الخميس 25 آب (أغسطس) 2011

نحو صياغة جديدة لمنظومة العمل العربي

الخميس 25 آب (أغسطس) 2011 par د. يوسف مكي

حيثما يممنا أنظارنا في الأقطار العربية، رأينا عواصف التغيير تطل برأسها، بأشكال متفاوتة في قوة زخمها واندفاعها. فلقد شهدت أمتنا منذ بداية هذا العام أحداثاً عاصفة، كان لها الأثر الكبير في تغيير صورة المنطقة بشكل دراماتيكي لم تشهد البلدان العربية أحداثاً مماثلة لها، في قوة زخمها، منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، وانطلاق معارك الاستقلال الوطني من الاستعمار التقليدي، وتأسيس جامعة الدول العربية.

لقد حدثت بأوقات متقاربة، تغيّرات في النظامين السياسيين بتونس ومصر. وشهدت ليبيا واليمن وسوريا وعدد آخر من البلدان العربية انتفاضات شعبية نادت بالإصلاح السياسي، لترفع سقف مطالبها لاحقاً لتطال إسقاط النظام. وفي مطلع هذا الأسبوع، دخل الثوار العاصمة طرابلس، والأزمة في اليمن وسوريا لا تزال تراوح مكانها، وعدد آخر من البلدان العربية، تتعرض لاهتزازات عنيفة تهدّد أمنها واستقرارها.

في الصومال مجاعات مروّعة تحصد أربعة من بين كل ستة أطفال، بسبب الحروب والجفاف، والعجز عن تنفيذ عملية إنقاذ يضاعف من حجم الكارثة، ولم يتخذ العرب موقفاً جماعياً تضامنياً للحد من معاناة الشعب العربي في الصومال.

وعلى صعيد الصراع العربي «الإسرائيلي»، يتعثر مشروع إعلان الدولة الفلسطينية، وتتواطأ الدول الكبرى، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، مع الكيان الصهيوني، للحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، المعبرة عن أماني وتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير.

وخلال هذا الأسبوع جرت تطورات خطرة على الجبهة المصرية التي بقيت هادئة منذ انتهجت القيادة المصرية، إثر حرب أكتوبر عام 1973 طريق المفاوضات والتسوية السلمية، ووقعت لاحقاً اتفاقية كامب ديفيد، برعاية أمريكية، مع الكيان الصهيوني. لقد قام هذا الكيان باختراق حدود شبه جزيرة سيناء، وقصف مواقع مصرية، كان من نتيجتها استشهاد عدد من الجنود، تحت ذريعة ملاحقة المقاومين الفلسطينيين الذين نفذوا عملية «إيلات». ومن جانب آخر، أعلنت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» تقيّدهما بالهدنة لقطع الطريق على التصعيد «الإسرائيلي».

لقد مضى على التحولات التي تجري بالوطن العربي، قرابة ثمانية أشهر، وخلالها، لم يكن للنظام العربي الرسمي الدور الأساس في صياغة الأحداث، بل أنيط ذلك بما أصبح متعارف عليه بالمجتمع الدولي. لقد اجتمع مجلس الأمن الدولي عدة مرات ليناقش الأوضاع في ليبيا واليمن وسوريا، واتخذ قرارات أدت إلى توجيه الأحداث، وفقاً لمصالح الدول الكبرى ولأجنداتها السياسية.

ولم يكن لثوار ليبيا، أن ينجزوا مشروعهم في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، لو لم يصدر مجلس الأمن الدولي قراره بحماية المدنيين الليبيين. فذلك القرار هو الذي استخدمه حلف الأطلسي على أنه تفويض أممي له بالقضاء على القوة العسكرية وتدمير البنية التحتية لليبيا، ما عبّد الطريق لقوات الثوار لتحقيق برنامجهم، والتقدم بثبات بعد ستة أشهر من القتال، نحو العاصمة طرابلس، وإسقاط النظام.

مارس الاتحاد الأوروبي دوراً مماثلاً لما قام به مجلس الأمن الدولي، من حيث مراقبته ومتابعته للأحداث واتخاذ قرارات عدة، تتسق مع مصالحه واستراتيجياته. صدرت قرارات من الاتحاد بتجميد أموال مسؤولين ليبيين وسوريين، وكانت له مواقف واضحة تجاه ما جرى في تونس ومصر واليمن.

وحتى في ما يتعلق بالاعتداءات «الإسرائيلية» الأخيرة على مصر، نعلم أن المجلس العسكري، قد اتخذ قراراً بطرد السفير «الإسرائيلي» من القاهرة، واستدعاء سفير مصر من «تل أبيب». وحسب ما تناقلته الأنباء فإن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما ورئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتياهو أبلغا المجلس العسكري، أنهم يعتبرون القرار المصري خطوة عمل من أعمال الحرب، وأن إصرار القيادة المصرية على طرد السفير «الإسرائيلي» من القاهرة سيؤدي إلى إلغاء اتفاقية كامب ديفيد، بما يعني إنهاء اتفاق السلام وعودة حالة الحرب بين مصر و«إسرائيل».

لقد أدى الموقف الأمريكي المتشدد تجاه ردة فعل الحكومة المصرية التي لم تتجاوز اتخاذ خطوة دبلوماسية، لا تتعدى ممارسة مصر لحقها في تأكيد سيادتها على أراضيها، وأيضاً حقها في الدفاع عن النفس المنسجم مع نصوص القوانين والمواثيق الدولية، إلى إجبار المجلس العسكري المصري على التراجع عن قراره آنف الذكر.

كانت النتائج أن تصاعدت حركة الشارع المصري، مطالبة بالانتقام، واتخاذ خطوات عملية لمعاقبة «الإسرائيليين» على جريمتهم. وتطورت الأمور في ما بعد، لتصل حد الاعتصام أمام السفارة «الإسرائيلية» بالقاهرة والمطالبة بإغلاق السفارة، والثأر لكرامة الشعب المصري، وللدماء التي سالت بسبب العدوان الهمجي الصهيوني، ومصر لا تزال حبلى بالأعاصير.

في كل هذه الأحداث بقي دور جامعة الدول العربية، مفتقراً إلى المبادرة. وباستثناء الاجتماع الذي عقد في القاهرة بناء على دعوة مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة الأوضاع في ليبيا، وتقديم توصية برفع الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، لم يحدث أن اجتمع مجلس جامعة الدول لمناقشة التطورات الخطرة التي تأخذ مكانها في عدد من البلدان العربية.

وحتى المرة الوحيدة التي اجتمع فيها مجلس الجامعة لمناقشة الأوضاع في ليبيا، بناء على اقتراح من مجلس التعاون الخليجي، ورفع الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، كما أسلفنا، فإن كثيرين رأوا في هذه الخطوة تنصلاً من الجامعة عن تحمل المسؤولية تجاه ما يجري في ساحة يفترض أن تكون ضمن اهتماماتها.

لقد عقد القادة العرب، قمماً عربية استثنائية، في حالات عديدة، كانت أوضاع الأمة فيها ليست بهذا المستوى من الصخب، ولم تكن فيها احتمالات العدوان والتفتيت والاحترابات الأهلية ماثلة أمامنا كما هي الآن. وليس من المعقول أن تكون اهتمامات الدول الكبرى والمؤسسات الأممية أكثر من اهتماماتنا في ما يتعلق بما يجري ببلداننا العربية.

ويبغي أن يكون حاضراً في الذهن باستمرار، أن القوى الخارجية حين تهتم بما يجري في منطقتنا وتتحسّب له، فإنها تنطلق من مصالحها الخاصة، وأجنداتها واستراتيجياتها التي تكون غالباً بالضد من مصالحنا، وعلى حساب حريتنا وكرامتنا.

في هذا المنعطف الخطر من تاريخ الأمة، هناك حاجة ماسة للقادة العرب، إلى أن يلتقوا في قمة استثنائية، لمناقشة قضايا الأمن القومي العربي الجماعي، وحماية الاستقلال، ووقف حالة التداعي والحيلولة دون تفتت وحدة الأقطار العربية، ومنع الاحترابات والفتن الداخلية، وإعادة الاعتبار للاتفاقيات والمعاهدات التي جرى تجميدها في العقود الأخيرة، ومن ضمنها معاهدة الدفاع العربي المشترك، والتكامل الاقتصادي.

وفي هذا السياق ينبغي إعادة النظر في النظام العربي الرسمي، وميثاق جامعة الدول العربية الذي مضى على توقيعه أكثر من خمسين عاماً، والذي جاء في مرحلة تاريخية مغايرة. لقد تغير النظام الدولي الذي تزامن حضور الجامعة معه، وانتهت الحرب الباردة. وكان من المفترض أن ينعكس ذلك على تطوير مؤسسات الجامعة وهياكلها بما يتناسب مع المعطيات الجديدة. والآن نحن على مفترق طرق، وينبغي أن نعد العدة للمرحلة المقبلة، ومن غير المنطقي أن تتهيأ الأمم كافة للمتغيرات التي تجري من حولها، بينما نبقى نحن أسرى صياغات ومؤسسات وهياكل ثبت عقمها.

إنها صرخة لتجديد مؤسسات العمل العربي، بما يجعلها أكثر قوة وفاعلية. إن عودة الحياة إلى العمل العربي المشترك، والاتفاق على عقد جديد، يضمن عودة الروح للعمل القومي، هي التي تجعل منا أمة قوية، يحسب لها حساب من قبل الأعداء والأصدقاء على السواء. إن اتفاق العرب على ترسيخ قيم الحرية والتسامح، هو الذي يعلي الكرامة الإنسانية، ويجعلنا جديرين بالحياة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 67 / 2177351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40