السبت 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

وعلى ماذا يراهن الغرب؟

السبت 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د. سمير كرم

السؤال الاستنكاري عن الذين يراهنون على الغرب سؤال مشروع من جوانبه المختلفة.

فالذين يراهنون على الغرب في هذه المنطقة معروفون وأهدافهم معروفة من جانبيها الذاتي والغيري. ورهانهم على الغرب من البداية لا يخفي دلالته، وهي دلالة تقول إنهم لا يثقون بأنفسهم من حيث القدرة على المواجهة ضد خصومهم او من حيث الحصول على التعاطف الشعبي داخلياً أو خارجياً. والذين يراهنون على الغرب يعرفون ان الغرب يتلاقى معهم في الأهداف القصيرة المدى والبعيدة المدى. وهم في الوقت نفسه يدركون، او بالأحرى يتصورون، ان للغرب سيادة كاملة غير منقوصة على الوضع الدولي. يؤمنون بأن أحداً لا يمكن ان يتحدى الغرب إذا لبى رهانهم عليه. أنهم يشعرون أنهم يعيشون في عالم غربي لا مجال فيه لتحدي الغرب. وهم أيضاً يدركون ان الغرب لا يمكن ان يرفض او يحبط رهانهم عليه، لأن قوة أخرى «لا غربية» في هذا العالم تستطيع ان تقف في وجه الغرب او تعرقل الرهان عليه.

وصحيح ان روسيا والصين تتصديان حتى الآن لمحاولة الغرب تفعيل الرهان عليه من جانب قوى المعارضة في سوريا داخل مجلس الأمن الدولي، إلا أن رهان «الثوار» في ليبيا على الغرب أضاء من البداية طريق التدخل أمام حلف الأطلسي، بما فيه الولايات المتحدة وارتدى مسوحاً موالية لمجرد اتخاذ قرار من مجلس الأمن مبرراً للتدخل العسكري في ليبيا.

والملاحظ حتى الآن أن أياً من القوى العربية التي يمكن أن تراهن على الخارج لم تفكر أبداً ولا للحظة واحدة في الرهان على روسيا او الصين للتدخل الى جانبها ضد النظام المطلوب إسقاطه. هل هذا احتمال وارد؟ نعم على الأقل نظرياً. فما الذي يمكن ان يمنع التجاء أي من القوى الجديدة في موجات الربيع العربي من أن تلجأ الى روسيا او الى الصين للتدخل في صفها. إن كلاً من روسيا والصين تملك من القوة العسكرية من تمكينها من كسب رهان «الثوار» عليها. ولكن الأمر المؤكد أن الذين يراهنون على الغرب إنما يفعلون ذلك إيماناً منهم بأن للغرب أهدافاً محددة في المنطقة يريد أن يحميها سواء كانت أهدافاً اقتصادية (النفط) او عسكرية (القواعد) او سياسية (النظم الموالية للغرب) لكن مثل هذه الأهداف لا وجود لها في حالتي روسيا والصين. ويمكن أن نضيف هنا أن الذين يراهنون على الغرب إنما يراهنون على قوة لا يحتمل أبداً أن يلجأ إليها النظام المطلوب إسقاطه.

نستطيع إذن أن نتفق على أن السؤال عن الذين يراهنون على الغرب مشروع من نواحيه المختلفة.

ولكن ثمة سؤالاً أكثر مشروعية من جوانب متعددة ولا بد من طرحه ليس فقط على أنفسنا - نحن المعلقين السياسيين ـ إنما على أولئك الذين يراهنون على الغرب، أياً كانت مبرراته للتدخل او أياً كانت مبرراته لتأجيل التدخل، كما هو واضح في حالة سوريا. إذ أن من المؤكد أن الغرب يؤجل التدخل لاعتبارات دولية تتمثل في انتظاره لقرار من مجلس الأمن يشبه القرار الذي اتخذه المجلس بكل العجلة اللازمة في حالة ليبيا، وأيضاً لاعتبارات غربية بحتة، أولها أن الغرب لا يريد أن يبدو وكيلاً جاهزاً لـ «الثوار» في المنطقة العربية ثم أن الغرب لا يملك استعداداً استراتيجياً ـ عسكرياً ـ للتدخل في أكثر من بلد «شرق أوسطي» واحد في وقت لا يزال فيه مشغولاً بحرب لا تبدو لها نهاية في أفغانستان وفي باكستان وكذلك في ليبيا.

يضاف الى هذه العوامل كلها عدم وجود وفاق واتفاق كاملين بين دول الغرب (والغرب هنا تعريف مرادف لحلف الأطلسي) حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن في التدخل لحساب المراهنين على الغرب. إن الولايات المتحدة ـ تواجه بين الحين والآخر خلافات مع حلفائها لا يكاد يكون بالإمكان إخفاؤها فضلاً عن معالجتها. وحتى في حالة النجاح النسبي في ليبيا بدأت تظهر في الأفق علامات على خلافات أوروبية ـ أميركية بشأن العجز المشترك عن تحقيق انتصار نهائي حاسم وبشأن نتائج وفوائد التدخل في هذا البلد النفطي المتميز. لمن يكون النصيب الأكبر ومن يرضى بنصيب اقل مما يتوقع؟

على أن الخلاف الأكبر بين الحلفاء الأطلسيين يتمثل في السياسة النووية للولايات المتحدة من ناحية وأوروبا من ناحية أخرى. والأمر الذي لا شك فيه، طبقاً لما يذهب إليه الباحثون الأميركيون الجادون في الآونة الأخيرة، هو أن الولايات المتحدة أصبحت في حالة تحفز للجوء الى أسلحتها النووية باعتبارها أسلحة قادرة فوق كل قدرة عسكرية أخرى على تحقيق انتصار حاسم على العدو المباشر وإدخال أقصى درجات الرعب على عدو بعيد محتمل. وبينما تبدي أوروبا تردداً وميلاً للابتعاد عن السلاح النووي وحتى عن التلويح به فإن القيادات الحالية في البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) تبدي استعداداً حقيقياً للجوء الى السلاح النووي. ويقول الباحث الأميركي ميتشل شوسودوفسكي في كتاب له نشره مؤخراً «مركز بحوث العولمة» أن لدى البنتاغون قائمة بالدول التي يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم في أي منها او في مجموعة منها مؤلفة من سبع دول في وقت واحد الأسلحة النووية الأميركية، وهذه القائمة متحركة إذ يضاف إليها ويحذف منها من وقت لآخر. وهي تضم في الوقت الحاضر كلاً من إيران وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا وكذلك روسيا و الصين.

ويذهب شوسودوفسكي في هذا الكتاب الى أن وزارة الدفاع الأميركية تملك منذ سنوات طويلة «سيناريو» مكتمل النواحي لشن حرب عالمية نووية، وان هذا السيناريو قد اكتسب أهمية كبيرة بعد أحداث ثورات الربيع العربي وبصفة اخص بعد أحداث ليبيا.

ويطلق البنتاغون على هذا السيناريو الجاهز لحرب عالمية نووية اسم «هجوم دفاعي وقائي نووي». وعلى أي الأحوال فان ربيع الثورات العربية الذي تفجر في ثلاث من دول الشمال الإفريقي (تونس ومصر وليبيا) قد اوجد بالنسبة للمخططين الاستراتيجيين الأميركيين مبرراً جديداً لوجود وتطوير سيناريو الحرب الوقائية الدفاعية النووية.

وفي كل الأحوال فإن المخططين للحرب النووية في البنتاغون لا يفصلون بين هذا السيناريو النووي وبين «الحرب العالمية على الإرهاب» وهي تسمية أطلقت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على اثر الهجوم على برجي التجارة العالمية في نيويورك وعلى مبنى البنتاغون في ارلنغتون بولاية فيرجينيا الذي لا يفصله عن العاصمة واشنطن سوى نهر «بوتوماك». ومعنى هذا أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة في أي وقت لوضع هذا السيناريو النووي موضع التنفيذ، رداً على أي عمل «إرهابي» تعتبره كبيرا او خطيراً عليها، او على أهم حلفائها، وفي المقدمة منهم «إسرائيل». و«إسرائيل» قوة نووية تحتاج الى حماية قوتها النووية بتدخل نووي أميركي.

هنا ان الولايات المتحدة تصف تنظيم «القاعدة» الذي نفذ عمليات ايلول/سبتمبر عام 2001 بأنه «قوة نووية» قادمة. وقد أعلنت إدارة الرئيس أوباما ان تنظيم «القاعدة» يسعى للحصول على أسلحة للدمار الشامل من بينها أسلحة نووية. وأعلنت ان «الإرهابيين الإسلاميين يستعدون لشن هجوم على المدن الأميركية». وأعلنت بعد ذلك أن أي تناول لموضوع انتشار الأسلحة النووية لا بد أن يشمل المنظمات «الإرهابية». وأضافت الى ذلك لاحقاً أنها لا توافق على طرح موضوع القوة النووية «الإسرائيلية» للبحث بسبب احتمال الإرهاب النووي، امتلاك «الإرهابيين» هذا النوع من الأسلحة (...)

يعيدنا هذا التناول للاستراتيجية النووية الأميركية الى السؤال الذي طرحناه في البداية : على ماذا يراهن الغرب بالنسبة لتدخله الفعلي والمحتمل على السواء في المنطقة العربية وإقليم «الشرق الأوسط»؟

وعند هذا الحد نتبين أن الغرب لا يراهن على أي شيء سوى قوته العسكرية، بما فيها السلاح النووي.

ولا بد أن نؤكد في هذا السياق بالذات أن الغرب ـ وبالأخص الولايات المتحدة ـ لا يثق في «الثوار» بمن فيهم أولئك الذي يسارعون الى الكشف علناً عن أنهم يضعون رهانهم عليه .. على الغرب، وبصفة خاصة الولايات المتحدة.

نحن إذن بصدد طرفين، طرف يثق ثقة عمياء بقوة الغرب خاصة عندما يتمثل في أميركا، وطرف لا يثق بتوجهات «الثوار». بل ان ثقته بهم تسجل تراجعاً مستمراً كلما تبين ان الاسلامويين منهم هم أصحاب الكلمة العليا، وان الاختلافات العقائدية والسياسية بين هؤلاء «الثوار» تسحب من تحت أرجلهم بساط التأييد الغربي وتجعل رهانهم على الغرب موضع الشك من الطرفين .. الطرف الذي بدأ بطلب التدخل الغربي والطرف الغربي نفسه الذي ما كان يمكن إلا أن يلبي هذا الرهان لأنه يمثل فرصة بقيمة كنز استراتيجي وسياسي.

وفي انتظار تطور يمكن اعتباره انتصاراً حاسماً لهذين الطرفين فإن الآتي سيكون أصعب كثيراً على كل منهما. وستزيد صعوبته إذا وجد الغرب نفسه أمام اختيار عسير بين الاستجابة لطلب تدخل آخر من جانب أصحاب التوجه الاسلاموي او الامتناع عن الاستجابة، الأمر الذي يتركه أمام هوة سحيقة لا يعرف كيف يمكن تخطيها.

إن جعبة التطورات مليئة بالمفاجآت للطرفين .. بل للجميع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2182008

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

64 من الزوار الآن

2182008 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 64


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40