الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011

العربي في الإعلام العبريّ ليس انساناً

كال الشتائم لمبارك ووصفه بأنه كلب وسخر من رمضان
الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011 par زهير أندراوس

عن إقصاء العرب من الأجندة الإعلاميّة «الإسرائيليّة» فحدّث ولا حرج: إضراب الأطباء في الدولة العبريّة استمر أكثر من خمسة أشهر، وعلى الرغم من وجود العديد من الأطباء العرب، لم تجر أيّ وسيلة إعلام عبريّة لقاءً مع طبيب عربيّ، لأنّ العربيّ في نظر الإعلام العبريّ هو المخرب، المغتصب، اللص، سارق السيارات، مُشيّد البيوت بدون تراخيص، والعربي بالنسبة للإعلام العبريّ هو كل شيء، إلا أنّه ليس إنسانًا

«عزمي بشارة هو عربيّ مسيحيّ، أمير مخول، الذي أُدين بالتخابر مع «حزب الله»، هو أيضًا عربيّ مسيحيّ، زهير أندراوس، هو الأخر عربيّ مسيحيّ، مع مسيحيين متطرفين مثل هؤلاء الثلاثة، لا أعتقد بأننّا نحتاج إلى مسلمين». هكذا بدون رتوش نشر أحد القراء الصهاينة في الدولة العبريّة تعقيبًا على مقالٍ نشرته مؤخرًا في صحيفة (هآرتس) العبريّة، طالبت فيه مصر بعد سقوط أخر سمسار للإمبرياليّة، حسني مبارك، بإلغاء اتفاق كامب ديفيد. اختيار هذا التعقيب وليس غيره من عشرات آلاف التعقيبات التي تُنشر ردًا على مقالاتي التحليليّة في وسائل الإعلام العبريّة لم يأت من فراغ، وبطبيعة الحال لا يدور في فراغ، إنّه يدّل بشكل غير قابل للتأويل على الآراء المسبقة التي يحملها الصهاينة في دولة الأكثريّة اليهوديّة، القائمة على نفي الآخر، بالمعنى العملي والمجازيّ أيضًا. فوسائل الإعلام باللغة العبريّة تُغذي التعصب والتشنج والعنصريّة لدى المستهلكين، وتقوم بعمليّة غسيل دماغ خبيثة للصهاينة ضدّ كل ناطق بالضاد وضدّ كل من يقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله. هذه العملية نابعة في ما هي نابعة من السياسة الرسميّة في الدولة العبريّة بالنسبة لفلسطينيي الداخل، إذ أنّها منذ قيامها على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ في نكبة العام 1948 تتخذ من سياسة فرّق تسد نبراسًا تحتذي به، وترى بأصحاب الأرض الأصلانيين مجموعة من الطوائف والمذاهب والحمائل والعائلات، وما إلى ذلك من تصنيفات لتفتيت المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الداخل وتحضيره للأسرلة، التي تهدف إلى خلق العربيّ «الإسرائيليّ» الجديد، صاحب الثقافة المشوهة، والبعيد جدًا عن آمال وألام شعبة الفلسطينيّ وأمتّه العربيّة.

وللتاريخ أُسجّل هنا أنّ صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، التي لا تسمح للعرب بالعمل فيها، أو كتابة المقالات التحليلية، هي الصحيفة الأوسع انتشارًا في الدولة العبريّة، وعلى الرغم من أنّ الرئيس المصريّ المخلوع، حسني مبارك، قدّم على مدار ثلاثين عامًا خدمات جليلة للإمبرياليّة والصهيونيّة وحوّل دولته إلى طوق النجاة لـ «إسرائيل»، لم تتورع هذه الصحيفة عن نشر صورة الرئيس المخلوع في المحكمة على صدر صفحتها الأولى وكتبت بالبنط العريض إلى جانبها: مثل الكلب. وعلى الرغم من أنّ كل إنسان على وجه هذه البسيطة يؤمن بالحريّة، يريد أنْ تتم محاكمة مبارك، إلا أنّ التشفي على الرئيس هو ليس من صفات وشيم فرسان حقوق الإنسان، كلّ إنسان، ولكنّ المعايير في «إسرائيل» مختلفة، لقد أردوا من وراء هذا العنوان المهين إهانة كلّ العرب والمسلمين، لا أكثر ولا أقّل. فنتخّيل جميعًا ماذا كان جرى لو أنّ صحيفة عربيّة نشرت صورة الرئيس «الإسرائيليّ» السابق، موشيه كتساب، الذي أُدين بعددٍ من عمليات الاغتصاب والأعمال المشينة وحُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، في المحكمة وكتبت إلى جانبها: رموه مثل الكلب، نميل إلى الترجيح بأنّ المستوى السياسيّ في «تل أبيب» كان سيُقيم الدنيا ولا يُقعدها، يرغي ويزبد ويحتج ولا نستبعد اتهام الصحيفة المذكورة بمعاداة الساميّة، كما أنّ الإعلام العبريّ المتطوع لكان قد كشّر عن أنيابه وهاجم بشدةٍ هذا التصرف العربيّ غير المهنيّ وغير الأخلاقيّ. نقول هذا مع أنّ الإعلام العبريّ الذي تُسيطر عليه الطغمة الأشكنازيّة، أيْ اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين من الدول الأوروبيّة هدر دم كتساف، الإيرانيّ الأصل، وأدانه قبل النطق بالحكم، وأجرى المقابلات التي لا تُعد ولا تُحصى مع ضحايا عمليّات الاغتصاب، وعدما أصدرت المحكمة قرارها سجّل هذا الإعلام لنفسه انتصارًا كبيرًا، ليس لأنّ الرئيس أدين بالاغتصاب، بل لكي يُوجّه رسالة لا لبس فيها أنّ أوّل رئيس دولة من اليهود الشرقيين استغل منصبه من أجل إشباع غرائزه الجنسيّة.

وعلى الرغم من أنّ أن التغطية غير النزيهة لشؤون الفلسطينيين في «إسرائيل» في وسائل الإعلام الرئيسية باللغة العبرية تكاد تكون مسألة يومية، فإن الظاهرة قد تمرّ مر الكرام من أمام العين المتفحصة للقارئ الناقد للغاية، ومرد ذلك، هو أن ما يجري في غالبية الحالات هو إقصاء العرب عن وسائل الإعلام، سواء كمواضيع تتناولها التغطية الإعلامية وكمغطين، وبالتالي عندما لا يظهر شيء ما في الإعلام فمن الصعب عندئذ أن نلاحظ بأنه غير موجود، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد قام أحد مقدّمي برنامج (الساتيرا) في القناة الثانيّة بالتلفزيون «الإسرائيليّ» بالاستهزاء من الدين المسيحيّ، ومن السيدّة العذراء، زاعمًا أنّها لم تكن عذراء، ولكنّ الأمر لم يتوقف عند ذلك، ففي شهر رمضان الأخير قام مُقدّم أحد البرامج في إذاعة الجيش «الإسرائيليّ»، المدعو أفري غلعاد، بتحويل المسلمين إلى مادّة للمسخرة لأنّهم يصومون في الشهر الفضيل، كما أنّه لم يتورع عن السخرية من عادات المسلمين في شهر رمضان الكريم، ولكنّ هذا العنصريّ، الذي قرر على ما يبدو، الانتقال إلى الفاشيّة، قال في برنامج قدّمه في الـ28 من شهر أب (أغسطس) الماضي إنّه يتحتم على الدولة العبريّة سحب جنسيات جميع العرب الذين يسكنون في منطقة المثلث، داخل ما يُسمى الخط الأخضر، لكي تتحوّل «إسرائيل» إلى يهوديّة أكثر فأكثر. اللافت أوْ عدم اللافت، أنّ مئات الرسائل وُجهت إلى قائد إذاعة الاحتلال، يتسحاق طونيك، مطالبة بردعه ومنعه من التعبير عن آرائه الشخصيّة العنصريّة، إلا أنّ السيّد طونيك لم يُكلّف نفسه عناء الرد، وواصل الفاشيّ غلعاد نفث سمومه ضدّ العرب والمسلمين، ودن حسيبٍ أوْ رقيب.

ومؤخراً زودتنا صحف «إسرائيل» بمثال مدهش حول قوة الغياب، في صحيفة (هآرتس) نشر خبر في صفحات الأخبار مع إيراد عنوانه على الصفحة الرئيسية التي توجهنا إلى قراءة الأخبار بالتفصيل في داخل الصحيفة، جاء فيه إنّ المحكمة العليا «الإسرائيليّة» أصدرت أمرًا احترازيًّا موجهًا إلى رئيس الحكومة وإلى دائرة أراضي «إسرائيل» بأن يعللا أسباب إعطاء أفضلية لجنود الاحتياط في تسويق قطع أرض في يافا، وقد تمّ إصدار هذا الأمر في نطاق النظر في التماس تمّ تقديمه في العام 2010، حول مناقصات البناء في حي العجمي في يافا. وقد أشار الخبر إلى أنّه خلال الجلسة التي سبقت إصدار الأمر، وجّه طاقم القضاة النقد للقرار بمنح امتيازات لرجال جنود الاحتياط في مدينة مختلطة بالذات. لكن، بالنسبة لغالبية مستهلكي الإعلام في البلاد فإنّ الأمر وكأنه لم يصدر بتاتًا عن المحكمة العليا: ففي صحيفة (يسرائيل هيوم)، وفي صحيفة (يديعوت احرونوت) وفي صحيفة (معاريف) لم تذكر ولو كلمة واحدة حول هذا الموضوع. ويُحظر علينا الاستهانة باختيار إخفاء حقائق هامّة مثل هذه الحقيقة في قضية ساخنة، ذلك أنّ قضايا السكن والأراضي هي صلب النقاش المشحون حول مكانة وحقوق المواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل»، وبدون اطلاع الجمهور على موقف المحكمة العليا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف يمكن لمستهلكي الإعلام أن يبلوروا موقفًا مدروسًا حيال هذا الموضوع، والذي تتخطى أهميته مجالات الالتماس الأصلي وتصل لتناول طابع الدولة والنظام؟ وعليه يُمكن القول والفصل سويّة إنّه من خلال عدم تناول هذا الموضوع فإنّ هيئات تحرير الصحف الثلاث ساهمت في تعميق إقصاء المواطنين العرب في «إسرائيل»، وهي تقصيهم هذه المرة من النقاش الإعلاميّ العامّ.

وقد قام منتدى شراكة بتوجيه رسائل في هذا الخصوص إلى محرري الأخبار في صحيفة (يسرائيل هيوم)، (يديعوت أحرونوت) و(معاريف) حول هذه المسألة. وفي الرسالة التي تمّ توجيهها إلى صحيفة (يديعوت احرونوت) عرض المنتدى أيضًا الإشكاليات في نشر نتائج الاستطلاع الذي أجري بخصوص دعم قانون المقاطعة، محررو العناوين الرئيسية على الصفحة الأولى نشروا أرقامًا حول إجابات المشاركين اليهود فقط في الاستطلاع، أما إجابات العرب فلم يتمّ إيرادها إلا في النتائج المفصّلة للاستطلاع في الصفحات الداخليّة للصحيفة، وهذه طريقة خبيثة ومنتشرة لإخفاء الفلسطينيين في دولة الأكثريّة اليهوديّة.

وعن الإقصاء فحدّث ولا حرج: إضراب الأطباء في «إسرائيل» استمر أكثر من خمسة أشهر، وعلى الرغم من وجود العديد من الأطباء العرب، لم تجر أيّ وسيلة إعلام عبريّة لقاءً مع طبيب عربيّ، لأنّ العربيّ في نظر الإعلام العبريّ هو المخرب، المغتصب، اللص، سارق السيارات، العربيّ هو الذي يبني بدون تراخيص، والعربي بالنسبة للإعلام العبريّ هو كل شيء، إلا أنّه ليس إنسانًا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2181622

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

69 من الزوار الآن

2181622 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 68


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40