الثلاثاء 30 آب (أغسطس) 2011

حتى لا تتكرر تجربة العراق

الثلاثاء 30 آب (أغسطس) 2011 par د. فايز رشيد

مع إسقاط نظام القذافي غير مأسوف عليه تبدأ مرحلة جديدة في ليبيا، مرحلة محفوفة بالمخاطر ومفتوحة على احتمالات عديدة، وبخاصة أن المجلس الوطني الانتقالي يفتقد برنامج عمل مدروساً لمرحلة ما بعد القذافي، إلا من خلال تصورات وطنية وديمقراطية عامة، كذلك فإن القوى العديدة المنضوية تحت ائتلافه، متباينة في رؤاها لمستقبل ليبيا، فهي تراوح بين الأصولية الدينية، مروراً بأحزاب وطنية قومية وصولاً إلى الأخرى اليسارية، بالرغم من ضعف البنى التنظيمية لهذه الأحزاب التي لم نسمع عن أغلبيتها سابقاً، الأمر الذي يعطي الانطباع بحداثة تشكليها أي ما بعد بدء ثورة 17 فبراير.

التناقض بين القوى المشكلة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، كبير إلى الحد الذي أدى إلى اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس القائد العسكري لقوى الثورة التابعة للمجلس. مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس، لا ينكر بدوره وجود التناقضات الجوهرية الأساسية بين الأطراف، لذلك، في توجيهاته لقوات الثورة التي دخلت العاصمة طرابلس، حذّر من قوى أصولية دينية تعمل من أجل مصالحها ومكتسباتها الذاتية بعيداً من المصالح العامة للشعب الليبي. في السياق نفسه يأتي تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي راسموسين قبل بضعة أيام، الذي يدعو فيه إلى إبقاء ليبيا بلداً موحداً، كما يدعو إلى المصالحة، وعدم الانتقام، والابتعاد عن الاقتتال الداخلي. من هنا تكون إمكانية التوقعات والسيناريوهات المختلفة للمستقبل الليبي برمته.

فالثروة الليبية من النفط والغاز، تشكل إغراءً للولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل التحكم فيها،كذلك فإن هذه الدول حريصة على منهجية السياسات العامة للمجلس الوطني الانتقالي، فرنسا تتصرف وكأنها صاحبة الأمر في ليبيا، لذلك ليس غريباً أن ترتفع الأعلام الفرنسية في أيدي بعض الثوار الداخلين إلى طرابلس.

من جانب ثانٍ، فإن المجتمع الليبي ما يزال قبلياً في الكثير من شؤونه، بمعنى أن الولاء للقبيلة يحتل حيّزاً مهماً من تفكير وصياغة المواقف، لغالبية الليبيين، فليس سراً أنه مع بدء ثورة 17 فبراير انقسمت القبائل بين تلك المؤيدة لنظام العقيد القذافي والأخرى المساندة للثورة. هذا الانقسام سيؤدي دوراً في صياغة مواقف المجلس في المرحلة الجديدة، إضافة إلى إمكانية الخلاف على اقتسام «كعكة السلطة» بين قوى وأحزاب ليبية (يصل تعدادها وفقاً لتصريحات أعضاء في قيادة المجلس، إلى ما ينوف عن الـ 40 حزباً وجماعةً). بالتالي لنتصور حجم التباينات بينها، وبخاصة أن أحزاباً كثيرة منها، لها ارتباطات بالعديد من العواصم الأوروبية وبالولايات المتحدة، الأمر الذي يُلقي بثقله على المرحلة المقبلة، فإذا كانت هذه الأحزاب والجماعات لم تقبل بوجهة نظر سياسية واحدة في مرحلة إسقاط القذافي (والمفترض أن هذا الشعار يوحد سياساتها)، فكيف بالوصول إلى قواسم مشتركة بينها في مرحلة ممارسة السلطة؟

من السيناريوهات المطروحة أيضاً، ونتمنى ألا يحدث ذلك، إمكانية ما يتوقعه بعض المراقبين، من وصول التناقضات بين القوى إلى مرحلة الاقتتال الداخلي، كما أن بعضها، بفعل عوامل عديدة، قد يصل إلى التهديد بممارسة الانفصال عن جسد الدولة، وبخاصة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه، وهذه مرحلة خطيرة سيكون لها تداعياتها الكثيرة والكبيرة، أقلها: دخول قوات برية من حلف الناتو إلى ليبيا، بما سيعنيه من احتلال قوات أجنبية لبلد عربي جديد، والتحكم في ثرواته كما في سياساته.

من زاوية ثانية : دعت فرنسا إلى عقد مؤتمر دولي في باريس حول مستقبل ليبيا، وهو ما يؤشر إلى إمكانية تعرض هذا البلد العربي إلى استهدافات تؤجج الصراعات البنيوية بين قواه وأحزابه وقبائله ومختلف أطرافه المكونة لنسيجه الاجتماعي، ومن بينها استهدافات ومخططات «إسرائيلية» صهيونية.

الأولى من تدخل باريس ولندن وواشنطن في الشأن الليبي، أن تبادر الدول العربية إلى عقد مؤتمر تشاوري في ما بينها على مستوى مسؤولين كبار ومن خلال الجامعة العربية حول ليبيا، وتقييم احتمالات المرحلة المقبلة فيها، ومستقبلها، وذلك لقطع الطريق على أية مؤامرات على ليبيا، ولمساعدة المجلس الوطني الانتقالي على الخروج من مخاطر تهدد وحدة أراضي ليبيا ووحدة النسيج الاجتماعي للشعب الليبي، وحتى لا تتكرر تجربة العراق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2178195

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178195 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40