الاثنين 24 أيار (مايو) 2010

عباس والأحلام الصغيرة ......

الاثنين 24 أيار (مايو) 2010 par أيمن اللبدي

نحن على مسافة زمنية قياسها ثلاثة أرياع العام على مؤتمر فتح التلحمي صيف العام 2009 ولم يتبق إلا الربع الأخير من هذا الحساب، والوضع الفتحاوي مثل الوضع الفلسطيني تماماَ يعاني من خلل الوظائف الحيوية والإفراط في تناول العقاقير التي على الرف خارج الوصفة الطبية، مع جزء من مكابرة مرضى غرف الإنعاش وإصرار مجانين العنابر على معالجة الطبيب المناوب. هل هي حالة تقل او تفوق هذه الصورة المغرقة في العبث والمجانية؟ ربما لكن جوهر الأمر لن يتغبّر على كل حال .

أصر السيد محمود عباس أن يعقد هذا المؤتمر بالطريقة والكيفية والإجرائية ألتي خرج بها وهو منذ البداية وحتى لحظة الإغلاق مصر على رأيه بشرعية وصوابية ما فعل، يأتي هذا بالرغم من كل الهواجس والمخاوف التي سبقت وصاحبت وتبعت هذه الخطوة محذّرة من مخاطر أخطاء الحساب فيها، وبالقطع لم تفعل هذه جميعاً إلا أن أضافت وقوداً جديداً على مشروع السيد محمود عباس لفعل ذلك من باب احتساب النصيحة فأراً ومذمة على عكس جواهر الموروث في الحكم والقيم، ولم يمانع هذا المشروع أن يستخدم كل أشواق الفتحاويين في التغيير الموصل إلى الخلاص الوطني، أداة في سبيل تحقيق المشروع ذاته لا المنبني على أمثاله واجناسه في فئة الخطط والحسابات المفترض وطنيتها وموضوعيتها أصلا.

اليوم يقول السيد محمود عباس لزملائه الذين اختارهم بنفسه أو نزل على دخولهم المشروع بطريقة أو أخرى، أنه يحذّرهم من الإمعان في الضغط عليه جهة السيد سلام فياض وحكومته أكثر من اللازم، فهم مطعون في شرعية انتخابهم ووصولهم للموقع الذي يتحدثون منه ضد السيد سلام، والمؤتمر الذي انتخبهم أيضا مطعون في شرعيته وصوابية وجوده أصلاً، ويكمل السيد عباس - في معرض استخدامه لصورة من صور الأدوات القديمة/ الجديدة – ومن خلال المجلس الإستشاري الذي استحدثه أيضا في ثنايا ذات المشروع التلحمي، أن على هؤلاء أن يدققوا الأمر ويفحصوا الموقف قبل أن يتمادوا كثيراً، فمعظم الفتحاويين غير مقتنعين بهم من الباب السابق في حديث الشرعية، وصولاً إلى باب لاحق في موضوعة الفعل والعمل.

أظن أن زملاء السيد محمود عباس، آه ...آسف أعني طاقمه في اللجنة المركزية المنبثقة عن المشروع التلحمي أو بعضهم على الأقل سيأخذ هذه التحذيرات هذه المرة على محمل الجد، وإن لم يفعلوا أنصحهم أن يفعلوا ويلحقوا أنفسهم كما نقولها بالدارجة والدارج الفلسطيني غير المعبرن ولا المؤسرل بعد على طريقة الشيف المسؤول في هذا المطيخ المخصوص الجنرال كيث دايتون في صناعة الفطائر الجديدة فئة الشخصية الفلسطينية، وذلك لسببين: الأول منهما أن السيد عباس في هذه يعني ما يقوله لأنه يتحدث اليوم من مكتب استحدثه في ذات المشروع التلحمي وهم أول المصوتين له في صفة “رئاسة حركة فتح” من غير حاجة لتفصيل لا لزوم له، والثاني أنهم قد جربوا مسألة صدق ما يقوله في مبحث وحيد هو مبحث القفز على الضوابط الفتحاوية والفلسطينية، وهو يستطيع ابتداع استفتاء على وضعهم بعشرة آلاف طريقة ليخرجهم من ذات الباب الذي دخلوه وربما بذات الطقوس، فالرجل يستطيع عقد مؤتمر بيراوي هذه المرة دون عائق مهم. اللافت أن السيد عباس يبدو مدركاً أن مشروعه منذ البداية لا شرعية له ولا صوابية فيه ولا نصيب له من المستقبل برغم عناده ذي الطابع المناكف غالباً.

هل من حق طاقم مركزية السيد عباس أن يكثروا من بث شكواهم ونجواهم في مسألة فياض وحكومته وميزانياته؟ وهل عيون هؤلاء وألبابهم مشغولة بصلب الملف السياسي الوطني في هذه النجوى وهذه الشكاة أم هي على هامش ملفات التقاسم الغنائمي الوجاهي؟ هذه أسئلة مشروعة وليس هذا مجالها، وبذات الوقت فإن أسئلة مقابلة في خاطر السيد عباس قد تبدو أيضا متوقعة من نمط : لم الآن وقد قبلتم المشروع بقضه وقضيضه؟ ما الذي تغيّر على وضعكم وهل فعلاً تراكم صدّقتم الديكورات ونسيتم القواعد والأرضيات والنوافذ المغلقة والمفتوحة؟ وهذه أيضاً ليس مجالها كذلك هنا على كل حال.

مفيد أن تقدّم هذه اللجنة بياناً عما أنجزته هي نفسها لا ما أنجزه مشروع السيد محمود عباس نفسه هو الماثل للعيان لا غيره، أما السادة المركزيون فباستثناء زيارات فاشلة في تحقيق أهدافها البسيطة التي لم تكن تحتاجها فيما مضى، وباستثناء حضورهم أو غيابهم مكلفين في اجتماعات التغطية على متطلبات مشروع السيد عباس في منظمة التحرير أو غيرها ، وباستثناء مناكفاتهم فيما بينهم حول ميزانياتهم وأحلافهم واستزلامهم واستعدادهم لوثبات لاحقة، لا نجد شيئا جديداً ، والتفاصيل الجديدة دائماً في أبواب مشروع السيد أبو مازن، فمشروع السيد عباس بدا واضحاً منذ البداية ولا أوهام حول تفسيرات أخرى له، فالرجل يريد تصفية فتح التي عرفناه وإبدالها بفتح جديدة، وهو استقوى بكفاءة نادرة بالجغرافيا والمال السياسي والتفاهم الإقليمي- الدولي وغبطة العدو الصهيوني ومباركته لتنفيذ ذلك، ونجح إلى حد كبير في مشروعه تقوده في هذه الرغبة مسألتان: الأولى عقدة شخصية اسمها ظلال ياسر عرفات ووصفات قائمته التي لا تنتهي، والثانية سياسة جديدة أرساها بكفاءة بالغة أيضاً اسمها “احلم حتى يتحقق الحلم”،طبعا على افتراض أن الرجل لم يخط خارج فسطاط الإيمان خطوة أو خطوتين! رغم حنق ياسر عرفات بوجهه مناداته «بكرزاي فلسطين» مرة أو صراخ السيد فاروق القدومي حول وثيقة مزعومة قبيل عقد المؤتمر التلحمي ونقطة عقب كلي الحالتين.

إذا كانت مسألة عقدة ظلال ياسر عرفات مسألة شخصية رغم ثقل وطأة الفشل فيها – وهو فشل ذريع- وما يعنيه ذلك من إرهاق تبعات التقليد التي ستنعكس على انتظام ضربات القلب المتعبة أصلاً والتي كان عرفات يتقن إعادة تنظيمها، فإن مسألة سياسة الحلم الجديدة ليست كذلك وهي تتجاوز خارج الشأن الفتحاوي قطعاً إلى العصب الوطني والقومي، وسياسة السيد عباس المرتكزة إلى الحلم بتحقيق تسوية مع العدو الذي يقوم مع كل حلم جديد بترسيخ مضيدة جديدة للغافلين والحالمين والكسالى لا يبدو أنها تتعبه ، رغم سباحته إلى أعماق بعيدة وهو لا يتقن السباحة في ضحلها المرتفع أصلاً، وهنا تكمن خلاصة الكارثة والطريق إليها، ولا يبدو أن قناعة السيد محمود عباس قابلة لاهتزاز ولو قليلاً بطعم الأوراق المكتملة في يد أمريكا وقانون الرضى الصهيوني طريقا وحيداً أوحداً للحصول على تحقيق حلم صغير، أصبح أصغر حتى من مساحة الحلم فيه!

تبقى في هذه المساحة كلمتان مهمتان، الأولى أن السيد عباس خطا لمشروع وقام ليقلّد ظلالاً فهي في نهاية الأمر خطوة نفت السكون والجمود والتكلّس والتحنيط وما شئت، وهي بحد ذاتها مسألة، وتقييم صوابية وقيمة ومقياسها والاتفاق أو الاختلاف معها مسألة مختلفة تماما، والمسألة الأخرى أن مصيبة وفجيعة السيد عباس في نفسه أولا –هذا إن أراد أن يراجعها يوما- قبل أن تكون خارج هذه المساحة، فالرجل الذي لطالما احتسب على عالم الفكر والتفكير والتحليل والمنطق في مطبخ الشهيد صلاح خلف ومكتبه، عندما اتيحت له الفرصة انطلق خارج ذلك كله وبطريق معاكسة تماما لهدي كومة الشعارات التي طالما رفعها مع آخرين في مسألة الإصلاح والتغيير والتطوير والمراجعة وما إلى ذلك من قيم البناء الحقيقي الديموقراطي الواعي، انطلق من على سور المنطق إلى ساحة البهلوانيات وحبالها التي لا يطيق لها صيراً ولا كان يوما مقدوراً لها ولا هي بمستطاعه أصلاً، وبكومة من ممارسات تقف من الضد في كل ما لطالما حلم أن يستطيع مع بعض رفاقه السابقين أن يطبقه ويصونه لو قدّر له، وهي معضلة أن يحلم بشيء فيوقع عكسه تماماً، وآمل أن لا يكون مصير حلمه السياسي في التسوية على ذات القياس.

تبقى أن أحلم بدوري أن تكون هذه السنوات العجاف جميعا كابوسا ثقيلا سيعبر عندما يستيقظ الحالمون النيام وليس الحالمون العاشقون........

24/5/2010



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2165629

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165629 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010