الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011

النكبة وعقلية التطهير العرقي

الثلاثاء 17 أيار (مايو) 2011 par عوني صادق

الرد «الإسرائيلي» في الخامس عشر من مايو/ أيار 2011 على المتظاهرين الفلسطينيين العزل المطالبين بحق العودة داخل فلسطين وعلى نقاط التماس في ذكرى النكبة يعكس الصورة الحقيقية لهذا الكيان العنصري الغاصب، الذي لا يمتلك أداة غير القتل ولا يرى وسيلة إلا القوة. يوم فلسطيني ورد «إسرائيلي» أعادا الأضواء على صورة جرى عليها التعتيم في السنوات الأخيرة من عمر القضية الفلسطينية. لم تكن نكبة الشعب الفلسطيني «واقعة تاريخية» من الماضي، بل جريمة مستمرة، حقيقة وواقعاً ماثلين، أقله لسببين : الأول أن ما ترتب على تلك «الواقعة» من جرائم ومظالم وأوضاع لم تغلق ملفاتها بعد. والسبب الثاني، أن الذين ارتكبوا تلك الجرائم والمظالم لا يزالون يواصلون جرائمهم ويرتكبون مثلها حتى اليوم وبأشكال مختلفة، ولسان حالهم يقول إن مهمتهم لم تنجز بعد.

لذلك، إنه في أي وقت ترد كلمة «النكبة»، لا بد أن تشير إلى سياسة وممارسات معينة تعني في النهاية «حادثتين» : الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بالقوة، وتفريغها من سكانها عبر تهجير وتشريد الشعب صاحب الأرض. والحادثتان معاً تشكلان، كما نعرف، مفهوم «التطهير العرقي». والتدقيق في واقعة النكبة وتاريخها يؤكد أنه منذ 15 مايو/ أيار 1948 حتى اليوم، نفذت وتنفذ العصابات الصهيونية، التي أصبحت تسمى «دولة إسرائيل»، هذا المفهوم بشقيه، وهو ما يكشف عن العقلية الصهيونية ويفسر كل السياسات والممارسات التي تطبقها منذ 63 عاماً.

مؤخراً اعترف بعض الصهاينة ممن يسمون «المؤرخون الجدد»، بصور متفاوتة، بسياسة «التطهير العرقي» التي مارستها العصابات الصهيونية عام 1948، ويعترف بعض الكتاب الصهاينة، بين الحين والآخر، بأن السياسات «الإسرائيلية» المتبعة تجاه الفلسطينيين، سواء الذين وقعوا في القبضة «الإسرائيلية» عام 1948 أو الذين وقعوا عام 1967، تنتمي كلها إلى مفهوم «التطهير العرقي». لكن كل أولئك وهؤلاء، لم يستطع أي منهم أن يرى حلاً حقيقياً للجريمة التي ارتكبتها عصاباتهم وحكوماتهم، ولا تزال. وحتى لو وجد أحدهم الحل، فإن ما يقوله لا تستمع له السلطات الرسمية، خصوصاً أن التجمع الصهيوني في فلسطين يزداد تطرفاً كل يوم منذ وقع انقلاب 1977 بزعامة ميناحيم بيغن.

إن الأدلة على استمرار النكبة لا تحصى وهي مأخوذة من ممارسات وإجراءات سلطات الاحتلال الصهيوني اليومية. عشرات القوانين العنصرية التي تصدر بغرض الاستيلاء على الأرض التي بقيت لعرب 48، وهدم بيوتهم، ومنعهم من البناء تؤكد ذلك. يضاف إليها التمييز في المعاملة على كل المستويات، في السياسية والاقتصاد، وفي التعليم والصحة، ومختلف أوجه الحياة. وقد تبين، على سبيل المثال، أن 150 بيتاً تهدم للعرب سنوياً، وأنه لم يسمح ببناء بلدة عربية واحدة منذ 1948 في وقت بني فيه 400 مدينة وبلدة يهودية. أما اللاجئون في وطنهم، بعض أصحاب 531 قرية دمرت ممن لجأوا إلى المدن العربية داخل ما يسمى (الخط الأخضر)، فهم ممنوعون من العودة إلى قراهم ولا تفصل بينها وبينهم أحياناً سوى مئات الأمتار. القيود التي فرضت على العرب كثيرة، وذلك من خلال قوانين شرعت التمييز العنصري، ليس آخرها القانون الذي يمنعهم من إحياء ذكرى النكبة. أما ما يتعلق بما يسمى «قانون الولاء» و«يهودية الدولة»، فلسنا في حاجة إلى التعليق عليه في هذه العجالة. كل ذلك للتضييق على عرب الداخل وخلق الظروف لطردهم. قوانين مصادرة الأراضي لا مجال لحصرها، وآخرها القانون المتعلق بالاستيلاء على «أملاك الغائبين»، سواء منهم اللاجئون الموجودون في فلسطين المحتلة 1948 أو من هم خارجها. والغرض من ذلك كله هو منع عودة أي من اللاجئين الفلسطينيين في حال الوصول إلى «تسوية». وقبل أيام كشفت صحيفة «إسرائيلية» ما أطلقوا عليه «الترانسفير الناعم» الذي أظهر أن 140 ألفاً من فلسطينيي القدس الشرقية والضفة الغربية قد تم تهجيرهم منذ يونيو/ حزيران 1967، يضاف إلى ذلك عمليات الاستيطان وإقامة الكتل الاستيطانية التي أصبحت جزءاً من الدولة، وليس هناك من يتحدث عن إخلائها في حال التوصل إلى التسوية التي يدور حولها الحديث.

لذلك قلنا ونقول إن النكبة مستمرة منذ 63 عاماً، والتطهير العرقي مستمر، والاستيلاء على الأرض مستمر، وتفريغ الأرض وتهجير السكان مستمران. وحق العودة في ضوء السياسات «الإسرائيلية» يبدو شعاراً لا أكثر. وبعد ذلك يسعون إلى «تسوية النزاع» ويقولون إنهم يتمسكون بحق العودة. وقد يسأل سائل : كيف إذاً يمكن أن ينفذ حق العودة؟ بالسياسة والمفاوضات، والاعتماد على الشرعية الدولية والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة؟

بعد صدور قرار التقسيم رقم 181 في 29/11/1947، رفع الكونت برنادوت بتاريخ 16/9/1948 تقريراً إلى الأمم المتحدة حمل فيه «إسرائيل» مسؤولية العدوان وطالب بحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم ومنازلهم كشرط أساسي لتسوية النزاع بين الطرفين. واستناداً إلى هذا التقرير صدر القرار رقم 194، فقتله الصهاينة انتقاماً منه وعقاباً له. ومنذ صدوره حتى اليوم صدر حوالي 30 قراراً كلها أكدته من دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ بفضل (الفيتو) الأمريكي الذي تكفل بإفشال كل القرارات.

بالتأكيد لن تعود «فلسطين عربية» بالمفاوضات، ولن ينفذ حق العودة بالسياسة والشرعية الدولية، ومع «إسرائيل» لن تنفع المظاهرات السلمية، وخصوصاً بالاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية. رحم الله الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر الذي قال : «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» ... فانظروا يا عرب ماذا أنتم فاعلون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010