الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011

سجل البطولة في ثورة العرب الحالية

الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. علي محمد فخرو

أنصع صفحات تاريخ الأمم هي التي تسجًّل بطولات أفرادها وجماعاتها. تاريخ البطولات لا يؤدٍي فقط لمشاعر الفخار والاعتزاز عند الأمم وإنما أيضاً يحفًّز على استمرار روح وألق البطولة في المجتمعات. ولعل في قلب ذلك المشهد يتجلى موضوع البطولة والأبطال اثناء الثورات. فعلاقة الثورات بالبطولة علاقة جدلية: فالثورات يفجرها الأبطال، وهي بدورها تُولد مزيداً من البطولة والأبطال.

هذا الموضوع سيحتاج الى أن يُعطي اهتماماً بارزاً في أيامنا العربية التي نعيشها : أيام الثورات التي تجتاح الأرض العربية، ظهوراً وكوناً إلى حين، نجاحاً وتعثراً إلى حين. مطلوب من المؤرخين وعلماء الاجتماع وراصدي الأحداث الثورية العربية الحالية المبهرة أن يبادروا منذ الآن لتسجيل وتحليل، وتنقية ما فعله .. وسيفعله الأفراد والجماعات من قصص ووهج وتضحيات البطولة التي نراها أمامنا كالموج المتعالي بلا كلل ولا تعب ولا نكوص.

أول الخطوات الضرورية هي الإتفاق حول تعريف البطولة. فالفعل البطولي ليس هو الذي يتصف فقط بالشجاعة الجسدية والاستهانة بمخاطر العاهة والموت، بالرًغم من أهمية ذلك الجانب بالطبع، ولكنه أيضا الفعل الذي ينطوي على أهداف إنسانية نبيلة، وعلى رغبة في خدمة الآخرين، وعلى تحد للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الظالم الفاسد والإصرار على تغييره تغييراً جذرياً بإسقاط رموزه وتعديل أسسه الفكرية وأساليب تعامله مع المجتمعات والمواطنين. باختصار الفعل البطولي يجب أن يهدف للسمو بالحياة.

هذا السًّجل الذي نريده لن يعلق ويتيه في إبراز البطولات الفردية، بل سيشمل، وبنفس القوة من الإهتمام والفخار، إبراز بطولات الجماعات والجماهير التي ساندت واستجابت لنداءات وتضحيات الأفراد الأبطال من الرجال والنساء. هل كان غاندي لينجح لولا إسناد هذه الجماعة أو تلك ومشاركتها البطولية في الفعل البطولي الذي كان يقوده؟ هذا الجانب يجب أن يدوُّن حتى لا تنقلب البطولات الفردية أساطير ومزايدات بعد مرور الأزمنة والحقب.

لكن قصص البطولة والأبطال لا تكتمل إلا بمعرفة الأخطار والفواجع التي كانت تنتظر الأبطال، وكانوا يعرفون مقدارها وحجم كوارثها، فيما لو أن ثوراتهم وحركاتهم الاحتجاجية فشلت في تحقيق أهدافها. مقدار الأخطار الجسدية والنفسية والمعيشية يرسم مقدار وحجم ونبل الفعل البطولي والقائمين به. وفي الأرض العربية لم تكن تلك الأخطار كامنة في الأجهزة الأمنية الفاسدة المستبيحة للأنفس والأعراض فقط بل كانت متجذرة في عقلية سياسية أنانية حقودة ظالمة ترعرعت عبر القرون وأصبحت لها فلسفتها الشريرة في البطش بالمعارضين الشرفاء، وعلى الأخص بالأبطال منهم.

هذا السجل، وسيكون كبيراً ورائعاً، سيكون الرد هذا المفحم على الاتهامات الباطلة التي رددها الأعداء والمحبُون لجلد الذات من بعض العرب بشأن قابلية الأمة، شعوباً ومؤسسات، لقبول الاستبداد والتعايش مع الظلم والخضوع للأقوياء المتجبرين.

وسيكون الجسر الذي سيقفز فوق فترة الانحطاط العربي وتخلُف الأمة التي دامت عدة قرون ليوصل بطولات الماضي وما أكثرها، ببطولات الحاضر الثوري العربي، والتي ستؤدي إلى رجوع العرب إلى مسرح البطولات الإنسانية الكبرى من مثل بطولات محمد بن عبدالله والحسين بن علي.

ثمٌ ماذا عن مؤلًفي الرواية والقصة والتمثيلية والفلم والأغنية: هل سيأخذون ذلك السًجل ويحيلونه الى أدب وفن حتى تبقى أحداث البطولات وفاعلوها في مخيال ووجدان الأجيال تلو الأجيال؟ هل سينسى العالم قط أبطال هوميروس؟

هناك قول لونستون تشرشل يصف أحداث بلاده إبان الحرب العالمية الثانية: لم يحدث قط في مسرح الصٍّراعات أن وجدت أعداد كبيرة من الناس نفسها مدينة بشيء كثير لقلًة من الناس. ملايين العرب مدينون بالكثير الكثير لقلُة من شباب وشابات هذه الأمة الذين كتبوا صفحة البطولات عندما لم يخافوا من الإقدام ولكنهم خافوا من التراجع. هؤلاء ومن ساندوهم يستحقون تسجيل بطولاتهم لنا ولألوف الأجيال من بعدنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165866

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165866 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010