الأحد 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

فعنونو واللغم النووي

الأحد 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par أمجد عرار

لم تأخذ القضيّة التي أثارها خبير الذرة «الإسرائيلي» مردخاي فعنونو حقها في التداول والنقاش المجدي والمفيد رغم مرور ربع قرن عليها، لا في أوساط الغرب ولا العرب. الغرب لأنه يغرق حتى أذنيه في السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، والعرب لأنهم ليسوا في وارد أي شيء يتعلّق بأمنهم القومي ومستقبل أمة تنام على مرمى حجر من مائتي رأس نووي في «إسرائيل» كشفها فعنونو عام 1986، ولم يظهر خبير آخر ليهرب ويكشف كم وصل العدد الآن.

فعنونو عمل في مفاعل ديمونا على مدى سنوات، وتعمّد التقاط الصور خلسة لمرافق مختلفة في المفاعل قبل أن يقوم بتهريبها ومن ثم نشرها، بواسطة صحافي بريطاني، في صحيفة «صنداي تايمز» مع معلومات موثّقة حول أسرار أسلحة الدمار الشامل «الإسرائيلية».

على كل حال، لم يجادل أحد في القضيّة، لا بالسلب ولا بالإيجاب، فـ «إسرائيل» كل ما فعلته أنها أرسلت «موسادها» إلى قلب روما واختطفت الرجل ونقلته مخدّراً في صندوق إلى «إسرائيل» حيث سجن ثمانية عشر عاماً. وعندما أنهى محكوميته، لم يحصل على حريّته كاملة، بل وضع قيد الإقامة الجبرية في ظروف تعني فقط أن ما تغيّر عليه هو شكل السجن. ومع ذلك، لم يضع فعنونو لسانه في فمه، بل واصل فضحه لأسلحة الدمار الشامل التي تملكها «إسرائيل»، ولطالما حذّر من خطورة هذه الأسلحة على أمن المنطقة والعالم، وكم من مرّة طالب بإخضاع منشآت «إسرائيل» لتفتيش وكالة الطاقة الذرية الدولية. ونتيجة كشفه المستمر وتحريضه الدائم، تعرّض للمحاكمة والمساءلة إحدى وعشرين مرة بعد خروجه من السجن عام 2004، بل صعدت مخابرات «إسرائيل» إجراءات الخنق والتضييق عليه. وقبل يومين رفضت المحكمة العليا «الإسرائيلية» طلبه للهجرة، فهو تحوّل منذ سنوات إلى الدين المسيحي، ولا يعتبر نفسه «إسرائيلياً»، لكنّه يتحسّر لأن أحداً لم يتبن قضيته، ولم تحقق في معلوماته أي مؤسسة دولية.

ليس محور حديثنا إلقاء الضوء على قضيّة شخص أخذ قراراً ودفع ثمنه، ولن نسأل عن سر عدم منح جائزة نوبل للسلام لشخص كشف أخطر ترسانة نووية في «الشرق الأوسط»، لكننا نسأل «العالم الحر» عن سر صمته إزاء القضية النووية ذاتها، وعن هذه الانتقائية في التعامل مع سلاح لا ينتقي ضحاياه إذا ما تم استعماله ذات يوم.

إذا كان أحد ينتظر أن تتعاون «إسرائيل» مع المنظمات الدولية وأن تكشف أوراقها، فهو واهم، فهي ترفض الانضمام لاتفاقية منع انتشار السلاح النووي، واستبدلتها بالسياسة التي تناسبها المسماة «الغموض البنّاء»، وهي تعني أن التهديد بسلاح «غامض» في نوعه وكمّه، قد يحقق نتائج أكبر مما يحقق استعماله.

لم يعد هناك مفر من تبني قاعدة أساسيّة مفادها أنه لا يمكن للحديث عن نزع سلاح الدمار الشامل أن يكون ذا مصداقية، ما لم يشمل كل من يملكون هذا السلاح ومن يعملون على امتلاكه. ولا يمكن أن يبقى مقبولاً لدى شعوب الأرض أن تواصل النوم على لغم نووي، والصحو على السؤال عن الغد وما يحمله للإنسانية وزينتها من الطفولة. ليست الانتقائية سوى سياسة عوراء لا تؤسس لاستقرار وإنما لمزيد من هيمنة الأقوياء على الضعفاء والمسلّحين على العُزل. ولا شك أن نضالاً مريراً يجب أن تخوضه القوى الحيّة لأجل عالم بلا سلاح.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178187

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178187 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40