الخميس 16 حزيران (يونيو) 2011

مأزق «إسرائيل» في إدارة التحديات

الخميس 16 حزيران (يونيو) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

عندما أعلن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» أن «المصريين يواجهون صعوبات في بسط سيادتهم على سيناء»، لم يكن ينوي مجرد التشهير بضعف قدرة الأمن المصري على أن يسيطر على سيناء، أو أن يزرع بذور الفتنة بين مصر وحركة «حماس» فقط، استناداً إلى تحذير آخر من فتح السلطات المصرية معبر رفح بشكل دائم في الاتجاهين بين مصر وقطاع غزة، لكنه كان يعتزم تهديد مصر أمنياً، وتحويل سيناء إلى نقطة ضعف في بنية الأمن المصري، في محاولة لإجبار المصريين على أن يعودوا إلى سياسة التنسيق الأمني مع الكيان على نحو ما كانت الأمور تسير أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بكل ما يعنيه ذلك من تولي مصر مسؤوليات أمنية لحماية الكيان، وانخراطها في معركة محاربة خيار المقاومة والدفاع المستميت عن «خيار السلام».

نتنياهو كان يعرف ما يقول جيداً، وكان يدرك مواطن الضعف الراهنة التي تواجه الحكم في مصر، وبالذات ملف الاستقرار وملف الأزمة الاقتصادية وهموم إعادة تشغيل الاقتصاد المصري، كما أنه كان يدرك أيضاً أن السياحة هي العامل المشترك الذي يربط بين هذين الملفين، وأن سيناء هي أهم مراكز تنشيط السياحة المصرية الآن، وبالذات في موسم الصيف شديد الحرارة. فقد أثرت أحداث الثورة كثيراً في السياحة إلى مصر، وكان توقف السياحة من أهم أوراق الضغط على الحكم وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وتشغيل السياحة يرتبط بالأمن والاستقرار. ومن هنا يأتي حديث نتنياهو عن أمن سيناء كورقة ضغط تقول إن «إسرائيل» تستطيع إرباك موسم السياحة في سيناء عن طريق القيام بعدد من عمليات التفجير في مناطق مهمة في سيناء، وتضخيم الأثر السلبي لهذه التفجيرات لإفشال جهود مصر الحالية الرامية إلى تنشيط السياحة. وليس هذا فقط، بل إن حركة «حماس» على وجه الخصوص ومنظمات أخرى قد لا يكون لها أي وجود على أرض الواقع ربما تكون هي المرشحة لاسناد مسؤولية هذه التفجيرات إليها، لإجبار المصريين على مراجعة سياستهم نحو «إسرائيل» أولاً ونحو الفلسطينيين ثانياً.

مثل هذا التفكير «الإسرائيلي» له علاقة مباشرة بتداعيات الحدث الثوري المصري، ضمن الحدود الضيقة أو الملفات المباشرة مثل ملف معبر رفح، وملف دور مصر في المصالحة الفلسطينية، وملف تصدير الغاز المصري إلى «إسرائيل» من أجل إجبار الحكم المصري على التراجع عن خطوات اتخذت في هذه الملفات. لكن ما يشغل «الإسرائيليين» من الناحية الاستراتيجية هو مردود الحدث الثوري المصري على وجه الخصوص ضمن مجمل الأحداث والثورات العربية المتلاحقة على توازن القوى الإقليمي وامتداداته إلى خرائط التحالفات والصراعات ومستقبل الحرب والسلام في «الشرق الأوسط» على نحو ما كشف عنه البروفيسور يحزقيئيل درور المستشار السابق في وزارة الأمن «الإسرائيلية» الذي تحدث عن أعاصير سياسية كبيرة سوف تجتاح منطقة «الشرق الأوسط» ومن الضروري أن تنسجم السياسة الأمنية «الإسرائيلية» مع جوهر هذه الأعاصير.

البداية التي يراها درور هي معالجة الخلل في كفاءة أجهزة الأمن والاستخبارات «الإسرائيلية». هذا الخلل تأكد في فشل وعجز هذه الأجهزة عن التنبؤ بما حدث في مصر واسقاط حكم حسني مبارك، في الوقت الذي كان فيه قادة هذه الأجهزة يتباهون بأن مرحلة ما بعد مبارك ستكون «صناعة إسرائيلية»، وأن «إسرائيل» لن تسمح بمجيء رئيس لمصر بعد مبارك لا يعلن التزامه مسبقاً باتفاقية السلام المصرية «الإسرائيلية».

والحل عند درور هو بإجراء اصلاح داخلي وجذري لهذه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، مع التشديد على تطوير قدرة فهم الأحداث في العمق، وما قد تحمله من أعاصير مرتقبة.

الخطوة الثانية والمهمة هي تأسيس توجهات استراتيجية «إسرائيلية» بخصوص الأمن الاستراتيجي «الإسرائيلي» والنفوذ «الإسرائيلي» الاقليمي، ووضع تصورات لخرائط تحالفات «إسرائيلية» إقليمية من منطلق الاعتماد على الذات من دون الاعتماد على تحالفات إقليمية للولايات المتحدة في المنطقة.

ما يراه درور بوضوح هو فك ارتباط التخطيط الاستراتيجي «الإسرائيلي» بالتخطيط الاستراتيجي الأمريكي، أو على الأقل أن يكون لـ «إسرائيل» خياراتها وتحالفاتها الإقليمية الخاصة والمستقلة عن تحالفات الولايات المتحدة بناء على ما حدث أيضاً من اخفاق أمريكي في التنبؤ بما حدث في مصر، والفشل الأمريكي في إدارة الثورات العربية المتلاحقة، على نحو ما تكشف من ارتباك الأداء ثم التضحية بالحلفاء من دون يقين بولاء أو بكفاءة البدائل، فالتضحية الأمريكية بمبارك كانت اضطرارية دون أن يكون البديل واضحاً، ومؤكداً في ولاءاته لواشنطن.

تخبط «إسرائيل» مؤشر مهم على أنها تدخل خطوة خطوة ضمن مأزق الأزمة التي سوف تمتد إلى دورها الاستراتيجي المرتبط بالمصالح الأمريكية والفرنسية، والتأثير سلبياً في مكانتها وقدرتها على القيام بهذا الدور، لكنها سوف تتجلى في المزيد من العجز عن الصمود أمام التحديات الإقليمية المتسارعة في المنطقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2181125

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181125 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40