السبت 13 آب (أغسطس) 2011

«الإسرائيليون» يريدون تغيير أولويات النظام

السبت 13 آب (أغسطس) 2011 par د. عصام نعمان

لا رابط مباشراً ولا محاكاة بين حملة الاحتجاجات الاجتماعية في «إسرائيل» وما يسمى حراكات «ربيع العرب». ثمة تزامن لا أكثر في الاحتجاج والنزول إلى الشارع بين حال العرب وحال «الإسرائيليين» فرضته ظروف اقتصادية واجتماعية مضنية يمر بها الكيان الصهيوني. مع ذلك، سيكون لحملة الاحتجاجات الاجتماعية في «إسرائيل» تأثير وتداعيات على الأوضاع العربية المجاورة ولا سيما على الوضع الفلسطيني. فحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة مدعوة من طرف جمهور الطبقة الوسطى «الإسرائيلية» إلى إعادة النظر بأولوياتها على نحوٍ يؤدي إلى إيلاء مطلب العدالة الاجتماعية مرتبة متقدمةً في المرحلة الراهنة. استجابة هذا المطلب ستكون، بالضرورة، على حساب الاعتمادات المخصصة للدفاع ودعم المستوطنات في ميزانية الدولة، وهو أمر لا يبدو نتنياهو ومعظم وزرائه على استعداد للقبول به.

غير أن نتنياهو، رغم عناده، مضطر إلى مراجعة موقفه، فالتظاهرات الاحتجاجية تجاوزت في الأسبوع الماضي ذروة الثلاثمئة ألف متظاهر في جميع أنحاء الكيان الصهيوني. معلّقةُ الشؤون الحزبية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7/8/2011) سيما كدمون أكدت «أن تظاهرة «تل أبيب» وحدها التي اشترك فيها نحو 250000 شخص كانت أكبر تظاهرة نزع ثقة عن الحكومة في تاريخ «إسرائيل» كله. وهذه الحقيقة وحدها يجب أن تقضّ مضجع رئيس الحكومة».

نتنياهو التقط الرسالة وسارع إلى محاولة احتواء كرة ثلج الحملة الاحتجاجية المتعاظمة. دعا البروفسور مانويل تراختنبرغ إلى تأليف وترؤس فريق عمل مهمته صوغ توصيات محددة تتعلق بحل مشكلات الطبقة الوسطى وأهمها السكن. تراختنبرغ الذي كان رئيسا لـ «مجلس الاقتصاد القومي» ويشغل حالياً منصب رئيس لجنة الميزانيات التابعة لمجلس التعليم العالي، رفض بادىء الأمر، قبول المهمة لعدم ثقته بأن نتنياهو مستعد لتعديل أولوياته، إلاّ أنه وافق أخيراً على تولي المهمة بعدما أكد له رئيس الحكومة استعداده لتغيير سلّم الأولويات بغية تخفيف وطأة العبء الاقتصادي عن كاهل الجمهور، شريطة أن لا تتسبب توصيات فريق الخبراء بخرق الإطار العام لميزانية الدولة.

قيادة حملة الاحتجاج على أزمة السكن أكدت أن فريق خبراء تراختنبرغ لن يوفر الحلول المطلوبة لمشكلات الطبقة الوسطى، مشددةً على أن ثمة أزمة ثقة حادة بين الحكومة والجمهور العريض في «إسرائيل».

الأستاذ الجامعي افيعاد كلاينبرغ («يديعوت احرونوت» 9/8/2011) يشاطر قيادة حملة الاحتجاج موقفها ويذهب إلى أبعد. يقول «إن حملة الاحتجاج الاجتماعية لم تندلع منذ أكثر من ثلاثة أسابيع من أجل خفض الضرائب غير المباشرة ولا حتى من أجل بناء 1000 وحدة سكنية جديدة، وإنما تعبيراً عن عدم الرضى عن سلم أولويات دولة «إسرائيل» في الوقت الحالي». واتهم كلاينبرغ الحكومة بأنها لم تفعل شيئاً من أجل توزيع العبء الاقتصادي بصورة متساوية على الجميع ، ولذا لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون الشعار المركزي للحملة الاحتجاجية «الشعب يريد عدالة اجتماعية».

وإذ يدّعي المسؤولون في وزارة المالية والحكومة أنه لا توجد ميزانية كافية للتجاوب مع مطالب حملة الاحتجاج الاجتماعية، ينضم كلاينبرغ إلى قادة الحملة في تكذيب المسؤولين قائلاً «إنه يمكن توفير ميزانيات لهذا الغرض (العدالة الاجتماعية) عن طريق تقليص الميزانية الأمنية المضخمة، وتقليص مخصصات الدعم الكبيرة التي تُصرف على المستوطنات في المناطق (المحتلة)، وخفض الامتيازات الضريبية التي يحصل عليها كبار أصحاب رؤوس الأموال والشركات».

صحيح أن نتنياهو ألّف فريقاً من الخبراء لاقتراح توصيات بشأن تغيير ترتيب أولويات الحكومة، لكن قادة حملة الاحتجاج الاجتماعية لا يصدقونه بل يعتبرون خطوته مجرد مناورة لتنفيس الحملة. صحيفة «هآرتس» (9/8/2011) الليبرالية المستقلة ذهبت إلى أبعد من ذلك باتهامها نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان بإثارة مخاوف الناس من تداعيات اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة خلال الشهر المقبل «بغية تحويل الاهتمام عن النضال الجاري لتغيير سلّم الأولويات الاجتماعي الاقتصادي».

في هذا السياق، جرى الإيعاز إلى قيادة الشرطة «الإسرائيلية» بكشف النقاب عن قائمة طويلة من معدات ووسائل لمواجهة التظاهرات المتوقعة في الشهر المقبل بينها 15 حصاناً لتفريق التظاهرات، وسيارات مزودة بخراطيم لرش المياه، وبنادق لإطلاق قنابل عدة مسيلة للدموع في وقت واحد ومن مسافات بعيدة، ومنظومة لإصدار ضجيج مزعج ومؤذٍ للأذن، ورصاص مصنوع من الاسفنج، وقنابل تنشر روائح كريهة وتتسبب بحالات غثيان وقيء (صحيفة «معاريف» 9/8/2011).

كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لم «يقبض» التفسير القائل إن الإعلان عن التدابير الاستثنائية المراد اتخاذها لمواجهة التداعيات الناشئة عن القرار الأممي المرتقب بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة هو لتحويل الاهتمام عن الحملة الاحتجاجية الاجتماعية، فقال إنه «يستغرب كيف يمكن تصوير مبادرة سياسية مشروعة للحصول على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية بأنها محاولة لسفك الدماء، كما يدعي ليبرمان وغيره من الوزراء «الإسرائيليين»».

أياً ما كان الغرض من وراء حملة تخويف الجمهور «الإسرائيلي» من تداعيات القرار الأممي المرتقب، فقد أضحى من الثابت أن موقف نتنياهو وفريقه الحاكم من مسألتي الحملة الاحتجاجية الاجتماعية والقرار الأممي المؤيد لاقامة دولة فلسطينية باقٍ على ما هو عليه: لا تغيير في هاتين الأولويتين، أي لا أمل باستجابة مطلب العدالة الاجتماعية على حساب اعتمادات الدفاع وتوسيع الاستيطان، ولا هوادة في مواجهة كفاح الفلسطينيين لإزالة الاحتلال والتوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة.

الصراع المتفاقم، على ما يبدو، هو طابع المرحلة عند العرب والعجم و ... الصهاينة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2178096

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178096 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40