قلة من المستغلين (بكسر الغين) تسيطر وتتحالف معاً للسيطرة على الثروة والسلطة.

حديث الثورات وصل إلى أمريكا وأوروبا، وبالذات ثورات العالم الثالث التي جمعت بين دعوة الاستقلال الوطني من ناحية والتحرر السياسي والاقتصادي للشعوب وإنهاء سيطرة رأس المال على الحكم وتمكين الشعب من السيطرة على الثروة الوطنية وإنهاء مجتمع الواحد في المائة وإقامة ديمقراطية حقيقية تحقق للشعوب أهدافها وغاياتها، لكن الى جانب أصداء ثورات العالم الثالث خاصة ثورات عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي، جاءت هذه الدعوة للثورة العالمية متناغمة مع ربيع الثورات العربية على نحو ما أوضح الكاتب الأمريكي ديفيد أغناسيوس الذي رأى أن ما يحدث الآن من دعوة لتفجير ثورة عالمية ضد النظام الرأسمالي ومؤسساته السياسية والاقتصادية جاء من ناحية دعوة لإسقاط جماعات النخب المالية والسياسية المسيطرة والمحتكرة للثروة والسلطة، وجاء من ناحية أخرى كردة فعل لمخرجات وتداعيات الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008، وامتداداً لقناعات ترى أن العولمة «تعود بالفائدة على الأغنياء أكثر من الفقراء» والجماهير الكادحة، وقناعات معادية للفساد السياسي والمالي للطبقات الحاكمة ورفض النخب التقليدية والدعوة لأن يقوم الشعب بنفسه بمهمة التغيير على نحو ما حدث ويحدث في الثورات العربية.

هذا اللقاء بين الثورات يكشف عن تنامي توجه عالمي نحو أهداف متقاربة أبرزها إسقاط هيمنة النخب الحاكمة التقليدية على السلطة وفرض سلطة الجماهير، وان تعود الشعوب لحكم نفسها بنفسها من خلال ديمقراطية حقيقية من جهة وتقسيم عادل للثروات الوطنية وتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية من جهة أخرى.

إن دعوات إسقاط النظام التي رددتها ثورات العرب يمكن أن تتحول إلى دعوة إسقاط النظام الرأسمالي وإقامة نظام بديل قد يكون طريقاً ثالثاً بين الرأسمالية والاشتراكية، لكنه حتما سيكون نظام ما بعد الرأسمالية على عكس كل توقعات عتاة مفكري الرأسمالية الذين تنبأوا عقب سقوط الاتحاد السوفييتي والشيوعية العالمية بالانتصار التاريخي للرأسمالية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2181791

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181791 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40