الجمعة 29 تموز (يوليو) 2011

الثورة وعلاقات مصر بأميركا

الجمعة 29 تموز (يوليو) 2011 par د. سمير كرم

«التقى المشير حسين طنطاوي القائد العام ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالفريق اول جيمي ماتيس قائد القيادة المركزية الأميركية والوفد المرافق له الذي يزور مصر حالياً. تناول اللقاء تطورات الأوضاع بالمنطقة والمتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية خلال المرحلة الراهنة ومناقشة عدد من الموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك في ضوء التعاون والعلاقات العسكرية المتميزة التي تربط البلدين».

«واكد قائد القيادة المركزية الأميركية حرص بلاده على دعم عملية التحول السياسي والديموقراطي الذي تشهده مصر، وتعزيز التعاون العسكري الذي يشكل العمود الفقري للعلاقات الاستراتيجية لتحقيق الامن الاقليمي بمنطقة «الشرق الأوسط»».

«كما التقى الفريق سامي عنان رئيس اركان حرب القوات المسلحة نائب رئيس المجلس الاعلى بالفريق اول ماتيس، واستعرض الجانبان عددا من الموضوعات المرتبطة بالتعاون والتدريبات المشتركة واستمرار قنوات الاتصال بين الجانبين لتحقيق التوازن في تأمين المصالح المشتركة والالتزامات المتبادلة، حضر اللقاء عدد من كبار قادة القوات المسلحة والسفيرة الاميركية بالقاهرة».

الفقرات السابقة تشكل نص نبأ نشرته صحيفة «الأهرام» القاهرية في صفحتها الأولى يوم 11/7/2011. ولنعترف بان الخبر ـ اذاً ـ قديم، ويفترض ان لا يثير اهتماما بعد انقضاء كل هذا الوقت على نشره. مع ذلك لا بد من ملاحظة اولية هي ان الخبر لم يثر اية ردود فعل في مصر لا جماهيريا ولا صحافيا.. لا في ميدان التحرير ولا في اجتماعات لجان الحوارات والوفاق القومي. واذا كان قد نوقش في اي من اجتماعات ائتلافات الثورة المصرية ـ الكثيرة التي تعد بالعشرات ـ فان هذه المناقشات لم تجد طريقها الى النشر. وباختصار، فان النبأ مضى وكأنه لا يحظى باي درجة من الاهمية. وهذا على الرغم من ان العلاقات المصرية ـ الاميركية تحظى باهتمام كبير في كل وقت خاصة في جوانبها العسكرية، وباخص على هذا المستوى من المسؤولية : القائد العام رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية الفعلي في الفترة الانتقالية).

لكن ما يلفت النظر اكثر من حقيقة ان هذا الخبر مر دون ان يلفت الانظار هو ان الخبر نفسه لو حذفت منه اسماء الاشخاص لكان من الممكن ان يؤخذ على انه خبر يعود الى عهد النظام السابق دون اي حاجة الى اي تعديل في صيغته او مضمونه.

قد نقول ان هذا اللقاء الاميركي ـ المصري جاء في وقت كانت الثورة فيه مشغولة بأمور الداخل وبالخلافات بين القوى الثورية والقوى السياسية حول قرارات الثورة ومطالبها التي لم تنفذ بسبب الابطاء في التنفيذ، او بسبب صدور بعض القرارات المهمة عن المجلس الاعلى العسكري، دون مناقشة او حوار او اخذ الآراء من اي نوع، مثلما حدث مع قانون الانتخاب.

في اليوم نفسه الذي نشر فيه خبر هذا الاجتماع، نشر في معظم الصحف المصرية خبر عن تقرير منظمة «فريدوم هاوس» الاميركية المعنية بقضايا الحريات العامة في العالم وجاء فيه ان «المكاسب التي حققتها الثورة المصرية تبتعد عن الثوار»، وان «العملية السياسية تتعرض للخطر»، وان «غموض المشهد السياسي والخطر المتزايد من القمع والانتهاكات لحقوق الانسان تشكل تحديات كبيرة لسياسة الولايات المتحدة مع مصر». ولعل اهم ما ورد في هذا التقرير- بعد تناول تفصيلي لاوضاع الثورة المصرية وما يواجهها من مشكلات وعقبات - قوله «يجب على الولايات المتحدة ـ بوصفها اهم راع خارجي لمصر ان تتحرك سريعا لمساعدة السلطات (المصرية) على استعادة مكانتها والحفاظ على التحول الديموقراطي في مساره الصحيح».

فهل يمكن القول ان زيارة قائد المنطقة المركزية الاميركي لمصر واجتماعه بقمة السلطة العسكرية في مصر تاتي في اطار مساعدة اميركا لمصر الثورة في اطار التعاون بين البلدين الذي يهتم الجانبان المجتمعان بجوانبه العسكرية وما لها من انعكاسات سياسية وليس بجوانبه الاقتصادية؟ واذا كان الامر كذلك كيف يمكن تفسير معاملة خبر هذا اللقاء دون اي متابعة او تعليق؟

الامر الذي لا يمكن ان يرقى اليه اي شك فيما يتصل بالعلاقات المصرية ـ الاميركية هو ان اهتمام الولايات المتحدة بالثورة المصرية يفوق كل اهتماماتها الاخرى بثورات الربيع العربي. ليس فقط بمعايير حجم مصر السكاني والسياسي والاقتصادي، انما بالدرجة الاولى من ناحية اهمية مصر الاستراتيجية في المنطقة والعالم. وتقع زيارة الجنرال ماتيس تحديدا في هذا الاطار، ليس في ظروف عادية تسودها اوضاع هادئة انما في ظروف ثورية تسودها تحركات ثورية ليست من نوع يمكن اعتباره مظاهرات احتجاجية. فالثورة قد اطاحت بنظام اعتبرته الولايات المتحدة حليفا وثيقا لها. واعتبرته «اسرائيل» ـ وهذا لا يقل اهمية في المنظور الاميركي ـ كنزا استراتيجيا لـ «اسرائيل».

فهل نفترض ان الولايات المتحدة تملك اطمئنانا سياسيا الى ان الثورة المصرية لا تعنى الا بالشؤون الداخلية من نوع القضاء على الفساد وتأكيد التحول الى الديموقراطية؟ هل تملك الولايات المتحدة يقينا بان مصر الثورة تعتمد على العلاقات الوثيقة مع اميركا بما في ذلك العلاقات العسكرية؟

يجدر بنا ان نبحث عن وجهة النظر العسكرية الاميركية في الاجابة عن هذا النوع من التساؤلات التي تذهب باختصار الى ان الثورة المصرية لا تعنى في قليل او كثير بالشؤون الخارجية. ويسهل مهمتنا في البحث عن هذه الاجابة ان معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب الاميركية (التابعة بدورها لوزارة الدفاع) اصدرت في 27 حزيران الماضي تقريرا تحليليا بعنوان «الانتفاضات العربية ومستقبل السياسات العسكرية والوجود الاميركي في «الشرق الاوسط» والخليج». وقد حظيت مصر في هذا التقرير باهتمام خاص وواسع.

يبدأ هذا التقرير بمقدمة تقول: «ان الانتفاضة السياسية والاجتماعية في العالم العربي المعروفة بالربيع العربي هي واحدة من اهم الاحداث التي تتفتح في «الشرق الاوسط» منذ سقوط الامبراطورية العثمانية في اعقاب الحرب العالمية الاولى. مع ذلك فان الربيع العربي ليس اتجاها ذا نتيجة يمكن التنبؤ بها فضلا عن ان يكون اتجاها ذا نتيجة حتمية... فبعد سقوط حكم مبارك واجهت الثورات العربية الساعية الى التغيير في اماكن اخرى مجموعة من المشكلات اشد صعوبة بكثير».

ويمضي التقرير العسكري الاميركي ليقول: «ان الولايات المتحدة معنية بنتيجة ديموقراطية لكل هذه الصراعات كما انها قلقة على حقوق الانسان الخاصة بالمتظاهرين في البلدان التي تعاملهم بقسوة ... وليس واضحا في الوقت الحاضر اذا كان الربيع العربي سيتطلب من المؤسسة العسكرية الاميركية ان تجد طرقا جديدة الى حل دراماتيكي لحماية مصالحها او ما هو نوع التسوية التي يمكن ان تتطلبها بنية القوة الاميركية في هذا العهد الجديد». ثم يضيف التقرير «ان الوجود العسكري الاميركي في العالم العربي في الوقت الحاضر لم يتاثر بصورة بالغة بالربيع العربي، على الرغم من ان مجموعة مناورات النجم الساطع مع مصر تواجه مستقبلا غير مؤكد».

«... وعلاوة على هذا فان البحرين ومصر و«اسرائيل» والاردن والكويت والمغرب قد خصصت لها مكانة حلفاء اساسيين غير اطلسيين، وهي مكانة خاصة تسمح لهم بافضلية الحصول على المساعدات العسكرية الاميركية والمعدات».

وفي تحديد صريح لما يمكن ان نعتبره رأي المؤسسة العسكرية الاميركية يقول التقرير «ان مستقبل مصر لا يزال غير محدد بدرجة كبيرة ويحتاج لان ينظر اليه باهتمام. ان التحالف بين الولايات المتحدة ومصر هو جزء من عدم اليقين هذا. ان حكم ما بعد مبارك يصارع في الوقت الحاضر لتحديد ذاته والتخطيط لانتخابات حرة ... ان دولا عربية خليجية قد خطت نحو شغل الفراغ ولكن من الصعب ان نعتقد انها ستستمر في دعم مصر اذا هي اقامت علاقات وثيقة مع ايران... ان تعاونا جديا بين مصر وايران سيساعد في تقويض علاقات القاهرة مع الخليج».

يؤكد التقرير في ختامه ان الولايات المتحدة معنية بان لا يستفيد الارهاب من الاوضاع الجديدة في «الشرق الاوسط» ولذلك فانها «ستظل متيقظة بشان الفرص التي يمكن ان تقدم للارهابيين في بيئة تزداد فيها الاضطرابات. ولهذا يتعين عليها (الولايات المتحدة) ان تحافظ على روابط قوية مع ادارات المخابرات الصديقة... وان تستعيد مثل هذه الروابط مع حكومات ما بعد الثورة في تونس ومصر وغيرهما الى الحد الذي يجعل من هذه الدول شركاء يعتمد عليهم».

من المستحيل فصل السياسات الداخلية والخارجية في بلد مثل مصر، انما ايضا لان ثورة 25 يناير لم تعتمد سياسة الصمت فيما يتعلق بدور مصر القومي والاقليمي والعالمي. لقد اعلنت بوضوح انه ضد الهيمنة الاميركية، الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، وضد العلاقات والصفقات الخاصة مع «اسرائيل»، بما فيها اتفاق تصدير الغاز المصري لـ «اسرائيل».

وسيكون على الولايات المتحدة بعد وقت لن يطول ان تختار بين صداقة مصر وصداقة «اسرائيل». أما الاحتفاظ بروابط وثيقة معهما في وقت واحد فقد ثبت انه غير ممكن الا على حساب مصر ومصالحها ودورها الكبير. وقد يتصور كثيرون ان الولايات المتحدة ستبقى مرتبطة الى ما لا نهاية بـ «اسرائيل» ومصالحها على حساب مصر وعلى حساب اميركا دائما وبلا استثناء، ولكن هذا التصور قابل للتلاشي. فليست هناك روابط ابدية اذا كانت هذه الروابط ترتكز الى المصالح.

ولن تنقضي الفترة الانتقالية في مصر الا بعد ان تكون ثورة 25 يناير قد حققت قراراتها ـ ولن نعود نقول مطالبها ـ ما يتعلق منها بالعدالة الاجتماعية داخليا وما يتعلق منها بدور مصر ومصالحها خارجيا.

ستكون الثورة قد اصبحت هي السلطة وستكون علاقات مصر بالولايات المتحدة ـ حتى في جوانبها العسكرية والمخابراتية ـ شأنا مطروحا للمناقشة العامة لا في الاجتماعات المغلقة وحدها.

... ما لم تقرر الولايات المتحدة ـ عند نقطة ما من التطورات ـ التدخل مخابراتيا و/او عسكريا التدخل لهدم الثورة المصرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010