الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011

الثــورة لا الإرهــاب

الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011 par طلال سلمان

لم تكن مفاجأة أن يحاصر فتية الثورة في مصر سفارة العدو «الإسرائيلي» في القاهرة، وأن يطالبوا بما يتجاوز إغلاقها وطرد السفير إلى تأكيد هوية بلادهم واستكمال تحرير الإرادة والقرار الوطني من قيود معاهدة الإذلال التي فُرضت على مصر، بعد إجهاض احتمالات النصر في حرب رمضان المجيدة (6 تشرين ـ أكتوبر ـ 1973).

فالطغيان يأخذ إلى التفريط بالأرض الوطنية وثرواتها استرضاءً للعدو لمد فترة تحكّمه بشعبه... ومثال المغانم التي جنتها «إسرائيل» من ثروة مصر الوطنية في النفط والغاز لا تحتاج إلى دليل.

وبالتأكيد فإن تونس ما بعد انتفاضة البوعزيزي لن تتسع لسفارة أو قنصلية أو ممثلية ولو مموّهة لـ «إسرائيل» فيها.

كذلك سوف تسقط البدعة التي أطلقها معمر القذافي لتسوية الصراع العربي «الإسرائيلي» بإقامة «دولة إسراطين» التي تجمع «الشعبين» في سلام أبدي.

ولسوف يحدث الأمر ذاته في المغرب وموريتانيا، وفي سائر الأقطار العربية، بما يمنع على بعض حكام النفط التباهي بأن علاقتهم مع «إسرائيل» «ممتازة»، وبما يؤكد الترابط المطلق بين إسقاط الطغيان واستعادة الهوية الوطنية، وتصحيح التشويه المقصود لعمل المقاومة والتحرر وذلك عن طريق دمغه بـ «الإرهاب».

لقد استعادت الشعوب العربية هويتها وقضيتها متحررة من عبء المطاردة بشبح الاتهام بالإرهاب الذي أطلقته «غزوة نيويورك» قبل عشر سنوات، ملحقة بالعرب خصوصاً، والمسلمين عموماً، أذى أشد من ذلك الذي ألحقتهم به دهور الاستعمار الأجنبي والطغيان الداخلي.
صارت كلمة «العربي» ـ واستطراداً «المسلم» ـ مرادفاً «للإرهابي».

والحق أن أهل النظام العربي قد وظّفوا جريمة التفجير في نيويورك ضد شعوبهم، فليس أسهل من أن يتهموا كل معارض لهم بالإرهاب، وأن يسلموه إلى المخابرات الأميركية لتأخذه إلى معتقل غوانتانامو، أو يتولوا بالنيابة عنها، ولأسباب تخص الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب باعتقاله حتى الموت.. داخل الوطن الذي يمنع عليه أن يدّعي الحق في هويته، فكيف بأن يختار سلطته فيه!

وكان منطقياً أن يكون أعظم المستفيدين من تعميم هذه الخطيئة على الرعايا العرب «إسرائيل»، لتصور كل من قاوم احتلالها أرضه، فلسطينياً كان أم لبنانياً، بالإرهاب...

***

على امتداد عشر سنوات طوال، دفع العرب كلهم، واللبنانيون منهم في الطليعة، وما زالوا يدفعون ضريبة ثقيلة لعملية تفجير برجي التجارة الدولية في نيويورك التي نفذتها مجموعة من مقاتلي تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن.

يصعب حصر الأضرار الهائلة التي لحقت بالعرب أساساً، والمسلمين عامة، نتيجة تلك الجريمة البشعة التي رد عليها الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش بشن «حرب صليبية» جديدة على العالم العربي استهدفت دوله جميعاً وأرهبت شعوبه، قبل أفغانستان وبعدها، لا سيما وقد دمغت كل حركات التحرير وسائر القوى العاملة من أجل غد أفضل للإنسان بتهمة الإرهاب.

ولقد تصرف أهل النظام العربي وكأن الاتهام صحيح بالمطلق، وأن شعوبهم مؤهلة لارتكاب مثل هذه المذبحة ضد أبرياء، متعهدين بأن «يؤدبوها» حتى تهجر «الإرهاب» نهائياً وتكفر عن الخطيئة المميتة بالتعويض ـ سياسياً ـ على واشنطن، وذلك برعاية مصالحها في المنطقة جميعاً، وفي الطليعة منها «إسرائيل».

تأكد التحالف، المعمّد الآن بالدم الأميركي، بين أهل النظام العربي والإدارة الأميركية، الذي سرعان ما سيظهِّر صورته الاحتلال الأميركي للعراق، بذريعة إسقاط نظام الطغيان الذي ارتكب جرائم أخطر بحق شعبه، ولكن ثبت أن لا علاقة له بتفجير البرجين.

وإذا كان مفهوماً أن تسارع السعودية إلـى الاعتذار من واشنطن ومحاولة تعويض الخسائر، باعتبار أن «القائد» أسامة بن لادن والأكثرية الساحقة من المنفذين هم من الرعايا السعوديين، فقد أثار العجب أن يندفع أهل النظام العربي بمجملهم إلى التعهد باستئصال «الإرهاب» في ديارهم عبر شن حملة شرسة على كل من اعترض أو اشتبه بأنه قد يعارض الحكم في بلاده، في أي تفصيل، كقانون السير مثلاً.

توفرت لأهل النظام العربي، بعد 11 أيلول، مبررات مقبولة دولياً، لقمع شعوبهم بذريعة مكافحة الإرهاب، والتخلي عن قضية فلسطين التي دفعت ضريبة ثقيلة جداً ما زالت مستمرة حتى اليوم، وسنشهد بعض «تجلياتها» في الأيام القليلة المقبلة وعبر رفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وإقامة دولته فوق بعض البعض منها.

وهكذا فإن الفلسطينيين، وبعد عشر سنوات من «غزوة نيويورك» أبعد عن أرضهم وحلم الدولة فيها. ولا داعي لاستذكار واقع أن أسامة بن لادن و«القاعديين» جميعاً لم يقوموا بأية «غزوة» ضد «إسرائيل» أو مصالحها المنتشرة في «المواقع» التي اختاروها أهدافاً من دون توضيح الأسباب!

بل إن الفلسطينيين تحديداً قد دفعوا الضريبة مرتين: عبر محاولة التنصل من الثورة حتى لا يتهموا بالإرهاب، ثم عبر التسليم بشروط «إسرائيل» اللاغية لقضيتهم حتى يكون لهم حق الحياة كأسرى في معسكرات لجوء فوق أرضهم الوطنية.

ثم إن أهل النظام العربي استثمروا الجريمة في نيويورك لدى الإدارة الأميركية: ساعدوني حتى لا يأكلني الإرهاب، أو تعالوا فاحموني من الإرهاب! والمطلبان يلتقيان كتبرير مزدوج للقمع في الداخل!

كذلك فإن إسقاط العداء عن «إسرائيل» اتخذ من الشراكة في مكافحة الإرهاب ذريعة مقبولة أميركيا للتبرؤ من الإرهاب، وسرعان ما تحولت العلاقة المستجدة إلى «تحالف».

بالمقابل صار منطقياً اتهام كل من قاوم الاحتلال «الإسرائيلي» أو الهيمنة الأميركية بالإرهاب. وبات من السهل إدراج الحرب «الإسرائيلية» على لبنان في خانة القضاء على «الإرهاب»، لا سيما مع استذكار تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، كوندليسا رايس، في زيارتها ـ الإنذار إلى بيروت!

***

«الربيع العربي» بشارة بعودة الروح إلى الأمة، ومدخل إلى تصحيح المفاهيم جميعاً وإعادة الاعتبار إلى حق الشعوب في إسقاط أنظمة الطغيان وتحرير الإرادة لبناء الدولة الوطنية بهويتها الأصلية، وعلى طريق هذه الثورة تكشف كم أن أنظمة الطغيان كانت حليفاً موضوعياً بل تابعاً مسترهناً لإرادة الإدارة الأميركية ومعها «إسرائيل»، فكيف يمكن أن تبني دولاً قادرة ومنيعة على الاسترهان للخارج ولا تكون معادية ـ بالمصلحة كما بالتكوين ـ لشعوبها؟!

لقد أكدت الشعوب العربية أنها تعرف، عن حق، أعداءها، وأنها تقاتلهم مواجهة، لأنها صاحبة قضية محقة.

وهكذا باشرت معركتها ضد سجانيها ومزوري إرادتها في الداخل، كاشفة أن أنظمتها التي كانت ترهبهم إنما هي شريكة بل تابعة لقوى الهيمنة الأجنبية، رأس الإرهاب في العالم أجمع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165532

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165532 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010