الثلاثاء 30 آب (أغسطس) 2011

بين ميدان التحرير ووزارة الخارجية

الثلاثاء 30 آب (أغسطس) 2011 par عوني صادق

في مقال له، كتبه تعليقاً على مقتل خمسة مصريين على الأرض المصرية (يوم الخميس 19/8/2011) برصاص جنود الجيش «الإسرائيلي»، نشرته صحيفة («هآرتس» - 22/8/2011)، طمأن تسفي بارئيل قراءه بأن العلاقات «الإسرائيلية» - المصرية تعرضت بسبب هذا «الحادث» إلى «أزمة»، لكنها لم تصل إلى حد «الشرخ النهائي». وهو إذ يرى أنه إذا كان «التدخل الأمريكي والتعقل المصري» قد مكّنا، هذه المرة، من تجاوز الأزمة، يلفت نظر القيادة «الإسرائيلية» إلى أن الأمر قد يكون مختلفاً في المرة المقبلة، بسبب تأثير «ميدان التحرير» في القرارات التي يمكن أن تتخذ في المستقبل.

وفي مقاله، يتجاوز بارئيل «الأزمة العابرة» إلى ما اعتبره «المعضلة المصرية»، فيقول: «المعضلة المصرية ليست فقط في كيفية الرد على مقتل خمسة من رجال الجيش المصري، بل في من يقرر السياسة الخارجية لمصر. هل سيكتفي ميدان التحرير بتغيير النظام، أم أنه سيصوغ من الآن فصاعداً المصالح الاستراتيجية والقومية للدولة، فلا يسمح للنظام بأن يقرر خطوطه الحُمر القومية والاستراتيجية؟» واضح أن بارئيل يفهم أن «تغيير النظام» يعني تغيير حسني مبارك لا غير، ويخشى أن يصبح الشعب هو من يصوغ السياسة الخارجية. لذلك نبه القيادات «الإسرائيلية» إلى ضرورة أن تأخذ في اعتبارها أن يكون الأمر مختلفاً في المستقبل.

المواطن المصري (أو العربي) الذي يحاول أن يجد الجواب لسؤال بارئيل، من خلال ملابسات وتطورات حادث مقتل الجنود الخمسة، تصدمه الوقائع ويتأكد أن القيادة «الإسرائيلية»، التي أقدمت على قتل الجنود المصريين عن عمد وسبق إصرار في اختبار للسلطات المصرية، لا بد أن تكون مطمئنة إلى نتائج الاختبار الذي أجرته بنجاح.

لقد رفع الشباب منذ الأيام الأولى للثورة شعار «الشعب والجيش إيد واحدة»، وجاءت حكومة عصام شرف من الميدان، بأمل تحقيق أهداف الثورة. لكن الأمور سارت على نحو آخر أدى إلى مليونية 8 يوليو/ تموز لتصحيح المسار الذي اعوج، فاتضح أن ما اعوجّ يصعب تصحيحه، إلى أن وقع «حادث» مقتل الجنود المصريين، فاتضحت الصورة أكثر. كانت مصادر الخارجية المصرية «المطلعة» قد قالت لصحيفة («الشروق» - 21/8/2011) إن لها ثلاثة مطالب: اعتذار «إسرائيلي» رسمي، وتعويضات لعائلات الضحايا، وتعهد بعدم تكرار ما حدث. وفي اليوم نفسه، أعلنت لجنة وزارية شكلها عصام شرف، لمتابعة تطورات «الحادث»، أن الأسف الذي قدمه وزير الدفاع «الإسرائيلي» إيهود باراك «غير كاف»، وطالبت بأن تقدم الحكومة «الإسرائيلية» اعتذاراً رسمياً. وبعد ذلك بيوم واحد (22/8/2011)، كتبت صحيفة «معاريف» تقول بما يشبه الفخر: إن المشير حسين طنطاوي استدعى رئيس الحكومة عصام شرف، و«وبخه» على قرار سحب السفير المصري، وفرض عليه إلغاء القرار. وفي اليوم التالي، قال إيهودا باراك لصحيفة («هآرتس» - 23/8/2011): ««إسرائيل» لم تعتذر، وأنا أيضاً لم أعتذر رسميًا. ولكن ما حدث هو أنني أعربت فقط عن أسفي لفقدان حياة الإنسان نتيجة لخطأ عسكري».

ومتابعة للموقف الرسمي المصري بهذا الخصوص، كشفت «مصادر مصرية مطلعة» تحدثت لصحيفة («الشروق» - 24/8/2011) أن القاهرة اكتفت بفتح تحقيق مشترك مع «إسرائيل» عن ملابسات «الحادث»، ولم تطلب من القوات الدولية فتح تحقيق في «الحادث». وأكدت المصادر ذاتها أن هناك «اتفاقاً مصرياً - «إسرائيلياً» على ألا يتحول الأمر إلى تحقيق دولي»، واعتبرت أن العلاقات العسكرية بين الجانبين هي «في أفضل حالاتها الآن بعد تجاوز الأزمة».

كان إلغاء اتفاقية (كامب ديفيد) أحد أهداف الحركة الوطنية المصرية لثلاثة عقود، وكان موقف نظام حسني مبارك أنه لا يمكن المساس بهذه الاتفاقية، لا يمكن إلغاؤها وأيضاً لا يمكن أن تخضع لإعادة النظر أو المراجعة (إلا إذا «إسرائيل» رأت أو طلبت ذلك). من هذا المنطلق رفع البعض، هذه المرة أيضا، شعار إلغاء الاتفاقية والمعاهدة، فتصور البعض الآخر (سيّئ النية ومعظمه من فلول النظام الساقط) أن هذا مطلوب (الآن الآن وليس غداً)، فاتهموا المطالبين به بدفع مصر إلى الحرب وهي غير مستعدة لها، وفاتحين أبواب التخاذل إزاء «الحادث» الأخير. كان المطلوب الآن، ولا يزال، إعادة النظر في اتفاقية ومعاهدة فرضتا على الشعب المصري بالإكراه، وثبت أنهما تقيدان حرية مصر في السيطرة على جزء من أرضها وتمنعان إعمارها وتنميتها، وتسمحان بالاعتداء على سيادة مصر الوطنية، بل وقتل أبنائها مقابل «أسف غير رسمي» من مجرم موصوف.

أحد المشاركين في المظاهرة الحاشدة أمام السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، قال لوسيلة إعلامية: «أسف ... إيه يعني أسف. بسيطة، نروح ونقتل لهم خمسة ستة بدل اللي قتلوهم، ونتأسف لهم ... الدم عايز دم». هتافات المتظاهرين أمام السفارة بدأت بطرد السفير «الإسرائيلي» وسحب السفير المصري، ووصلت إلى إلغاء كل الاتفاقيات التجارية، وأخيراً إلغاء اتفاقية كامب ديفيد. هذه كانت مطالب «ميدان التحرير»، فأين مما توصل إليه المجلس العسكري ووزارة الخارجية من نتائج؟ السعيد كامل، الأمين العام لحزب «الجبهة» المصري، علق على قرار الحكومة بالتراجع عن سحب السفير قائلاً: «للأسف، ما زالت الحكومة تعيش في جلباب مبارك بعد ثورة 25 يناير». الحقيقة أن ليست الحكومة وحدها هي التي تعيش في جلباب مبارك، بل هو «المجلس العسكري» الذي يبدو من خلال كل تصرفاته مجرد امتداد طبيعي لنظام حسني مبارك. أما حكومة عصام شرف فلا حول ولا قوة لها، مثل أي حكومة كانت في عهد مبارك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2177900

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2177900 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40