الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

الجرافة ودرس التاريخ

الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par خيري منصور

منذ الأسبوع الأول لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، حاولت السلطات التمدد الاخطبوطي إلى مختلف مجالات الحياة لدى الفلسطينيين، فبادرت إلى رسم مخططات هي بمثابة تضاريس جديدة لشبكات الطرق بهدف التمهيد للاستيطان أولاً، ثم لعزل القرى والمدن الفلسطينية عن بعضها بحيث تغدو عرضة للعزل وبالتالي الجفاف بكل معانيه، ثم حاولت تدجين المناهج الدراسية، لاستئصال كل ما له صلة بالهوية العربية والذاكرة القومية، ونذكر أن إضراب المعلمين في فلسطين كان من بواكير الإضرابات التي حاولت سلطات الاحتلال احتواءها أو مصادرتها، ثم فشلت في المرتين.

ولم تسلم المناهج في تلك الفترة من المبضع الصهيوني الذي سعى إلى انتزاع القلب وإطفاء الجذوة الوطنية من خلال حذف نصوص وخرائط. ونذكر للمثال فقط أن ذلك المبضع السام غيّر مفردةً واحدةً من كتاب النحو لأحد الصفوف الإعدادية أو ما يسمى المتوسطة. فقد ورد في باب الحال من ذلك الكتاب مثال يبين موقع الحال وحركة الإعراب فيه، هو عاد العربي منتصراً وما غيّره المبضع هو كلمة منتصر حيث تحولت إلى زائر. كي يتسرب إلى عقول التلاميذ ووجدانهم أن العربي لا يعود إلى بلادهم منتصراً بل يعود زائراً، ولعل الأمر يتجاوز المصادفة أن سميت رحلة السادات إلى فلسطين عند هبوط طائرته في مطار بن غوريون «الزيارة»، وسرعان ما تبنت صحف ومجلات عربية هذه المفردة الطارئة، بمعزل عن النوايا، لأن الطريق كما هو معروف إلى الجحيم أو التأقلم مع الاحتلال معبد بالنوايا الحسنة.

الآن، تمتد عدة مشارط حادة إلى مناهج الدراسة في مختلف مراحلها بمدينة القدس وتسعى البلدية إلى إقناع أولياء أمور الطلاب بجدوى هذه الجراحة الغليظة، لكنهم يرفضون جملةً وتفصيلاً وبالإجماع هذه المكيدة، لأنها استيطان آخر يتوغل في الذاكرة الوطنية إضافة إلى التراب .. ما تسعى هذه المشارط إلى استئصاله وحذفه هو العلم الفلسطيني وأي نشيد متعلق به وعبارات من طراز الاحتلال والمقاومة، إضافة إلى كل القصائد والنصوص المختارة من التراث العربي الإسلامي والتي طالما كانت حاضنات ومرجعيات للتربية الوطنية.

ويغيب عن سلطات الاحتلال أن كل ما تريد حذفه لم يولد في الكتب وعلى الورق، فهو من صميم التكوين الوجودي للناس، ومن كيمياء حياتهم التي استمرت قروناً ولا تشطب بجرة قلم أو حتى بجرة صاروخ.

الاستراتيجية المتعلقة بالتعليم كانت من أولويات برنامج الاحتلال، فالتجهيل بشكل عام يسهل للمحتل مهمته في محو الهوية، وهو إن كان تجهيلاً للفلسطيني بجذوره ومكوناته ونطاقه الحضاري والقومي يكون أشد خطورة.

لكن وعي الفلسطينيين وأهل بيت المقدس بصورة خاصة بهذه الاستراتيجية منذ بدء الاحتلال وليس الآن فقط يجعلهم في أقصى درجات اليقظة والدفاع الباسل عن معنى وجودهم وعن كل ما تحتضنه كتب المدارس في وطنهم من رموز ومرجعيات.

إنها خطوة أخرى نحو التهويد لكنها هذه المرة تتجاوز الأرض إلى عقول التلاميذ وذاكرتهم لأن المحتل لا يخشى شيئاً كخشيته من المستقبل، فهو الكمين الذي يتربص به. لهذا ستبقى قصيدة للمتنبي أو حكاية للجاحظ أو نشيد لسليمان العيسى أو درس في التاريخ عن حطين وعين جالوت وميسلون ومخيم جنين أقوى من دبابة الاحتلال وجرافة الاستيطان وطوبى لمن قال لهؤلاء «عابرون في كلام عابر».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165661

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165661 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010