الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011

لجنة تحقيق بالمر وأسطول الحرية

الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011 par منير شفيق

لم يجرؤ أحد على الدفاع عن التقرير الذي صدر عن لجنة بالمر التي عيّنها أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون (سيئ الفعل والذكر دائماً)؛ لأن التقرير انحاز انحيازاً فاضحاً لمصلحة الموقف الصهيوني - الأميركي من العدوان على سفينة مرمرة التركية التي كانت جزءاً من أسطول الحريّة الذي اتجّه لفك الحصار عن قطاع غزة.

ترأسّ لجنة التحقيق رئيس وزراء نيوزيلندا السابق جيفري بالمر، وقد عُرِف بتبعيته لوزارة الخارجية الأميركية وللحركة الصهيونية وبانحيازه الأعمى للكيان الصهيوني. ومن ثم يُفهم لماذا اختيرَ من بين كل الخيارات ليكون رئيس اللجنة، (أعضاؤها من الطينة نفسها) وقد أُريدَ منها أن ترفع تقريراً عن العدوان الصهيوني على سفينة مرمرة.

حصار قطاع غزة مخالف للقانون الدولي، وبشبه إجماع دولي، والاعتداء العسكري الصهيوني على سفينة مرمرة تمّ في عرض البحر وفي المياه الدولية، ووقع على سفينة تابعة لتركيا، لا يمكن أن تكون قد حملت سلاحاً. ولم يستطع القراصنة الصهاينة بعد الاستيلاء عليها الادعّاء أنها كانت تحمل سلاحاً من أيّ نوع كان.

ومع ذلك خرج التقرير العتيد ليقول إن حصار قطاع غزة لا يخالف القانون الدولي. ومن ثم لا يكون الاعتداء العسكري على سفينة مرمرة مخالفاً للقانون الدولي حتى لو كان قد حدث في المياه الدولية. أما الملاحظة الوحيدة التي أبداها التقرير فالإفراط في استعمال القوّة وليس مبدأ استخدامها ضدّ مدنيين يقلون سفينة سلمية مسالمة، وفي المياه الإقليمية.

اعتبر وزير خارجية تركيا داوود أوغلو التقرير «مناورة إعلامية «إسرائيلية»» وقال إن التقرير خرج عن وظيفته عندما اعتبر أن حصار غزة قانوني. وهو ما يتنافى مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن وعدد من تقارير جمعيات حقوق الإنسان، وصفت الحصار بالجائر وطالبت برفعه فوراً. ثم أضاف أن تركيا لن تقبل بهذا التقرير المسيّس، وهو بحكم غير الموجود بالنسبة إلينا. واعتبر «أن «إسرائيل» ارتكبت جريمة، وأن أكبر ثمن تدفعه هو خسارة صداقة تركيا».

ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية وبعض الإعلامية الدولية استنكرت التقرير واستهجنته، ورحبت بالخطوات العقابية التي ردّت بها تركيا على التقرير مثل تخفيض العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى سكرتير ثانٍ في السفارتين ووقف التعاون العسكري.

صحيح أن التقرير بحد ذاته يشكل فضيحة للأمانة العامة في هيئة الأمم المتحدة، وصحيح أن يُقابَل بأشد عبارات الاستنكار والاستهجان. ولكن المطلوب، والمفروض، أكثر من ذلك بكثير؛ لأن التقرير لم يهبط بمظلة، ولم يخرج كنبت غريب. الأمر الذي يتطلب قراءة ما وراء السطور. ومن ثم معرفة أين يقف العالم إزاء ظاهرة الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة برئاسة بان كي مون؟ ومعرفة من وراء بان كي مون؟ ومن ثم ما هو الموقف الصحيح الذي يجب أن يُتخذ ليس فيما يتعلق بالتقرير فحسب، وإنما أيضاً من جوهر الواقع القائم الممثل في الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة، كما من وراء قرارات الأمين العام وممارساته وسياساته.

لم تعرف أمانة الأمم المتحدة أميناً عاماً يتسّم بتبعية عمياء للإدارة الأميركية وللصهيونية مثل السيد بان كي مون، فإذا سبق وعرفت هيئة الأمم أمناء عامين متعاطفين مع أميركا إلاّ أنه ما من واحد منهم لم يحاول الموازنة بين هذا التعاطف وما يفترض به من حيادية والتزام بميثاق هيئة الأمم وقراراتها. وإذا سبق أن اتخذ أمين عام موقفاً مفضوحاً وفقاً للإدارة الأميركية إلاّ أنه في مواقفه الأخرى كان يُحاول أن يكون حيادياً ومتوازناً ولو نسبياً. ولهذا لم يصل أحد إلى المستوى الذي وصله بان كي مون بالتبعية للسياسات الأميركية في كل القضايا والمواقف بلا استثناء، ومن دون أن يطرف له جفن.

ومن هنا يكون قرار تعيين لجنة التحقيق ورئيسها وما انتهت إليه من تقرير ليس من صنع بان كي مون وحده، وإنما من صنع وزارة الخارجية الأميركية بالتمام والكمال.

وبهذا يجيء تقرير بالمر ليعطي دليلاً آخر من بين عشرات الدلائل بأن أمانة الأمم المتحدة وأغلب المنظمات المنبثقة عنها أصبحت مستلبة تماماً. وقد خضعت للهيمنة الأميركية عليها؛ ما يفقدها دورها كممثلة لجماع دول هيئة الأمم ويجعلها أداة ضدّ الشعوب وضدّ الحقيقة وضدّ القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم.

هذه قضية يجب أن تثار في الجمعية العامة، بل يجب أن يُصار إلى المطالبة بإقالة بان كي مون وإعادة تطهير أجهزة الأمم المتحدة من كل الموظفين الكبار الذين يأتمرون بأوامر بان كي مون ووزارة الخارجية الأميركية والصهيونية.

أما البعد الثاني الذي جاء تقرير بالمر ليكشفه فهو التماهي بين الإدارة الأميركية وحكومة الكيان الصهيوني و«اللوبي» اليهودي الصهيوني الأميركي.

فأميركا أيضاً لم تعد ذات سياسة مستقلة كما كان حالها في مرحلة الحرب الباردة، حيث كان من السهل التفريق بين السياسات الأميركية والسياسات الصهيونية. وذلك بالرغم من الانحياز الأميركي الدائم في حماية الكيان الصهيوني وتأمين تفوّقه العسكري. فما يجري الآن ليس انحيازاً أو تواطؤاً، ولم تعد العلاقة بين دولة إمبريالية كبرى وإحدى قواعدها الأمامية، أو بينها وبين حليف يتمتع بالأفضلية، وإنما أصبحنا أمام حالة تماهي بين السياستين كما تبعية القرار الأميركي، لا سيما في العشر السنوات الأخيرة، لمركز القوّة الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

فالظاهرة الجديدة تتمثل في تعاظم النفوذ اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة نفسها عند اتخاذ القرار الأميركي، لا سيما ما يتعلق بالكيان الصهيوني وما يمكن أن يُعد ماسّاَ به على مستوى العالم كله، فلم يعد بمقدور أميركا أن تقيم درجة من التوازن في علاقتها بالكيان الصهيوني وحلفائها الآخرين حتى لو كانوا بوزن تركيا.

على سبيل المثال حاولت إدارة أوباما أن يكون لها اجتهادها في موضوع التسوية، يبتعد قليلاً عن نتنياهو، أو يتوازن قليلاً، مع حاجتها إلى إنجاح تسوية. ولكن الذي حدث هو تراجعها في كل مرّة أمام سياسة نتنياهو بسبب التأثير الصهيوني الأميركي الداخلي عليها، وهو ما تكرّر في تقرير بالمر المتعلق بحصار غزة وأسطول الحرية.

ثم لماذا نذهب بعيداً، يكفي أن نرى الكونغرس الأميركي مجتمعاً يقف مصفقاً لنتنياهو 39 مرّة، وقد صفق له 54 مرّة. وهو لم يحدث لرئيس وزراء «إسرائيلي» سابق ولا لرئيس جمهورية أميركي قط، فهذه رسالة لأوباما وللعالم بأن الكونغرس الأميركي أكثر صهيونية من نتنياهو نفسه، وأشدّ تماهياً وإجماعاً مع سياسات الحكومة الصهيونية من تماهيه وإجماعه في أيّ قضية أميركية من الدرجة الأولى؛ مثلاً الموقف من الديون التي كادت تطيح بكل الاقتصاد الأميركي.

ولهذا لم يعد هنالك سياسة أميركية تتمتع بهامش - ولو متواضعاً - يختلف عن سياسة الحكومة «الإسرائيلية»، أو في الأدق عن السياسة الصهيونية الأميركية في الولايات المتحدة نفسها. فنحن هنا لسنا إزاء لوبي (أداة ضغط) وإنما إزاء مركز قرار نافذ ومتغلب على غيره من مراكز القرار الأميركي.

هذا ما يجب أن يعرفه كل من يذهب إلى «التعاون» مع أميركا باعتباره تعاوناً مع الكيان الصهيوني. وكذلك هو الحال مع من يتعاون مع بان كي مون، ومجلس الأمن، وبقية الملحقات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165470

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165470 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010