الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2011

تسامي «سيناء».. وجرح الكرامة المصرية

الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2011 par راكان المجالي

سيناءُ، لا شيء قبلها ولا بعدها. مركزُ ثقل الأمن والسياسة في آنٍ معاً. بابُ الغرب العربي، الموصَدِ على مشرقه، بقلعة الغرب الأوروبي «اليهودية... إسرائيل». «بافَر زون..» ثانية، لا بين أجزاء الجسد العربي فحسب، بل بين الدولة القلعة وبين ما يهدّد أمنها. صحراءُ من القلق، تُعادل مساحتها جغرافية مصرَ إلا قليلا، يحرسها الفراغ المُدَجّجُ بتغييب أصحابها وسكّانها، ببرامج أمنية دولية، منذ نحو ثلاثة عقود. شُرَطيان مصريان، بملامح محرومة، واحدٌ يدير وجهه نحو محرومي غزة، وآخرٌ تسفعُ الريحُ وجهَه من شدّة التحديق في حدود الدولة العبرية جنوبي غزة. وبلا جنود.

خطوط أمن دولية، متعدّدة الجنسيات، بمساراتٍ طولية موارِبة؛ من القنطرة إلى رفح، ومن العريش إلى جزيرة «تيران» ومضائقها. وهناكَ، في البحر المالح والضيّق، لا عربَ ولا مصريين، عند قرني البحر الأحمر، أو قل عند شُعبتيه (السويس والعقبة)، بل «تيران وأميركيون..»، وجزيرةٌ مدجّجة بحقول ألغام، تكفي لنسف قارّة بأكملها، تحت اسم قوات متعدّدة الجنسيات. لا طير يمرّ في هواء الجزيرة، لا زاجلَ ولا نورس ولا سنونو!

ذلك هو الأمن العبري، الذي صانته اتفاقية «كامب ديفيد»، على طول البرّ والبحر، الغربي والجنوبي لفلسطين المغتصبة. أمنٌ روجّت له السياسة المصرية «المخلوعة..»، تحت شعار «أنّ الضعف حكمة..» و«العجز سياسة..». ضعفٌ وعجزٌ لم يعد الشعب العربي المصري يفهمهما، حين أطاح بقيوده الثقيلة، فيما أطاح، مع الطاغية الممدّد على «سرير المحاكمة..». فجاءت التفاصيل، لتُشعل حريق اجتياح المصريين لسفارة «العار المؤقت..»، في «جيزة القاهرة..» العربية.

لسيناء المغيّبة والمغرّبة طويلاً، بكثافة سكّانها القليلة أو «المُقلّلة!»، ومساحاتها الشاسعة، وأمنها المهدور والمعتقل، منذ «كامب ديفيد..»، وملحقاتها السريّة والعلنية، ولاقتصادها وسياحتها، لكلّ تلك الشؤون السينائيّة، فإنّ معضلة سيناء تصبح قضية أكبر من أن تحتويها الحكومة المصرية الحالية.

وقد قلنا «مساحات سيناء الشاسعة..» عن قصد. بل والممتدّة بتنوّع أهميتها؛ فثمّة سيناء الشمال، مِن رفح إلى القنطرة، بما يعنيه المدى المتوسطيّ المفتوح. وثمّة سيناء القناة، مِن بور سعيد إلى السويس وما بينهما، بما هي الضفة الشرقية لقناة السويس، وأهميتها الدولية. وثمّة سيناء غزّة، مِن رفح إلى كرم أبي سالم. وثمّة سيناء الحدود مع الدولة العبرية، مِن كرم أبي سالم إلى «إيلات..». وثمّة سيناء العقبة، مِن «إيلات..» إلى جزيرة «تيران..»، بما هي الضفة الغربية لخليج العقبة الطويل والخطير. وثمّة سيناء السويس، بما هي الضفة الشرقية لخليج السويس، الذي يكمل استدارة «شبه الجزيرة التاريخية..»، ليس حول العنق المصريّ فحسب، بل وحول البطن العربي الرخو، تاريخيّاً. ذلك البطن، الذي تمّ شدّه وتحزيمه، منذ نحو ثلاثة عقود، بأحزمةٍ أمنية وعسكرية، دولية (إقرأ: أميركية) و«إسرائيلية»، لا تتيح للطيور حتى حريّة ممارسة البحث عن أرزاقها!

وعلى الرغم من زخم الأحداث وغليانها، في القارّة العربية، التي تعيش مخاضها التاريخيّ الصعب، فإنّ الشأن المصري يواصل تصدّر المشهد العربي، بين الفينة والأخرى. لا لشيء، إلا لأنّ بعض تلك التفاصيل لها أهميتها وتأثيرها العربيّان، ناهيكَ عن الأهميّة القومية لبعضها، أو قل كونها مِن مكوّنات الأمن القومي العربي الأساسية.ما يؤكّد تسامي موضوع سيناء، وارتقائه مِن شأنٍ مصري إلى شأنٍ عربي.

مِن سيناءَ إلى «جيزة القاهرة..»، تواصلُ إدارة المرحلة الانتقالية في مصر ارتباكها. قوات الجيش تتركُ الشباب، في النهار، يهدمون سور السفارة. وفي المساء، يتحوّل الإرباك إلى معركة، ثمّ يُعلن الجنود شبه حربٍ على محتجّي الشوارع. هي الدولة الأمنية نفسها، بعقلها التسلطي، لم تتغيّر. وحده الشعب العربي المصري تغيّر، لم يعُد يطيق التعايش مع جرح الكرامة المصرية، أو قل العربية، الذي تمثله «إسرائيل..»، في أمن سيناء وفي سفارة القاهرة. فالهجوم على السفارة، هو فيضٌ رمزي «لردم هوّة الكرامة المهدورة..»، وبأنّ الثورة جادّة في إعادة إنتاج مصر جديدة، ترفضُ التعايش مع قتل جنودٍ مصريين على الحدود، في سيناءَ، وتبقى صامتة. ذلك ما لا يريدُ جنرالات مصر الجُدد أن يتفهّموه! كأنها حرب استعادة مصرَ لهيبتها قد بدأت، ومن دون توقيت من أحد! وعناوين الصحف العبرية تشهد: الصفعة المدوية، الدراما في السفارة، سقوط السفارة «الإسرائيلية»، حصار السفارة، السلام تحت الهجوم، الرعب في السفارة، ودراما ليلية، وضرر استراتيجي..؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165622

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165622 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010