الأحد 19 حزيران (يونيو) 2011

الطربوش والقبعة والكوفية العربية!

الأحد 19 حزيران (يونيو) 2011 par محمد الرطيان

(1)

تركيا - قبل سنوات - أعطت ظهرها للشرق واتجهت نحو الغرب .. ولا تُلام!

من هذا الذي تأتيه الفرصة لينتقل من العالم الثالث إلى العالم الأول ويرفض؟

فهي عضو مؤسس للمجلس الأوربي.

وعضو مؤسس في (الناتو) حلف شمال الأطلسي.

واستبدلت (الطنبور) بـ (الغيتار) الغربي.

ونزعت (الطربوش) عن رأسها، ووضعت بدلاً منه (القبعة) الإفرنجية.

وحتى فريقها لكرة القدم هو احد فرق البطولة الأوربية.

وكادت أن تقوم بألف عملية تجميل لتصبح ملامحها أوربية تماماً!

والنتيجة :

على الجسر الشهير (البوسفور) الذي يربط الجزء الآسيوي بالجزء الأوروبي في مدينة إسطنبول تقف «تركيا» في المنتصف!

فلا هي التي استطاعت أن تعبر وتتقدم، ولا هي التي فكّرت بالعودة.

إنها مثل امرأة «معلقة» في جسر معلّق..

لم يطلقها الشرق، ولم يتزوجها الغرب!

(2)

أوربا كانت - وما زالت - تماطل بملف انضمام تركيا إليها .. ليس السبب الجغرافيا، وبالتأكيد لم يكن الاقتصاد الذي تفوقت فيه تركيا على بعض أعضاء الإتحاد (مثل : البرتغال واسبانيا) السبب وببساطة - وعبر عبارة تحاول أن تكون لطيفة - هو : الحساسية الثقافية!

أي بمعنى أن أوربا لم - ولن - تنسى أن هذه الـ (تركيا) هي حفيدة الدولة العثمانية. وهذا النادي المسيحي لا يحتمل أن يكون معه عضو بهذه الكثافة البشرية الإسلامية وهذا الإرث الإسلامي، وأعلنتها صراحة الكثير من الكنائس .. بل أن إحدى وثائق «ويكيليكس» تقول أن الفاتيكان نفسه عارض هذا الانضمام بشكل شبه سري!

(3)

وقفت «تركيا» طويلاً على ذلك الجسر ..

إلى أن أتى الفتى الشجاع (وهذه الترجمة التركية لكلمة : أردوغان) أخذها من يدها - بعد أن علمها بمهارة كيف تثق به - وقال لها : ليس كل (وراء) وراء .. بعض الوراء أمام!

هذا الرجل ساحر، ويمتلك كاريزما عظيمة :

يعرف كيف يقرأ القرآن بصوت يرتجف خشوعاً وإيماناً.

يعرف كيف يغني بحنين كعاشق يتذكر آخر لقاء مع أول حبيبة.

يعرف كيف يجعلنا نصفق له وبحماسة لأنه «هزأ» بيريز، وذلك دون أن تُمزق أي ورقة في أي معاهدة تجمع بلاده مع «إسرائيل»!.. ونحن - كعرب - مفتونون بالتصريحات النارية.

يعرف كيف يلاعب الأطفال، ويحتضن العجائز ..

والأهم من كل هذا : عرف كيف يرفع دخل المواطن التركي البسيط، ولم تمنعه الجهة الغربية / الحلم أن يرى بقية الجهات، بل تمدد كلاعب ماهر في كل المواقع، وجعل الأتراك معه يشعرون بشيء من العزة والكرامة، وصار الصوت التركي مسموعاً في كل المنابر وكل الجهات.

(4)

تركيا رائعة، وأردوغان سياسي ماهر وزعيم عظيم، ولكن .. لم أكتب هذا المقال لهما!.. أكتبه لأمتي - شبه اليتيمة - التي تقفز من مشهد إلى مشهد، ومن جهة إلى جهة، بحثاً عن رمز!

مرة مهاتير الماليزي، وأحياناً نجاد الفارسي، والآن أردوغان التركي .. وكل من يجيد التعامل مع المنبر، ويعرف كيف يحرك المايكروفون سيجد له شعبية كاسحة في عالمنا العربي. حتى «شافيز» صار نجماً عربياً ذات يوم!

حالة الانبهار هذه لم تقف عند العامة فقط. من تابع منكم «تويتر» وغيره من المواقع الالكترونية والصحف والفضائيات رأى بعض ما يُسمى بالنخب العربية تتابع الانتخابات التركية بحماسة .. وكأنها تشجع فريقها المفضل! .. ولم تكن (تركيا الحديثة) في الصورة .. كان سيّد المشهد (أردوغان) ... تعرفون لماذا؟ .. لأننا - كعرب - كنا وما زلنا ننظر لـ (الزعيم) السوبرمان .. ولا ننظر للنظام الذي أنتج هذا الزعيم!

قبل أن نُعجب بأردوغان، علينا أن نعجب بدولة القانون، والشعب الذي اختاره.

علينا أن ننبهر بالحالة التركية، وتلك الدولة التي استطاعت أن تستوعب هذا الحزب الحاكم. ثقافتنا العربية تنسى كل هذا وتركز على (الزعيم) الذي لا حل ولا مجد للقبيلة دونه!

فكروا بـ (الدولة) و (النظام) .. قبل أن تفكروا بالأشخاص وتصنعوا منهم رموزاً .. وبدلاً من أن تبحث هذه الأمة اليتيمة عن الآباء خارج الحدود .. عليها أن تصنع النظام الذي ينتج الآباء الرائعين!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165451

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165451 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010