السبت 4 حزيران (يونيو) 2011

دور «حزب شاس» في الاستيلاء على القدس

السبت 4 حزيران (يونيو) 2011 par مهدي الدجاني

عندما نضع تعاطي القيادة السياسية «الإسرائيلية» مع ملف القدس تحت المجهر نجد حقيقة تستحق تحديد استراتيجيات لمواجهتها وهي أنه خلال العقدين المنصرمين، كان لـ «حزب شاس» الدور الأبرز بين القوى «الإسرائيلية» في مسعى الاستيلاء على القدس وعدم السماح بالتفاوض حولها.

ولعل المتابعين يذكرون التصريح الذي أدلى به إيلي ييشع ـ الرجل الثاني بالحزب ـ خلال انعقاد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر 2007. فيومئذِ، هدد ييشع وزيرة الخارجية الأميركية أنه لن يتوانى عن إسقاط حكومة أولمرت، إذا تم إدراج القدس في جدول أعمال أنابوليس، أو إذا تم تجاوز أي خط ترى عيناه أنه خط أحمر، وفق ما جاء بمجلة «التايم» في عددها الصادر في 17 أكتوبر 2007. كما يذكر المتابعون أنه خلال المفاوضات التي أجرتها زعيمة «كاديما» تسيبي ليفني لتشكيل حكومة ائتلافية بعد تقدم حزبها في انتخابات «الكنيست» الثامنة عشرة التي جرت في 10 فبراير 2009، برز الخلاف بين ييشع وليفني حول القدس. رأت ليفني ضرورة تبني موقف شكلي يوحي بالاستعداد لمناقشة مسألة القدس بما لا يتجاوز سقف أوسلو، أي أن تظل القدس خاضعة للسيطرة «الإسرائيلية» مع منح صلاحيات إدارية محدودة للجانب الفلسطيني في بعض أحيائها. أما «شاس» فقد كرر موقفه الرافض أن تكون القدس موضوعاً لأي نقاش. وعلى بساط المفاوضات صرح ييشع تصريحاً استراتيجياً أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 5 فبراير 2009 مفاده : «منذ عام مضى، قرر «شاس» أنه سيترك الحكومة في حالة إقامة محادثات حول القدس، ونفس الموقف نتبناه ـ بل أكثر ـ عندما يتصل الأمر بالمشاركة في حكومة لن تلتزم بعدم مناقشة القدس. القدس ليست للبيع».

وبناء على الخلاف بإزاء موقف الحكومة المستقبلية بشأن القدس، رفض «شاس» الائتلاف مع «كاديما». وقد أدى ذلك إلى إخفاق «كاديما» في تشكيل الحكومة. وإثر فشل مفاوضات الائتلاف أصدر «شاس» بياناً قال فيه :

«أكد «شاس» خلال المحادثات أنه إذا لم تتم تقوية وضع القدس، وإذا لم يتم توضيح أن العاصمة «الإسرائيلية» (القدس) ليست نقداً (أي قابلة للمقايضة)، فسيكون لذلك أثرٌ على مستقبل الحوار، وسيُظهر «إسرائيل» بحسبانها بلداً يستسلم تحت الضغط الدبلوماسي وبحسبانها طرفاً يتنازل تنازلات متوالية».

بالمقابل، ائتلف «شاس» مع «الليكود» و«إسرائيل بيتنا» على قاعدة تعهدهما بعدم إجراء محادثات حول القدس وعدم المساس بوضعها كعاصمة لـ «إسرائيل».

نحن إذا أمام موقف إستراتيجي ثابت يتبناه حزب «شاس» مفاده عدم السماح بالتفاوض حول القدس ولسنا أمام موقف عابر.

ومن يدقق النظر في خطاب «شاس» يستخلص أنه قد نصب نفسه قَيماً على القدس وهو ما يعكسه تصريح ييشع بعد فشل مفاوضات الائتلاف المذكورة إذ قام فقال :

«خلال مفاوضات الإئتلاف كلها، لم يطلب «شاس» أعطية أو مناصب أو أي تصعيد سياسي … كل ما طلبه «شاس» هو المساعدة الحقيقية للشريحة المفتقرة للمزايا داخل المجتمع «الإسرائيلي»، كما عمل «شاس» على حماية القدس».

ليس هذا فحسب، بل إن قوىً «إسرائيليةً» عديدةً أخذت ترى في «شاس» المدافع عن القدس والقادر على عرقلة التفاوض حولها. فقد صرح إفرايم إيتام زعيم الحزب القومي الديني معلقاً على محادثات جرت بين أولمرت وسلطة أوسلو: «لقد آن الأوان لليبرمان و«شاس» أن يخرجوا من الحكومة، قبل أن تُقسم الحكومة القدس»، بحسب ما ذكرت «الجيروزاليم بوست» في 27 نوفمبر 2007.

هذا، وقد كان «شاس» من الأحزاب القليلة التي حظيت باستقرار سياسي استند إلى فوزه بمقاعد في جميع الانتخابات التي خاضها منذ تأسيسه في 1984. فقد أصبح حجر الزاوية في الحكومات «الإسرائيلية» إذ بات في مقدوره التأثير في أي حكومة بالتهديد بالانسحاب منها. ولم ينفك حزب «شاس» يستغل هذه المكانة في خدمة موقفه بشأن القدس.

ليس معنى ما سبق أن حزب «شاس» وحده هو من يسعى للاستيلاء على القدس. فقد ظلت قوى «إسرائيليةٌ» أخرى تسهم في جهود الاستيلاء كالحزب الوطني الديني الذي يرأسه إفرايم إيتام ومن قبله «الليكود» بزعامة نتنياهو و«إسرائيل بيتنا» بقيادة ليبرمان. حتى بالنسبة لـ «كاديما» وزعميته ليفني و«العمل» وزعمائه الضعفاء، فعلى الرغم مما يبدونه من عبارات قد يفهم منها مرونة بإزاء القدس فإن جوهر موقفهما حسبما يبين لسان الحال هو أنه لا بد من أن تخضع القدس للسيطرة «الإسرائيلية». باختصار إن دور حزب «شاس» في مسعى الاستيلاء على القدس هو دور قائد الركب.

ولعل هذا الإجماع «الإسرائيلي» الذي تَصَدَّره «شاس» هو الذي أدى إلى أنه منذ بدايات مسار أوسلو أخذ مسعى الاستيلاء على القدس يتم بكثافة أشد. فمنذئدٍ أخذت حزمةً من سياسات الاستيلاء تجد طريقها إلى التنفيذ بكثافة أكبر من أي وقت مضى شملت هدم المنازل وبناء المستوطنات الاغتصابية وحرمان المقادسة من حقوقهم المدنية ومنع المسافرين منهم من العودة وطرد المستأجرين والملاك وتحفيز الصهاينة على السكنى بالقدس. وفي 1996، كانت القدس على موعد مع محاولة نوعية للاستيلاء عندما سعت الحكومة «الإسرائيلية» السابعة والعشرون التي شكلها نتنياهو إلى حفر أنفاق أسفل المسجد الأقصى. وما أن علم شعب فلسطين بذلك حتى خرج المقدسيون وفلسطينيو الضفة في تظاهرات عرفت بـ «هبة القدس» أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى. وفي 2000 جرت محاولة «إسرائيلية» أمريكية جديدة للاستيلاء على القدس تدثرت بدثار الدبلوماسية ضمن إطار مفاوضات كامب دافيد الثانية، لكن الحرب النفسية التي شنها كلنتون وباراك على عرفات لم تنجح في الوصول به إلى التوقيع على التنازل عن القدس والأقصى. وفي 28 سبتمبر 2000 اقتحم شارون حرم الأقصى تحميه قوة أمنية ضخمة ضمن حملة للتمهيد لوضع حجر أساس الهيكل المزعوم، فانتفض أبناء القدس ومن ورائهم أبناء فلسطين للدفاع عن الأقصى واندلعت انتفاضة الأقصى التي استمرت أربعة أعوام. وفي أغسطس 2005 كانت القدس على موعد جديد مع محاولة للاستيلاء وذلك من خلال خطة فك الارتباط مع قطاع غزة التي كانت غايتها الإيحاء بحصول انسحاب من غزة لتركيز الأنظار على القطاع ولفت الأنظار عن عمليات الاستيلاء على أراض بالضفة الغربية بما فيها القدس. وبمجرد تنفيذ فك الارتباط وجدت الحفارات طريقها إلى الضفة الغربية لتشييد المزيد من المستوطنات وقامت السلطات «الإسرائيلية» بتكثيف إجراءاتها للتضييق على أهل القدس. وكانت خطوة فك الارتباط قد تحركت على أرضية وعد بوش الابن بتكريس احتلال قطاعات من الضفة الغربية لم يحددها الوعد بذريعة وجوب احترام الأمر الواقع. وفي 2006، وبالتزامن مع تصاعد حدة التوتر بين «حماس»، منحت الحكومة «الإسرائيلية» رخصة لمنظمة «عطيرت كوهنيم» لبناء كنيس يهودي على بعد خمسين متراً من قبة الصخرة. وعقب الحرب «الإسرائيلية» على غزة في ديسمبر 2008 وقبل أن ينقشع غبار المعركة من السماء انطلقت عمليات السطو على القدس. فقد فوجئ سكان حي السلوانة وغيره من الأحياء المجاورة بالمستوطنين المغتصبين يطالبونهم بالإخلاء.

مما يخبرنا به هذا الاستعراض أن الكثافة التي وصلت إليها الجهود «الإسرائيلية» في محاولة الاستيلاء على القدس والأقصى خلال الخمس عشرة سنة الماضية أعلى بكثير من كثافة الجهود «الإسرائيلية» في الاستيلاء على القدس والأقصى قبل ذلك. فصحيح أنه كانت هناك محاولاتٌ سابقةٌ للاستيلاء على القدس والأقصى لكنها لم تصل إلى ذات درجة الكثافة. ومن المعلوم بداهة أن استهداف القدس لم يبدأ مع بدء مسيرة أوسلو. الصحيح أنه لم يتوقف منذ بدء الهجمة الصهيونية على فلسطين. فمثلا كانت هناك محاولة نوعية للاستيلاء على القدس في 20 أغسطس 1980 عندما أصدرت الحكومة «الإسرائيلية» الثامنة عشرة برئاسة بيجن قرارها بضم القدس، وهو ما جعل مجلس الأمن يصدر القرار رقم 478 القاضي بأن قانون القدس الذي سنته حكومة بيجن باطل وأنه يتوجب التعامل معه كأن لم يكن. كما كانت هناك محاولةٌ كبرى لتدمير المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969 عندما قام «إسرائيليون» بإحراق المسجد الأقصى أشرفت عليها من طرف خفي الحكومة «الإسرائيلية» الرابعة عشرة برئاسة جولدا مائير. وعندها أيضا هب أبناء فلسطين لإطفاء الحريق وإنقاذ الأقصى.

لكن الاستعراض السابق لمحاولات السطو على القدس يخبرنا بأمر آخر، وهو أن القدس ما زالت صامدة. فعلى الرغم من اجتماع قوة عظمى حالية (الولايات المتحدة) وسابقة (بريطانيا) والقوة الممثلة للقارة الأغنى (الاتحاد الأوروبي) وقوة احتلال اغتصابي (البنيان «الإسرائيلي») لتنفيذ مهمة الاستيلاء على القدس وتكريس موارد هائلة لإنجاز المهمة، ما زالت القدس صامدة. ولعل مرجع هذا الصمود الرعاية الإلهية لهذه المدينة السماوية وصبر أبنائها ومرابطة شعب فلسطين ومؤازرة أمته على الرغم من أن هذه الأخيرة كانت ضمن الحد الأدنى.

ومن المرجح أن يزداد صمود القدس في ضوء الطاقات الكامنة لدى أبناء القدس ومعهم قطاعات من أبناء الضفة الغربية والأرض المحتلة عام 1948 وغزة غير المؤطرين بإطار حزبي. فهؤلاء أيديهم غير مغلولة كما هو حال كثير من الذين لم يتسن لهم الخروج من ربقة أسر الحزبية الأيديولوجية. وهذه القطاعات غير المحزبة من أبناء شعب فلسطين لا تنشغل بالقضايا الحزبية عن مواجهة الخطر الأكبر المحدق. من ثم، فالمتوقع أن تكون هذه القطاعات من أبناء شعب فلسطين طليعة جهد جديد يواجه محاولات حزب «شاس» ومن يسير وراءه في مسعى الاستيلاء على القدس. وستتمكن هذه القطاعات غير المتحزبة من أبناء شعب فلسطين من استقطاب تأييد شعبي عالميا وإقليميا ومحليا. وستزيد أعداد الذين سيتحررون من ربقة الأسر الحزبي وينضمون لأبناء القدس. وكل ذلك سيكون بمثابة الصخرة التي تنكسر موجة الاستيلاء على القدس والأقصى انكسارا نهائيا، والله أعلم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165922

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165922 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010