الأربعاء 14 أيلول (سبتمبر) 2011

هل تتأثر المقاومة بما يجري في سوريا؟

الأربعاء 14 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. أمين محمد حطيط

منذ ان بدأت الحركة الاحتجاجية في سوريا واتسعت مروحة المطالب المرفوعة ارتسم السؤال الذي يعول عليه الغرب ويتردد في اكثر من مكان استفساراً عن مدى تأثر المقاومة في لبنان بما يجري في سوريا وانعكاسه حاضراً ومستقبلاً عليها، وطبعاً كان السؤال مبرراً لأكثر من اعتبار، فالمقاومة والنظام السوري تجمعهما منظومة المقاومة والممانعة المتشكلة في المنطقة لمنع سيطرة ارباب المشروع الغربي عليها، وسوريا هي البوابة البرية الوحيدة للبنان المقاوم، وتشكل بموقعها الجغرافي العمق الاستراتيجي اللصيق والجسر الى العمق الاستراتيجي الأبعد شرقاً وفي اي اتجاه آخر في العالم. من اجل ذلك كان المراقب للاحداث يضع عيناً على المسرح السوري والعين الأخرى يبحث فيها عن مؤثرات ما يجري هناك على المقاومة في لبنان، وهي التي تتعرض لهجوم غربي من بوابة ما اسمي «المحكمة الخاصة بلبنان» والمناط بها بموجب القرار 1757 محاكمة قتلة رفيق الحريري، وانقلبت بوضوح كلي الى سيف يسلط على المقاومة.

بتقدير موقف تحليلي يمكن تصور اوضاع المقاومة في لبنان على ضوء ما سيؤول اليه الحال في سوريا، حيث اننا ورغم قناعتنا المطلقة بأن الهجوم على سوريا فشل وانقلبت خطة إسقاط النظام، بعد ان تبين عقمها، الى خطة الانتقام من سوريا التي يوحي اصحابها بأنهم لم يفشلوا بعد وأنهم يستطيعون ان ينالوا من سوريا ويحاصروا المقاومة في الآتي من الاسابيع، وهنا وانطلاقاً من قاعدة فرض المحال ليس بمحال، ومجاراة للمنهجية العلمية، فإننا نعرض السيناريوهات الممكنة وطرح الفرضيات المحتملة ـ مهما كانت درجة الإمكان او الاحتمال فيها ـ لنبين مدى تأثر المقاومة في لبنان بكل من تلك الصور والسيناريوهات التي سنعرض لها، والتي تتراوح بين توقع ثبات النظام واستمراره في دعم المقاومة، او تغييره وخسارة المقاومة عمقاً ودرعاً استراتيجياً، وبينهما فرضيات وسطية، منها بقاء النظام مع تغيير في اسلوب التعامل مع المقاومة او تغيير النظام مع عدم التنكر للمقاومة، او انقلابه الى نظام معاد للمقاومة، وأخيراً فرضية انهيار الوضع مع العجز عن إقامة نظام مركزي يحفظ وحدة سوريا :

[**1)*] السيناريو الأول : ثبات النظام القائم في مواقعه وسياساته من دون تقديم تنازلات للخارج ترتد سلباً على المقاومة. في هذه الحال لن تتأثر المقاومة في ما يتعلق بجهوزيتها وقدراتها القتالية وفعالية مواجهتها لـ «إسرائيل»، لكن الأثر السلبي الوحيد، الذي قد يسجل هنا في وجه المقاومة، هو علاقتها ببعض التيارات السورية التي انخرطت في الحركة الاحتجاجية وناصبت المقاومة العداء لأنها وقفت مع النظام.

[**2)*] السيناريو الثاني : استمرار النظام الحالي واضطراره للانكفاء داخلياً وتغيير سلوكه حيال المقاومة بشكل لا يبقيه حليفاً مساعداً ولا يحوله عدواً مطارداً. وقد يسعى الغرب الى هذا الوضع عبر تسوية تتم بينه وبين النظام، بحيث تتأمن مصالح النظام بالاستمرار الآمن، وتتحقق احلام اميركا في اقتلاع العقبة الاستراتيجية الهامة من وجه مشروعها الكوني، الذي لا بد له من ان يعبر من بوابة «الشرق الأوسط» حتى ينجح. وفي حال تحققت هذه الفرضية ستجد المقاومة نفسها قد خسرت أبواباً ومعابر وسنداً، الامر الذي سيضطرها للبحث عن بدائل وإيجاد أساليب عمل جديدة للإبقاء على قدراتها من دون الاصطدام بنظام يشهد تاريخه على دعمها، كما سيكون عليها الاستمرار في مراكمة قوتها مع بذل جهد إضافي. وفي عودة الى واقع المقاومة وإمكاناتها اليوم نجد أنها قادرة على التكيف مع هذا الوضع والعمل بمرونة تجمع المصلحتين، مصلحتها ومصلحة النظام.

[**3)*] السيناريو الثالث : سقوط النظام القائم وقيام نظام بديل عميل لأميركا ومعادٍ للمقاومة. وهو حل يعتبره الغرب مثالياً. اذ في حال نجاحه سيتكرر مشهد نظام حسني مبارك مع قطاع غزة وتتحول سوريا الى القلعة الاستراتيجية «الإسرائيلية» البديلة لمصر بعد انهيار مبارك. ولكن السؤال الذي يطرح هل أن نظاماً كهذا ممكن القيام في سوريا اليوم خاصة في مسألة العداء للمقاومة؟

من حيث ما يقدمه الواقع السوري اليوم من معطيات نستطيع القول بانخفاض نسبة الاحتمال الى ما يشبه العدم، ولكن وبما ان فرض المحال ليس بمحال، فإننا نرى ان المقاومة ومع نظام كهذا ستخسر حتماً عضداً وسنداً استراتيجياً، ما سيعقد عملها ويبدد جزءاً كبيراً من قدراتها وجهودها ولكنه لا يصل الى حد دفعها الى التآكل وإلقاء السلاح، خاصة مع توقع عدم استقرار سوريا مع نظام كهذا واحتمال تشكل المقاومات في داخلها ضده. ان وضعاً كهذا سيدفع المقاومة في لبنان الى بذل جهد اكبر والعمل على الذات والاستفادة من الطاقات المحلية مع ايجاد البدائل المناسبة، وهنا سيكون الشأن الداخلي اللبناني ذا اهمية اكبر في سياسة المقاومة واستراتيجيتها.

[**4)*] السيناريو الرابع : سقوط النظام والعجز عن إقامة النظام المركزي القوي البديل. وفي عودة الى ما يصدر عن الغرب من دراسات وبحوث استراتيجية، نرى ان الدوائر الصهيونية والاميركية وأن الغرب يسعى الى هذا الحل إن لم يتمكن من إقامة النظام العميل له او تغيير سلوك النظام القائم. اما الصيغة التنفيذية فتتجسد في واحد من امرين إما تقسيم سوريا الى 4 دول. او قيام المناطق المغلقة الواهنة التي ترتبط بالمركز بشكل ضعيف، ويكون الجيش السوري هو الضحية الاولى لهذا الحل. اما عن تأثيره على المقاومة، فإننا نرى بأنه يفقدها مكاسب لا بأس بها تتمتع بها مع النظام القائم، ولكن سلبياته لن تصل الى حجم سلبيات السيناريو الثالث، خاصة أن بعض الدويلات التي قد تصنع لن تكون في عداء اكيد مع المقاومة، وأن الاخرى لن تكون في قوة تمسك بأرضها.

[**5)*] السيناريو الخامس : سقوط النظام القائم وقيام البديل الذي لا يتنكر للمقاومة ولا يعاديها، وتتراوح سياسته بين التأييد، كما هو الواقع القائم كما عرضنا في السيناريو الأول، او التنصل من التزاماته حيالها من غير عداء كما هو في السيناريو الثاني. وهنا لن نناقش كثيراً في هذا الاحتمال لسببين، أولهما تجنب التكرار لأن انعكاس هذا على المقاومة مبين في السيناريوهين الأول والثاني اما السبب الثاني فيكمن في انعدام فرص حصوله، لأن الغرب وإن تمكن من إسقاط النظام لن يسمح بإعادة إنتاج نظام يدعم المقاومة.

اما في درجة احتمال او توقع تحقق اي من السيناريوهات فإننا نرى :

[**1)*] ان السيناريو الأول، أي بقاء النظام الحالي واستمراره في موقعه الاستراتيجي في دعمه للمقاومة، هو السيناريو الأوفر حظوظاً، حيث ان قوته الداخلية وأحزمة الأمان الإقليمية والدولية القائمة حوله لا زالت قوية وفعالة، الأمر الذي يسقط فرضية التدخل الأجنبي العسكري او «الإنساني».

[**2)*] اما السيناريو الثاني، اي بقاء النظام الحالي في السلطة وتراجعه عن الدعم العلني للمقاومة، رغم استبعادنا لهذه الفرضية لأن حظوطها منخفظة جداً، فإننا لا نرى خطراً جدياً يهدد المقاومة جذرياً ويؤثر على طاقاتها واستراتيجتها.

[**3)*] ومع السيناريو الثالث، اي قيام نظام مركزي قوي معاد للمقاومة، وهو الأقل احتمالاً الى ما يشبه الانعدام، فإننا نرى في تحققه الوضع الأسوأ الذي ستواجهه المقاومة، لكنه لن يصل الى حد المس العميق بقدراتها ومستقبلها نظراً لما تملكه.

[**4)*] اما السيناريو الرابع، اي عدم القدرة على قيام النظام المركزي البديل في حال سقوط النظام، فإنه يلي الأول من حيث درجة الاحتمال، لأن الأفق السوري لا يظهر جهة قادرة على إقامة الجبهة الائتلافية التي يمكنها ان تحكم، وأن الواقع الدولي والإقليمي لن يسمح بإقامة النظام العميل لأميركا ولن يساعد عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2180969

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2180969 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40