الأربعاء 24 آب (أغسطس) 2011

أحمد الشحات ابن ثورة

الأربعاء 24 آب (أغسطس) 2011 par أمجد عرار

هواة كثيرون يقومون بأعمال خارقة، منهم من يتسلّق أبراجاً شاهقة هي الأعلى في العالم، وآخرون يتسلّقون قمة إيفرست أعلى جبال هيملايا، يفعلون هذه المغامرات الخطرة والشاقة إشباعاً لهواياتهم ولتسجيل أرقام قياسية يدخلون بها مجلة «غينيس».

لكن الشاب المصري أحمد الشحات عندما تسلّق اثنين وعشرين طابقاً لإنزال علم الكيان الصهيوني من على سفارته في القاهرة ورفع العلم المصري مكانه، لم يكن يمارس هواية التسلّق، ولم يركض خلف موسوعة «غينيس» لدخولها، بل ربما لم يكن يتوقّع أن اسمه سيدخل صحيفة يومية. ما قام به يمكن اعتباره بطولة ذات رمزية أهم من السفارة وأعلى من العمارة. البعض رأى مبالغة في الإشادة بفعل أدرجه في إطار الإنجاز الفردي في غياب الانتصارات الجماعية. ليس في هذا التعليق صحّة ولا وجاهة إزاء هذه الحادثة بالذات، ربما صحّ التعليق في شأن حالات إحراق الأعلام والدوس على صور لأشخاص يحتلون أرضنا ويدنّسون أقدس مقدّساتنا، وهي ظواهر جديرة بالجدل والنقاش.

ما قام به أحمد الشحات يتجاوز الاستعراض الشكلي والبطولة الفردية، وإن كان في ظاهره فعلاً فردياً، لكنّه لم يكن ليحدث قبل ثمانية أشهر من الآن، لم يحدث طوال أربعة عقود رفرف فيها علم الكيان في سماء القاهرة وكان شاهداً على عصر المهانة والتبعية والإذلال، عصر ذابت فيه ريادة مصر وتبخّرت كرامة إنسانها واستنزفت حقوقه وتسربت خيراته إلى جيوب حفنة من الانتهازيين واللصوص.

عندما يأتي اليوم شاب ليتسلّق عمارة شاهقة صعوداً وراء علم غير مرغوب في وجوده منذ اليوم الأول، فإن في هذا الفعل الفردي في ظاهره، بطولة جماعية عكست الفعل الأساس المتمثّل بثورة 25 يناير، وأظهرت أن الأوضاع في مصر تغيّرت، فأحمد الشحات لم يتسلّل وحيداً في ليلة ليس فيها قمر ليقوم بما قام به من قبيل المراهقة، بل جاءت عمليّته تتويجاً لتظاهرات حاشدة واعتصامات متواصلة وغاضبة لمئات المصريين أمام السفارة المنبوذة، الأمر الذي لم يحصل خلال العقود الأربعة الماضية، ولو حصل لكان مصير من يفكر في الأمر، الرمي بالرصاص.

إذاً، الثورة هي التي أنزلت العلم، وإن رمزياً، وهي التي غيّرت الشعب المصري الذي اعتقد كثير من المتفذلكين أنه ثار من أجل الخبز فقط، وأنه لم يفكّر في كرامته الوطنية وقضايا أمّته، فجاءت الأجوبة سريعة ومتلاحقة لتظهر المعدن الحقيقي لهذا الشعب، ولتؤكد أن ريادة مصر للأمة ليست تنصيباً من أحد ولا هي ريادة الطبل الأجوف أو ظاهرة صوتية، ولا هي بحث عن دور أكبر منها.

الثورة غيّرت مصر وأعادتها إلى موقعها، وغيّرت معادلات المنطقة أيضاً، وإلا منذ متى كانت «إسرائيل» تتخذ قراراً بعدم شن عدوان واسع بعد عملية يقتل ويجرح فيها العشرات من جنودها ومستوطنيها؟ ولأن مصر اليوم غير مصر ما قبل 25 يناير، جاء الاعتذار «الإسرائيلي» سريعاً، وإن لم يرض الشعب المصري، لكنّه حدث على لسان أكثر من مسؤول، خلافاً لتصرفهم مع دول أخرى.

ولا يظنّن أحد أن الثورة المصرية أنهت مهمتها، والدليل ما تشهده مصر الآن من حراك ساخن على كل المستويات، وسنرى يوماً بعد يوم أن ما سيتحقق مصرياً وقومياً أكبر بكثير من الذي تحقق، وسنتأكد أن الثورة التي تسلّقت لإنزال العلم لن يستطيع أحد أن يتسلّق عليها، أياً كان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177318

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177318 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40