الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

الامتحان الحقيقي بعد الصفقة

الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par عوض عبد الفتاح

لم تمض ساعات قليلة على الفرحة التي غمرت شعبنا بعد الإعلان عن التوصل إلى صفقة تبادل، التي بموجبها يطلق سراح 1027 مناضلاً فلسطينيًا، حتى دخلت الساحة الفلسطينية، فصائل وشارعاً، في حالة جدل اختلط فيه التعبير عن مشاعر الارتياح مع الشعور بالصدمة بسبب عدم شمل قيادات مركزية في الصفقة طالما جرى التأكيد على عدم التراجع عن شرط إطلاق سراحها.

وتجاوز النقاش المشروع حول نواقص هذه الصفقة إلى مناكفة بين حركة «حماس» وقادة في حركة «فتح» ومحاولة تسجيل نقاط ضد حركة المقاومة «حماس» وتبخيس الصفقة برمتها. وجرت المبالغة في وصف النواقص لدرجة الاتهام بوجود خطة وراء ذلك لضرب مصداقية أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية بعد توجهه إلى الأمم المتحدة وطلب العضوية لدولة فلسطين.

أولاً لا بدّ من التأكيد على أن الصفقة وإطلاق سراح مئات الأسرى هو أحد إنجازات الكفاح الفلسطيني المقاوم، وليس إنجازاً لنهج المفاوضات العبثية التي استهلكت 18 عاماً من الجهد والعمل بدون جدوى، وهو إنجاز ليس الأول بل سبقه إنجازات كبيرة كان أكبرها وأهمها صفقة التبادل التي جرت بين «إسرائيل» والجبهة الشعبية - القيادة العامة عام 1985 التي أطلق فيها حوالي 1149 معتقلاً. ما معناه، أن نهج الكفاح وليس نهج التوسل هو الذي يحقق الإنجازات ويحفظ كرامة الشعب الفلسطيني ويعيد إنتاج قيم المواجهة ضد الاحتلال والاستيطان والنهب، ونظام الأبارتهايد العنصري. وحين نقول نهج الكفاح فإننا لا نقصد وسيلة كفاحية واحدة، بل نقصد الكفاح بصورة عامة كطريق لدحر الاحتلال المسنود بتخطيط سليم وعقلاني بعيداً عن تقديس الوسائل والفوضى.

ولا شك أن «إسرائيل» دفعت ثمناَ كبيراً مقابل جندي الاحتلال جلعاد شليط، الذي كان ضمن جيش الاحتلال «الإسرائيلي» ومهمته المتمثلة في تشديد الخناق على الشعب الفلسطيني، وتحويل حياة الأطفال والنساء إلى جحيم كما هو الحال في قطاع غزة.

ثانياً؛ يجوز تسجيل النقد على حركة «حماس» التي زرعت الأمل في عائلات الأسرى بإطلاق سراح أبنائهم من قادة كبار محكومون بالمؤبدات، مثل أحمد سعدات - أمين عام الجبهة الشعبية، ومروان البرغوثي - عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وغيرهم الكثيرون، وعدد من أسرى عرب الداخل الذين مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، وهم الذين لا تعتبرهم «إسرائيل» أسرى حرية بل خونة لدولتهم.

فجاءت خيبة الأمل كبيرة وعميقة خاصة عند هؤلاء الأسرى وعائلاتهم. لكن هناك فرق بين هذا النقد المشروع وبين النقد السياسي الموجه من بعض قادة فصيل السلطة الفلسطينية المركزي «فتح»، وكأن الصفقة جاءت لتغطي على إنجاز محمود عبَّاس بإعادة ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، ومضاد له فإنه يُثير الاستغراب، بل تنضح منه رائحة الفئوية ومحاولة لتسجيل النقاط. ولا يجوز تحليل حيثيات الصفقة ونتائجها بمعزل عن دور اللاعبين الإقليميين الكثر الذين أدلوا بدلوهم وأرادوا أيضاً مكاسب.. هذا ناهيك عن اللاعب الثاني الأساسي، ألا وهو «إسرائيل» التي تمسك أيضاً بأوراق قوية.. والتي مع ذلك خضعت لمعظم مطالب «حماس».

لا بدّ من النظر إلى المسألة ضمن الاجتهادات الوطنية وبالتالي السعي لاستثمار هذه الاجتهادات وهذا الإنجاز، في تحقيق الطموح الشعبي بالانتقال بالحالة الفلسطينية الراهنة، التي بدأت تشهد إرهاصات تحرك جديد بتأثير الحراك الشعبي العربي، إلى مرحلة جديدة تحمل على أجنحتها رؤية سياسية وكفاحية موحدة، وحركة وطنية فلسطينية جديدة وموحدة وذات استراتيجية عمل واحدة ومتفق عليها.

إن موضوع الأسر، وما ينطوي عليه من عذاب الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية، وممارسات التنكيل، والبقاء في العزل لسنوات طويلة جداً، يُثير الكثير من الشجون ومشاعر الألم لدى الأهل ولدى الأصدقاء. ولكن يجب ألا ننسى أن هذا الأسر ليس القضية المركزية، بل نتاج النضال من أجل هذه القضية. والقضية الأساس هي النظام الكولونيالي العنصري الذي يقمع الشعب ويزج بمناضليه لتكريس هيمنته واستحواذه على الأرض والناس. هؤلاء المناضلون، إما اختاروا بأنفسهم هذا الطريق، وإما وُكلوا من قياداتهم بالمهمات في غمار كفاح يخوضه شعبنا من أجل تحرير الوطن وتحقيق العدالة والعيش بكرامة كشعب طليق وينخرط بالتنمية وبتشييد وطن حرّ.

إنّ النقاش الجاري حول الصفقة ونواقصها وتوقع تحقيق إنجازات أكبر من خلال أسر جندي احتلالي يعكس جوانب من المأزق الذي تعيشه الحركة الوطنية الفلسطينية والعجز عن تحقيق اختراقات كبيرة ضد الاحتلال. إنه يعكس العوائق التي تقف أمام تقدم المشروع الفلسطيني. فالشعب يعرف من تجربته التاريخية أن إطلاق سراح الأسرى لا يتم إلا عبر التبادل، فـ «إسرائيل» لا يمكن أن تطلق سراح قيادات ومناضلين محكوم عليهم بالسجن المؤبد نظراً لاستمرار الصراع وتعقده وانغلاق الفرص الحقيقية لتحقيق حل عادل لهذا الصراع بدون مقاومة وبدون إجبارها على دفع الثمن. والمسار الإستراتيجي الذي ينهي الأسر هو المسار الكفاحي الذي يُتوج بإسقاط الاحتلال والهيمنة الصهيونية، والذي يعني إنهاء معاناة الأسرى ومعاناة الشعب كله.

ومن هنا، من المفترض أن تصبح المهمة الأساس العمل على استثمار معاني هذه الصفقة ذات الأبعاد المعنوية والسياسية، وكذلك معاني نقل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة وما أفرزته من مواجهة ولو محدودة مع الإدارة الأمريكية و«إسرائيل» في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وفتح الباب أمام إعادة إطلاق مشروع كفاحي حقيقي ضد الاحتلال يتضمن تطوير وتصعيد مسار عزل «إسرائيل» عالمياً. هذا هو الامتحان الحقيقي أمام الجميع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165466

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165466 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010