الجمعة 3 حزيران (يونيو) 2011

جمال عبد الناصر في وثائق المخابرات المركزية الأمريكية

«لعبة الأمم».. كتاب نشرته «سي آي إيه» بتمويل من الملك فيصل لتشويه عبد الناصر
الجمعة 3 حزيران (يونيو) 2011 par عمرو صابح

«لن يغفر لي الأميركيون ما فعلته معهم .. حياً أو ميتاً»

هذه شهادة الرئيس جمال عبد الناصر عن علاقته بالولايات المتحدة الأميركية التي حاربت سياسته وسعت للخلاص منه طيلة فترة حكمه لمصر، وكعادته كان عبد الناصر نافذ البصيرة في توصيفه لحرب الولايات المتحدة عليه حياً لوأد مشروعه القومي النهضوي، وميتاً كرمز وحتى لا تتكرر تجربته مرة أخرى.

كانت أغرب التهم التي تم توجيهها لجمال عبد الناصر في الحملة المشبوهة لتشويه تجربته واغتيال شخصيته هي تهمة صلته بوكالة المخابرات المركزية الأميركية قبل الثورة، وحصوله على ضوء أخضر من الأميركيين للإطاحة بالنظام الملكي في مصر.

وقد بدأ اتهام جمال عبد الناصر بتلك الأكذوبة أثناء حياته في عام 1969 عندما نشر مندوب وكالة المخابرات المركزية الأميركية «مايلز كوبلاند» كتابه ذائع الصيت «لعبة الأمم» والذي أوحى فيه بصلة الثورة المصرية وجمال عبد الناصر بالولايات المتحدة الأميركية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، وقد أصبح هذا الكتاب بمثابة المرجع الرئيسي لكل أعداء عبد الناصر وثورته.

في عام 1988 نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه «سنوات الغليان» الذي أورد فيه مجموعة من الوثائق والرسائل التي تثبت أن مايلز كوبلاند نصاب ومحتال، وأنه نشر كتابه بأوامر أميركية في إطار الحرب الأميركية المستمرة على عبد الناصر والتي تهدف لتشويه سمعته من أجل اغتيال شخصيته معنوياً في أعين الجماهير العربية بعد الهزيمة في حرب يونيو 1967.

وقد هاج كوبلاند بعد أن فضحه الأستاذ هيكل بالوثائق، وهدد برفع قضايا تعويض ضد الأستاذ هيكل، وحتى الآن بعد مرور كل تلك السنوات على صدور كتاب «سنوات الغليان» لم يفعل مايلز كوبلاند شيئاً مما هدد به.

خلال سلسلة حوارات للأستاذ هيكل لمجلة «روز اليوسف» في منتصف التسعينيات صرح الأستاذ أن كتاب مايلز كوبلاند «لعبة الأمم» قامت بتمويله المملكة العربية السعودية في إطار سعي الملك فيصل بن عبد العزيز الدءوب للقضاء على شعبية جمال عبد الناصر بين الشعوب العربية، وهو السعي الذي وافق هوى المخابرات المركزية الأميركية ورجلها مايلز كوبلاند، وأشار الأستاذ هيكل إلى أن أي كتاب يصدره أحد العاملين في وكالة المخابرات المركزية الأميركية لابد أن يحصل على موافقة مسئولي الوكالة، وتتم عملية مراجعة دقيقة لما يحتويه لمعرفة مدى خدمته لمصالح وغايات وكالة المخابرات المركزية الأميركية وأهداف السياسة الأميركية وهو ما خضع له بالطبع كتاب «لعبة الأمم».

المدهش في الأمر أن هناك كتب عربية عديدة ظهرت كان مرجعها الأساسي والرئيسي هو كتاب «لعبة الأمم» مثل كتابي «كلمتي للمغفلين» و «ثورة يوليو الأميركية» لمحمد جلال كشك، وكتاب «عبد الناصر ولعبة الأمم» لمحمد الطويل، وقد راجت تلك الكتب وأصبحت المراجع الرئيسية لكل أعداء ثورة 23 يوليو.

وعندما تم الإفراج عن وثائق وزارة الخارجية الأميركية التي تتناول عام 1952 والتي أثبتت مفاجأة وزارة الخارجية الأميركية بثورة الجيش في مصر في 23 يوليو 1952 خرج علينا أعداء جمال عبد الناصر وثورته بتفسير مريض مثلهم برروا فيه مفاجأة وزارة الخارجية الأميركية بالثورة بأن من كان يتولى التنسيق مع جمال عبد الناصر من الأميركيين ليسوا من وزارة الخارجية الأميركية بل من وكالة المخابرات المركزية الأميركية لذا فطبيعي أن لا تحتوى وثائق الخارجية الأميركية على تفاصيل مؤامرة جمال عبد الناصر مع الأميركيين.

حتى حانت لحظة الحقيقة في عام 2009 عندما صدر كتاب «إرث من الرماد.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأميركية» للكاتب الصحفي الأميركي تيم واينر مراسل جريدة النيويورك تايمز يتناول الكتاب تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأميركية منذ إنشائها وحتى نهاية عهد الرئيس جورج دبليو بوش، أعتمد الكتاب على 50 ألف وثيقة من وثائق الوكالة.

يقول تيم واينر فى مقدمة الكتاب : «هذا الكتاب موضوع بما هو للنشر، لا مصادر مجهولة، ولا استشهادات غامضة، ولا أقاويل.

إنه أول تأريخ لـ «السي.آي.إيه». مجموع كلياً من إفادات من المصدر ومن وثائق أصلية».

هذه شهادة تيم واينر عن كتابه الوثائقي والآن حان الوقت لنقرأ معاً ماذا تخبرنا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأميركية عن جمال عبد الناصر وثورته.

«فوجئت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بثورة الجيش في مصر في 23 يوليو 1952 برغم أن ضباط الوكالة في مصر وقتها فاقوا مسئولي وزارة الخارجية عددا بنحو أربعة إلى واحد في السفارة الأميركية بالقاهرة».

«حاولت الوكالة شراء جمال عبد الناصر فدفعت له 3 ملايين كدعم لنظامه وساعدته في بناء محطة إذاعية قوية، ووعدته بمساعدة عسكرية واقتصادية أميركية، ولكن المفاجأة أن جمال عبد الناصر رفض أن يتم شراؤه فقام باستخدام قسم من ملايين الدعم الثلاثة في بناء برج القاهرة، وعندما لم يفي الأميركيون بتعهداتهم بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية له أتجه إلى السوفيت من اجل تسليح جيشه.

قبل تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس كان هناك تنسيق بين الوكالة والمخابرات البريطانية من أجل تنظيم عملية لإزاحته من السلطة في مصر.

عقب تأميم جمال عبد الناصر لشركة قناة السويس أقترح البريطانيون اغتياله فوراً، ودرسوا تحويل مجرى نهر النيل لإغراق مصر وتدمير محاولة عبد الناصر للتنمية المستقلة في مصر.

رفض الرئيس الأميركي إيزنهاور تلك الخطة وأيد مع مسئولي الوكالة تنظيم حملة طويلة وبطيئة من الإفساد ضد مصر والحصار الاقتصادي لإسقاط جمال عبد الناصر».

هذا هو ما تخبرنا به وثائق وكالة المخابرات المركزية الأميركية عن جمال عبد الناصر وثورته.. كانت الثورة مفاجأة فشلت الوكالة في التنبؤ بها.

جمال عبد الناصر وطني حر لا يباع ولا يشترى.

نتنقل الآن إلى وثائق الكتاب عن كلاً من «كيرميت روزفلت» و«مايلز كوبلاند» اللذان ينسب لهما عملية تنسيق وكالة المخابرات المركزية الأميركية مع جمال عبد الناصر قبل الثورة.

ولنقرأ معاً ماذا تخبرنا الوثائق عن علاقتهما بجمال عبد الناصر :

«كيرميت روزفلت بعد قيام الثورة عرض مساعدة الوكالة في إنشاء جهاز الاستخبارات المصري وتدريب كوادره لذا أوفد كتيبة من مغاوير الجنرال رينهارد جهلن السابقين للقيام بتلك المهمة».

«مايلز كوبلاند هو أول رئيس مركز للوكالة في دمشق عمل عن كثب مع الملحق العسكري الأميركي في سوريا ستيفن ميد على خطة لدعم ديكتاتورية يساندها الجيش في سوريا بحسب ما ورد في برقية بعث بها ميد في كانون الأول/ديسمبر 1948 إلى البنتاجون، وقد وجدا ضالتهما في حسني الزعيم الذي دعمه كوبلاند في انقلابه ووعده بدعم الرئيس ترومان مقابل سماح حسني الزعيم بمرور خط أنابيب شركة النفط العربية - الأميركية عبر سوريا.

بقى حسني الزعيم في الحكم أقل من خمسة أشهر قبل أن يتم الانقلاب عليه وإعدامه».

يمكننا بقراءة دقيقة لما ورد عن مايلز كوبلاند في وثائق الوكالة ملاحظة أن ما قام به كوبلاند مع حسني الزعيم بسوريا عام 1948 من انقلاب عسكري هو ما أراد أن يوحي لنا عبر كتابه المزيف «لعبة الأمم» أنه قام به مع جمال عبد الناصر في مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952.

ولكن كما فضحه الأستاذ محمد حسنين هيكل بوثائقه، فضحته أيضاً وثائق وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي كان يعمل لحسابها.

قضية تجسس الصحفي الراحل مصطفى أمين لصالح وكالة المخابرات المركزية الأميركية ورد ذكرها أيضاً في الكتاب، ولنقرأ معاً ما جاء بالكتاب عنها :

«أبلغ مكتب مصر في وزارة الخارجية «لوك باتل» وكيل وزارة الخارجية الجديد لشئون الشرق الأدنى أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر شرع في الشكوى - وليس للمرة الأولى وليس بدون سبب - من أن الوكالة تحاول الإطاحة بنظام حكمه.

كشف باتل سر شكوى الرئيس المصري جمال عبد الناصر فقد كان ضابط الوكالة بروس تايلور أوديل يجتمع على نحو منتظم بمصطفى أمين المحرر البارز المقرب من عبد الناصر.

كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تدفع أموال لمصطفى أمين مقابل المعلومات التي يمدها بها ومقابل نشره تقارير إخبارية مؤيدة للأميركيين بصحيفته.

وقد تم وضع مصطفى أمين على جدول معاشات الولايات المتحدة الأميركية مقابل خدماته.

تم القبض على مصطفى أمين واحتلت قضيته عناوين الصحف وتم كشف دور بروس تايلور أوديل ضابط المخابرات الأميركية محرك مصطفى أمين والذي كان يعمل تحت غطاء دبلوماسي بالسفارة الأميركية بالقاهرة.

حوكم مصطفى أمين بوصفه جاسوساً وأدين وتم سجنه لمدة تسع سنين».

هذا ما تخبرنا به وثائق الوكالة عن قضية مصطفى أمين الذي عمل لصالحها وتم وضعه على جدول معاشاتها تقديراً لخدماته ومعلوماته.

في الكتاب أيضاً تخبرنا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن الانتصار الأكبر الوحيد للوكالة في «الشرق الأوسط» كان هو «عملية أجاكس» عملية الانقلاب على مصدق في إيران لصالح الشاه محمد رضا بهلوي والذي خططت له الوكالة عبر رجلها كيرميت روزفلت عام 1953.

والآن بعد أن تحدثت الوثائق ماذا سيفعل أعداء جمال عبد الناصر؟، وما الجديد الذي سيفترونه عليه؟!

مشكلة بعض الكتب التي صدرت في غفلة من الزمان لكتبة مشبوهين لهم أغراض مدفوعة الثمن وتم الترويج لها عبر حملة ضارية لتشويه جمال عبد الناصر وعهده أنها قد تخدع البعض فتحول الأبطال إلى عملاء، والخونة إلى أبطال.

ولكن عندما تتحدث الوثائق يخرس كل الخونة والعملاء أعداء جمال عبد الناصر وفكره، لأن الوثائق لا تكذب ولا تتجمل فقط تصرح بالحقائق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 166 / 2165818

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165818 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010