الأحد 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

لاغو يتذكّر.. وكم من لاغو لدينا بعد؟!

الأحد 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par عبداللطيف مهنا

منذ بداية مشروعه الاستعماري في بلادنا قبل قرون، أدرك الغرب أنه، وبرغم من ما أتاحه له الظرف التاريخي من تفوق شامل لكافة المجالات على أمة تكابد آثقالاً تراكمت لتخلف فرضته عليها مرحلة تاريخية امتدت لأكثر من أربعمائة عام لم تحكم فيها نفسها، أنه لن يستطيع إخضاعها والهيمنة عليها والتحكم في مصائرها ونهب ثرواتها، بدون انتهاجه سياسة عرفت حينها بسياسة «فرّق تسد»، والتي درج عليها منذ ذالك الحين وترجمت باستهدافها تجزئة وتفتيتاً وشرذمة، جغرافياً وسياسياً، مازالت تعاني نتائجه ولم تقو بعد على الفكاك منها، كما سعى ولا يزال للحؤول دون وحدتها ولضرب كافة الأسس والأبعاد التي تستند إليها وترتكز عليها عوامل نهضتها، بالتوازي مع حربه المستمرة على هويتها وثقافتها، واستشراسه الدائم لتزوير وتشويه تاريخها.

ومن هنا، جاءت فكرة الدولة المانعة، أو الأساس لافتعال الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، التي سبقت نشوء الحركة الصهيونية ذاتها، بغية الفصل الجغرافي بين آسيا وإفريقيا العربيتين، أو مشارق الأمة ومغاربها، ثم «سايس- بيكو» لاحقاً... وتاريخ الصراع العربي الغربي القديم المتجدد مليء بالأمثلة والشواهد والعبر التي لا مجال هنا لسردها.

المشروع الصهيوني، كمفردة من مفردات هذا المشروع الغربي الاستعماري وبعضاً من تفاصيله، دأب، قبل نشوء كيانه الغاصب في فلسطين وبعده،على السير في ذات الاتجاه، وسعى إلى اختراق كتلة الأمة عبر التسلل إلى مكامن ضعف وحدتها، التي من بينها قضايا أقلياتها العرقية والطائفية المزمنة في غياب امتلاكها لمشروعها النهضوي الكفيل بحل مشاكل ومظالم هذه الأقليات، ذلك بتغذية نوازعها الانفصالية ودعمها وتسعيرً غرائزها الانعزالية وتحريضها.

مع الزمن، والغزاة عادةً لا يقيمون وزناً لصنائعهم ولا يحفظون جميلاً لعملائهم، أولا يتستروا طويلاً على من وقعوا في شباك سياساتهم، بدأ «الإسرائيليون»، كلما أحسوا بأنه لم تعد لديهم حاجة للكتمان، يسرّبون بعضاً من خفايا تلك المحاولات، كاشفينها في كتب تصدر ومذكرات تنشر إلى جانب متعدد الدراسات المتعلقة، ويمكن أن يضاف إلى هذا المقالات والتحقيقات الصحافية التي تعالج الحقبة الزمنية التي نعيش، فاضحين جوانباً من تعاون بعض المتعاونين معهم.

مثلاُ، لم يعد اليوم سراً تواريخ بدايات تواصلهم مع المارونية السياسية الانعزالية في لبنان قبل وبعد نكبة فلسطين، والذي وصل لاحقاً أوجه في التحالف العلني المعروف إبان الحرب الأهلية اللبنانية سبعينيات القرن المنصرم. وكذا علاقاتهم القديمة والممتدة مع البرزانيين والحركة الانفصالية الكردية في شمال العراق، وصولاً إلى راهنها في ظل الاحتلال الأميركي، الذي جعل من كردستان العراق شبه المنفصلة عن الوطن العراقي ملعباً موسادياً مكشوفاً وقاعدة ومرتكزاً للتغلغل في كافة الخارطة العراقية وجوارها.

كما لم يكن سراً منذ أمد بعيد مواكبة «الإسرائيليين» للحركة الانفصالية في جنوب السودان ورعايتها ودعمها منذ أول أيامها، أو ما أسس لهذا التواجد «الإسرائيلي» الكثيف الظاهر الآن في ظل من العلاقة الحميمة المعلنة بين «إسرائيل» وحكومة جنوب السودان بعد فصله كحصاد آن قطافه لتلك المواكبة، الأمر الذي أدى الآن إلى فك عقدة لسان الجنوبيين، الذين دأبوا سابقاً على نفي الصلة مع «الإسرائيليين» ما استطاعوا رغم كشف «الإسرائيليين» لوقائعها، ليبدأوا الآن في الحديث عن تاريخية هذه العلاقة وتفاصيل بداياتها ومتتالي وقائعها. مثل هذا ما كان في حوار صحفي نشر مؤخراً في فلسطين المحتلة أجري مع رائد الحركة الانفصالية التاريخي في جنوب السودان جوزيف لاغو، الذي تعرض فيه سارداً لوقائع البدايات المؤسسة لهذه العلاقة وزيارته الأولى لـ «تل أبيب» عام 1968، معدداً بامتنان أشكال الدعم «الإسرائيلية» للحركة الانفصالية السودانية الجنوبية، من مثل معسكرات التدريب في أثيوبيا التي تخرج منها زعيم الحركة جون جرنق وسلفاً كبيراً خليفته ورئيس الدولة الوليدة بعد الانفصال، والأسلحة «الإسرائيلية» التي كانت تلقيها في أحشاء الأدغال الطائرات التي تتزود بالوقد إبان عودتها في كينيا.

ما كان من حال ما جرى مع المارونية السياسية والأكراد وزنج السودان جرى مثله مع غلاة الحركة الأمازيغية في المغرب العربي، لاسيما منها تلك الوريثة لرواسب فكرة «الظهير البربري» الفرنسية الاستعمارية بدايات القرن المنصرم، وتلكم الأخرى التي هي بعضاً من الحصاد الخبيث لما بذره «معهد الدراسات البربرية» في باريس. ذلك بدأ يظهر عبر مستجد الدراسات «الإسرائيلية»، والتي منها ما صدر منها عن مركز «موشي دايان» حول تاريخ الدعم «الإسرائيلي» للحركة الأمازيغية في نطاق ما يصفه «الإسرائيليون» بسياسة «رعاية الفاعلين غير العرب في محيط «الشرق الأوسط»»، أو محاولات الإفادة منهم في سياق الصراع مع الأمة العربية، لدرجة البحث عن علائق تاريخية يهودية بربرية مزعومة وصلت حد الكلام عن مقاومة مشتركة للغزو العربي للشمال الإفريقي... من هؤلاء أمازيق برنار ليفي الذين مزقوا صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر المرفوعة في شوارع طرابلس الغرب بعد تحريرها ناتوياً!

جوزيف لاغو لخص كنه مثل هذه العلاقات في إيراده لنص رسالة تهنئة كان قد وجهها لليفي اشكول عقب هزيمة العرب في نكسة 1967، قال فيها: «سيدي رئيس الحكومة، أنا أبارك لكم، أنتم شعب الله المختار، نجاحاتكم، ونحن وإياكم نحارب العرب أنفسهم الذين تحاربون. إذا قدمتم الدعم لي فإن بوسعي توفير شيء لكم بنجاح، سوف أشد وثاق الجيش السوداني وامنعه من الوصول إلى مصر لمقاتلتكم إلى جانب المصريين»... هذا الكلام للاغو، قال مالا يختلف عنه كثيراً الانعزاليون الموارنة والانفصاليون الأكراد، وليس بعيداً عنه أيضاً ما قاله أحمد الدغري الناشط الأمازيغي المتطرف، الذي وصف العلاقة مع «إسرائيل» في مقابلة صحفية بأنها «إحدى وسائل الدفاع عن النفس» ضد العرب والمسلمين على السواء!

...مع الأيام، وحيث الصراع مع المشروع الغربي الاستعماري وتجليه الصهيوني مستمر ومديد، ترى كم من لاغو لدينا لا نعرفه بعد، وهذه المرة ممن هم ليسوا بالضرورة من أقليات الأمة وإنما من أغلبيتها. كم منهم سوف يكشف لنا الصهاينة عنهم في قادم الأيام؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165259

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165259 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010