الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011

العالم ليس أكثر أمناً

الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. يوسف مكي

أيام قليلة وتحل الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001، اليوم الذي شهد هجوماً انتحارياً منسقاً، بطائرات مدنية على مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن. لقد استهدفت الهجمات مكمني قوة الإمبراطورية الأمريكية: الاقتصاد والجيش. وقد قدر عدد القتلى جراء تدمير مركز التجارة بأكثر من ألفي قتيل. وكانت طريقة تنفيذ هذه العمليات فريدة وسابقة في التاريخ الإنساني. ولعل ذلك ما يفسر حالة الذهول التي سادت كل زوايا الكرة الأرضية، ومطالبة الشعب الأمريكي الواسعة لحكومته برد انتقامي سريع، حتى قبل تكشف هوية منفذي تلك العمليات ومن يقف وراءهم.

طوت هذه الحوادث فصولاً من التاريخ، وفتحت حقبة جديدة في العلاقات الدولية، مفسحة الطريق لإعادة تشكيل الخارطة السياسية لكثير من البلدان. فبعد أيام قليلة، وقبل أن ترفع الأنقاض عن مواقعها، طرحت الإدارة الأمريكية شعار «عدالة بلا حدود»، وأعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش حربه «على الإرهاب». وقد تضمنت خطط هذه الحرب تغيير الحكومات التي تؤوي «الإرهابيين» وتقدم لهم الدعم والتأييد.

وتماثلت في سياق تشخيص الخصوم والأعداء، لغة الحديث بين أسامه بن لادن قائد القاعدة آنئذ، والرئيس الأمريكي جورج بوش حول تقسيم العالم إلى فسطاطين: الخير والشر. فقد عدّ بن لادن صراع «القاعدة» مع الولايات المتحدة وحلفائها، صراعاً بين الخير والشر. وأطلق بوش تصريحه الشهير أن «من ليس معنا في الحرب على الإرهاب فهو ضدنا». وحدد محور الشر في العراق وإيران وكوريا الشمالية، لكن العراق هو البلد الذي استهدف بالعدوان والاحتلال ضمن هذا المحور.

وتحت ذريعة الحرب على «الإرهاب»، وتجفيف منابعه، حرمت التنظيمات الإسلامية التي وصفت بالتطرف من التدفق المالي، ومن ضمنها منظمات المقاومة الفلسطينية، وبعض حركات التحرر في العالم. وشهدت الولايات المتحدة والعالم، عودة للمكارثية التي سادت في مطلع الخمسينات إثر اشتعال الحرب الباردة بين القطبين، الرأسمالي والشيوعي. وفرضت في الداخل الأمريكي، حالة الطوارئ وعطلت الحقوق المدنية، وتركت الأبواب مشرّعة لسن قوانين مقيدة للحريات، تحت لافتة مكافحة «الإرهاب». وتعرض المسلمون المقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية لحملة اضطهاد رسمية وشعبية شعواء. كما جرى تسعير حالة العداء مع العالم الإسلامي، ووصم الإسلام ظلماً وجوراً بما ليس منه.

وعلى صعيد آخر، جرى حديث مكثف عن نيّات أمريكية في إشاعة قيم الحرية والديمقراطية بالبلدان العربية، بادعاء أن من بين الأسباب التي أدت إلى إعصار سبتمبر، حالة الاحتقان بالمجتمعات العربية، جراء هيمنة أنظمة الاستبداد التي دعمتها في السابق، إدارات أمريكية مختلفة، وأن الولايات المتحدة حملت مسؤولية استمرارية الأنظمة الديكتاتورية في الحكم. ووفقاً لهذا التصور، فإن حوادث سبتمبر هي تعبير عن بلوغ حالة الإحباط واليأس مرحلة خطرة، أدت بالغاضبين إلى ارتكاب جريمتهم. وعلى هذا الأساس، فإن على الولايات المتحدة التوقف عن مناصرة أنظمة الاستبداد والعمل على إزاحتها عن الحكم، وإشاعة الديمقراطية وروح التسامح ونبذ الكراهية.

وكان رأس بن لادن، وتنظيم «القاعدة» الذي أعلن مسؤوليته عن حوادث سبتمبر هو الهدف الأول والمحطة الأولى فيما أطلقت عليه إدارة الرئيس بوش، بالحرب على «الإرهاب». وعلى هذا الطريق، أطيح بنظام طالبان في أفغانستان، وتم احتلالها. وقد أنجز ذلك على وجه السرعة، بعد أسابيع قليلة من أحداث سبتمبر، في بلد أنهكته الحروب.

وفي المراحل الأولى لهذه الحرب، لم تكن كلف الأمريكيين في الأرواح والمعدات عالية، لكنها بالتأكيد كبيرة جداً في صفوف الأفغان عسكريين ومدنيين، كلفتهم أضعاف عدد الذين سقطوا في نيويورك وواشنطن جراء عاصفة سبتمبر. لكن التطورات التي جرت على مسرح الحرب في الأعوام اللاحقة، جعلت أفغانستان تتحول إلى جحيم حارق تحت أقدام الغزاة.

وكان الهجوم على العراق، هو المحطة الثانية في «الحرب على الإرهاب». وإذا كانت الحرب على أفغانستان، قد بدت مبررة، كون طالبان احتضنت بن لادن وتنظيم «القاعدة»، فإن أسباب الحرب على العراق بدت واهية. واستندت إلى ذرائع تكشف بطلانها، كان في مقدمتها أن العراق يحتفظ بترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل، وأنه يقدم الدعم إلى تنظيم «القاعدة». وقد نتج عن احتلال العراق، تفتيته إلى محاصصات وقسمة بين الإثنيات والطوائف، ومصادرة دولته الوطنية كياناً وهوية، ومضاعفة النفوذ الإيراني في أرض السواد.

وكان الموقف الأمريكي من انتصار حركة «حماس» في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وحصدها عدداً كبيراً من المقاعد، وبالتالي تسلمها لإدارة السلطة الفلسطينية، قد كشف زيف الادعاءات الأمريكية بأن الحرب على «الإرهاب» تستهدف الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية وإشاعة الديمقراطية. فمنذ الوهلة الأولى لإعلان نتائج الانتخابات النيابية في الضفة الغربية وقطاع غزة بحصد «حماس» لأغلبية المقاعد، اتخذت الإدارتان «الإسرائيلية» والأمريكية موقفاً معادياً لحكومة السلطة الفلسطينية الجديدة، ومارستا عقوبات جماعية بحق الفلسطينيين، وفرض حصار شامل على قطاع غزة، بقي قائماً حتى يومنا هذا.

اتضح للقاصي والداني، أن الديمقراطية الأمريكية، تعني الخضوع للابتزاز الأمريكي والصهيوني، وأن ما تفرزه صناديق الاقتراع لا يعني شيئاً بالنسبة إلى صانع القرار الأمريكي، إلا إذا تمخض عنها وصول عناصر موالية للعدوان. وكان العدوان على جنوب لبنان محطة أخرى في هذه الحرب التي يخرج من رحمها مخاض الولادة لـ «شرق أوسط جديد»، وفقاً لتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندواليزا رايس، وكان التدمير مهولاً والمقاومة ضارية. والهدف هو تحقيق انكشاف لبنان أمام الكيان الصهيوني، واستكمال تنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والتمهيد لتطبيق خطة أولمرت لإعلان حدود نهائية للدولة العبرية، والانتقال بالنظام الإقليمي العربي، إلى نظام «شرق أوسطي».

وعلى الصعيد الاقتصادي شهد العالم الصناعي، بسب الحروب التي خاضتها الإدارة الأمريكية، وشاركها فيها الحلفاء الأوروبيون، أقسى أزمة اقتصادية منذ الأزمة التي شهدها العالم في ثلاثينيات القرن المنصرم، ومازال العالم بأسره يعاني من آثارها.

وستكون لنا وقفة أخرى نواصل فيها مناقشة تداعيات سبتمبر بإذن الله تعالى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2165976

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165976 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010