الثلاثاء 2 آب (أغسطس) 2011

فلتذهب الاتفاقية إلى الجحيم

الثلاثاء 2 آب (أغسطس) 2011 par د. فايز رشيد

في مناورة مكشوفة، شكّل رئيس الوزراء الصهيوني لجنة لدراسة إمكان إلغاء اتفاق أوسلو، وكأنه يهدد الفلسطينيين. بداية كان شارون قد أعلن وفاة هذه الاتفاقيات قبل إعادة اجتياح القوات الصهيونية للأراضي الفلسطينية في عام 2002، وبالفعل رغم هزالة هذه الاتفاقيات لم تقم «إسرائيل» بتنفيذ أيٍّ من بنودها، الأمر الذي يجعلها في حكم المتوفاة فعلياً .لم يبق من مظاهرها غير سلطة فلسطينية ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الحياتية للسكان، سلطة مجردة من كل أنواع السيادة. ففي ظل استمرار الاستيطان في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي وتهويد القدس، وفي ظل رفض حق العودة للاجئين، والاغتيالات والاعتقالات (ما يزيد على عشرة آلاف فلسطيني وفلسطينية معتقلون في السجون الصهيونية)، وفي ظل ارتكاب المذابح وحصار غزة، وفي ظل الجدار العازل الذي يقسم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة، وفي ظل الإصرار «الإسرائيلي» على أن تكون السيادة في الأرض الفلسطينية بين يدي «إسرائيل» سابقاً والآن، ولاحقاً، والإصرار على إبقاء القوات المحتلة في غور الأردن، والإشراف على المعابر، ولا دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ولا انسحاب من القدس(العاصمة الموحدة والأبدية لـ «إسرائيل»)، فماذا بقي للفلسطينيين من حقوق ومن الأرض؟ لم يبق لهم سوى 42% من مساحة الضفة الغربية، وهي أيضاً وفي جزءٍ كبير منها مهددة بالمصادرة، وبالتالي ماذا يمتلك الفلسطينيون حتى يهدد نتنياهو بإلغاء اتفاقية أوسلو؟ لن يخسروا غير القيود التي كبّلتهم بها هذه الاتفاقيات المشؤومة.

كان يوماً أسود يوم توقيع هذه الاتفاقية من قبل القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، إذ جرى الاعتراف رسمياً بالدولة الصهيونية المحتلة للجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية عام 1948، هذه الأرض المغتصبة التي أنشئت عليها «إسرائيل»، هي أيضاً أرض فلسطينية، أصحابها في جزءٍ كبير منهم، ما زالوا يعيشون في الشتات، وما زالوا يحتفظون «بكواشين» ملكيتهم لأرضها ومفاتيح بيوتهم في مدنها وقراها.

اتفاقية أوسلو عنت، بأن دولة المستوطنين المغتصبة هي دولة من دول «الشرق الأوسط»، وهي الدخيلة على هذه المنطقة، بكل المعاني التاريخية والحضارية والحقوقية، وهي الدولة التي تم إنشاؤها قسراً بعد إجبار ثلاثة أرباع أهلها الأصليين آنذاك على الرحيل إلى الشتات، وبعد قيام «إسرائيل» بمذابح عديدة لهم في أكثر من بقعة جغرافية فلسطينية في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، واستمرار المجازر ضد الفلسطينيين والعرب منذ ما قبل تلك الولادة المشؤومة لـ «إسرائيل»، على أيدي العصابات الصهيونية، وأثناء قيامها، وبعد ذلك، وصولاً إلى اللحظة الراهنة.

اتفاقية أوسلو عنت تنازلاً من فئة من الفلسطينيين عما يزيد على ثلاثة أرباع المساحة الجغرافية لفلسطين، وتنازلاً عن حق العودة، وتنازلاً عن القدس وعن المقاومة المسلحة، وإلغاء كافة البنود في الميثاق الوطني الفلسطيني المتعلقة بالكفاح المسلح ضد «إسرائيل». وعنت أيضاً تأجيلاً للبحث في القضايا الحقوقية الأساسية الفلسطينية، لما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي، في ظل وضوح «إسرائيلي» يرفض بالمطلق الاعتراف بكل هذه الحقوق.

اتفاقية أوسلو عنت، اعترافاً من فئة فلسطينية ولو بطريق غير مباشر، بالرواية «الإسرائيلية» لتاريخ أرض فلسطين، واعترافاً بالأضاليل والأساطير الصهيونية عن الحق التاريخي لليهود على الأرض الفلسطينية، وعنت تنازلاً من هذه الفئة عن التاريخ العربي الفلسطيني لهذه الأرض. شئنا أم أبينا، هذا هو الواقع في ما يعنيه توقيع هذه الاتفاقيات، التي استخدمتها «إسرائيل» لجر الفلسطينيين إلى المزيد من التنازلات التدريجية عن حقوقهم. لم يبق الأمر عند هذا الحد، فـ «إسرائيل» تفرض المزيد من الشروط مقابل التفاوض مع الفلسطينيين والعرب وإنجاز التسوية معهم.

اتفاقية أوسلو عنت، إيحاء لدول العالم بأن ثمة حلاً يدور بين الفلسطينيين و«إسرائيل»، وأن الحقوق الفلسطينية ستعود إلى أصحابها، في الوقت الذي ترفضها «إسرائيل»، وتمارس كافة أنواع القمع تجاه الفلسطينيين، وتمارس احتلالها للأرض الفلسطينية وللإنسان الفلسطيني. كما عنت الإمكانية، بالنسبة للدول العربية لتوقيع اتفاقيات مع «إسرائيل».

في ظل اتفاقية أوسلو زاد الاستيطان وزادت المذابح وتهويد القدس، والاعتقال والاغتيال.

إلغاء الاتفاقيات حتى لو من طرفٍ واحدٍ، سيعيد القضية الفلسطينية إلى حقيقتها الأصلية، وسيعيد الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني إلى مربعه الأول، نعم فكل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر، هي حقنا التاريخي، والمشروع الصهيوني ليس أكثر من مشروع غازٍ سيحمل عصاه على كاهله ويرحل، مثل الغزاة الآخرين، وستعود فلسطين التاريخية ...عربية، عربية، عربية، ولتذهب اتفاقية أوسلو إلى الجحيم، علماً أن مناورة نتنياهو في إلغاء الاتفاقية هي أكثر من مكشوفة، فلم تستفد «إسرائيل» من أية اتفاقية في تاريخها مثلما استفادت من هذه الاتفاقية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178006

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178006 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40