السبت 28 أيار (مايو) 2011

الثورات العربية واستعادة فلسطين

السبت 28 أيار (مايو) 2011 par د. احمد برقاوي

أشار بعض الكتاب شفاهاً أو كتابة إلى أن ما يسم هذه الثورات التي نشهد عزوفها عن طرح قضية فلسطين والصراع العربي ـ الصهيوني ضمن ما تطرح من تحرر وحرية ومساواة وإصلاح وإسقاط نظام وبالتالي فإن ما كان يسمى قضية مركزية للأمة العربية صار جزءاً من الماضي. أطروحتي هي التالية : إن الثورات العربية إذا ما نجحت فإن تحرير فلسطين وزوال «إسرائيل» أمر سيتمّ لا محالة. وإن استمرار «إسرائيل» موجودة كل هذا الزمن راجع لبنية النظام العربي، ولبنية السلطة العربية ليس إلا.

فدولة السلطة في الوطن العربي، لا تملك إلا هاجساً واحداً وحيداً، ألا وهو بقاء هذه الظاهرة الشاذة في التاريخ الحديث والمعاصر. لأن دولة السلطة ـ كما قلنا في مقالة سابقة ـ قضت على واقعة الدولة التي أهم معالمها السيادة الوطنية.

فالقضية المركزية لدولة السلطة هي السلطة، والعدو المركزي لدولة السلطة هو الشعب والقوة المملوكة من قبل سلطة الدولة هدفها واحد وحيد مقاومة إمكانية ثورة الشعب. فكان من الطبيعي أن تطرح الثورات أول ما تطرح قضية السلطة. فشعار «الشعب يريد إسقاط النظام» شعار مليء بالأحكام المضمرة كـ (إسقاط الخوف، إسقاط الفقر، إسقاط الفساد، إسقاط القمع، إسقاط الذل، إسقاط كل ما يحول دون تحقق الكرامة، إسقاط سلطة تصالح العدو).

وعليه فإن غياب شعار تحرير فلسطين عن ثورة اليمن ومصر وتونس وليبيا والبحرين غياباً مباشراً، لا يعني أن فلسطين غائبة، بل يعني أمراً واحداً، ألا وهو أن فلسطين لن تكون قضية مركزية للعرب إلا إذا تحول العرب إلى ذوات حرة. فالشعوب الحرة ذات الإرادة الحرة الحريصة على كرامتها الوطنية في ظل دولة معبرة تعبيراً حقيقياً عن روح الشعب هي الحصن الحقيقي لفلسطين. والمتتبع لمؤتمرات القمة العربية ومقرراتها يدرك أن فلسطين الحاضرة دائماً في جلسات المؤتمرات وبياناتها، ليست إلا قولاً أيديولوجياً فارغاً، فحضورها حضور على الورق، فيما سلوك الأنظمة، سلوك الذي لا تعنيه القضية الفلسطينية لا من بعيد ولا من قريب.

هل أخضعت الاتفاقيات مع العدو إلى استفتاء شعبي مثلاً؟ طبعاً لا ولا يمكن أن تخضع، لأن صاحب قرار إبرام اتفاقات التسوية مع العدو القومي، يعلم علم اليقين، بأن الوعي الشعبي مناهض له بامتياز.

إن الدولة ذات السيادة، دولة المواطنين الأحرار، إذا ما قيض لها الانتصار، لا يمكن إلا أن تجد نفسها في مواجهة العدو القومي، لا من منطلق إيديولوجي، بل من منطلق التصالح مع الشعب أولاً، ومن منطلق الإحساس بخطر العدو على الوطن ثانياً.

فـ «إسرائيل» بوصفها كياناً عنصرياً استيطانياً اجلائياً احتلالياً وصورة فاقعة من صور النازية وبقية باقية من مرحلة الاستعمار ـ التقليدي للمنطقة وثكنة عسكرية متقدمة في خدمة المشروع الدائم لأوروبا وأميركا في المنطقة، هذا الكيان يشكل خطراً على السلم والأمن والحياة الكريمة في الوطن العربي.

إن دولة السلطة وحدها لا ترى في هذا الكيان سماته الماهوية السابقة، بل وإن رأت ذلك فإنها ليست في وضع أخلاقي يؤهلها لمقارعة العدو. فالموقف من «إسرائيل» ليس مجرد دول تجاه دولة قائمة في قلب الوطن العربي، بل موقف شعوب تجاه عصابات تزعزع أمنه وسيادته. إنه موقف وطني وقومي وأخلاقي واجتماعي.

في سلطة الدولة، في دولة المواطنة، تتغير مهمة الجيوش تغيراً مطلقاً، بل يعود الجيش إلى معناه الحقيقي، فينتقل الجيش من مؤسسة حامية لدولة السلطة، إلى مؤسسة حامية للوطن وأمنه وسيادته تجاه أي عدوان خارجي من مؤسسة قامعة للشعب، إلى مؤسسة تنفذ إرادة الشعب الذي أنتج سلطته المطابقة، ففلسطين حاضرة قضية في قلب الثورات العربية بوصفها قضية الحرية، بوصفها قضية شعوب تصنع تاريخها المستقل لتغدو شعب أمة ذات سيادة.

بل إن الثورات ستقضي على الجامعة العربية هذه الظاهرة الاستعمارية بامتياز.

وأنا هنا لا أتحدث عن أيام ولا عن سنوات، بل عن مرحلة قد تطول، فبناء ما خرّبته السلط على امتداد هذه العقود، إنما يحتاج إلى عقود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010