الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011

أخطاء الأسد القاتلة

الخميس 21 نيسان (أبريل) 2011 par سمير الحجاوي

لم يتوقف الرئيس السوري بشار الأسد عن اقتراف الأخطاء منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح السياسي في سوريا، فقد تأخر بالظهور للتعليق على مظاهرات درعا، وبعد ذلك ألقى خطاباً في مجلس الشعب تراجع فيه عن الوعود التي قطعتها مستشارته بثينة شعبان، واستخدم لغة فيها الكثير من التهكم و«خفة الدم» التي لا تتناسب مع الدماء المراقة، مما أجج الشارع السوري ونقل الاحتجاجات إلى مدن أخرى، ثم جاءت كلمته أمام مجلس الوزراء الجديد لتكون ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر، فقد كانت كلمة «خالية من الدسم» ومنزوعة الفاعلية.

كل هذه الحركات للرئيس السوري أدت إلى تمدد نطاق المظاهرات والاحتجاجات إلى معظم المدن السورية بما فيها دمشق وحلب، ورفع المتظاهرون السوريون سقف مطالبهم من إصلاح النظام إلى إسقاطه، وتغيرت الشعارات من شعارات مطلبيه في ظل النظام القائم إلى شعارات من طراز «لا بعث ولا بشار.. الشعب هو القرار» و «الشعب يريد إسقاط النظام»، وبذلك يكون المشهد السوري قد وصل إلى ذروته على غرار تونس ومصر.

سلسلة أخطاء الأسد تفاقمت لتصل إلى الذروة أيضاً عبر إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وسفك الدماء وقتل ما يزيد على 200 متظاهر على الأقل والهجوم على المحتجين في ساحة الساعة التي تغير اسمها إلى «ساحة التحرير»، وتحويلها إلى ساحة حرب، قتل وأصيب فيها العشرات، وذلك بعد استباحة بلدة البيضا قرب بانياس واعتقال جميع الذكور فيها من سن 12 سنة فأكثر، مما دفع أمهات الأولاد وزوجات المتعلقين للتظاهر وقطع الطريق في مؤشر على تدهور الحالة وتفاقمها، ففي مجتمعنا العربي عندما يخرجن الأمهات للتظاهر، فإن أي شاب يكون على استعداد للموت دفاعاً عن أمه وأخته وابنته دون تردد أو تفكير أو جدال.

كل هذا يحدث بعد سلسلة الأخطاء في درعا واللاذقية ودوما، التي تعرضت لاعتداءات دامية من قبل أجهزة الأمن والشبيحة، وإسالة الدماء في الشوارع وتزايد عدد الضحايا، مما دفع المدن الأخرى للتحرك دفاعاً عن المدن المستباحة من قبل قوى الآمن ومليشيات «الشبيحة» المسلحة.

كل هذه الأخطاء القاتلة أغلقت الأبواب أمام الرئيس السوري لكسب ثقة السوريين، وهذا ما ظهر في المظاهرات التي خرجت عقب حديثه عن نيته إلغاء قانون الطوارئ أمام الحكومة الجديدة، بل إن مجزرة ارتكبت في حمص عقب هذا الخطاب، مما يعني أن ما قاله الأسد يفتقر للمصداقية وأن الشعب لا يثق بكلامه، وإلا لذهب كل واحد إلى بيته.

المشكلة الأكبر لنظام الأسد ونظام البعث في سوريا أنه يعيش «حالة إنكار» لما يجري في الشارع، فالمتظاهرون ليسوا الشعب السوري «بل مجموعات من المندسين والمخربين ومثيري الفتن الذي ينفذون أجندات خارجية» فهم عملاء للمخابرات الأمريكية ثم عملاء للحريري في لبنان وبندر في السعودية، ثم اكتشف النظام الأمني السوري أنهم عصابات مسلحة ثم «إخوان مسلمون» ثم «مجموعات سلفية»..

المتظاهرون في كل هذه التوصيفات ليسوا «الشعب السوري»، فهذا النظام يتخيل أن الشعب السوري لا يتظاهر ضده خوفاً ورعباً من قبضة أمنية يرعاها قانون الطوارئ الذي يخيم على البلاد منذ نصف قرن.

حالة الإنكار التي يعيشها الأسد ونظامه تعمي عيونهم عن رؤية الحقيقة وإدراك مطالب الشعب السوري المتمثلة برفع حالة الطوارئ فوراً وإطلاق الحريات وحرية التظاهر والتجمع وإلغاء الاحتكار السياسي ووقف هيمنة حزب البعث وتعديل الدستور، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع يد رجال الأمن عن رقاب الناس ومحاكمة المسؤولين عن القتل والتعذيب وإلغاء المحاكم العسكرية والاستثنائية وإلغاء العمل بمحكمة امن الدولة وعودة المهجرين والتحقيق في جريمة سجن تدمر والتحقيق في جريمة الحرب على حماة وقتل 40 ألفاً من سكانها، وإصلاح القضاء الفاسد ومحاربة الفساد وإلغاء الاحتكارات الاقتصادية والكشف عن مصادر ثروات رجال الأعمال والكشف عن ثروات أعضاء النظام والكشف عن ثروات المتنفذين وتعديل المناهج الدراسية التي تمجد حزب البعث وعقيدته ووقف السيطرة على المساجد وسحب رجال الأمن الذين يعملون أئمة ووقف استغلال النفوذ والسلطة.

وهذه المطالب تعني باختصار تعني تفكيك المنظومة القائمة بما فيها حزب البعث، وهو ما لا يقبل به نظام الأسد حالياً، الأمر الذي يعني مواجهة مع الشارع قد تنقل سوريا من الثورة على الطريقة التونسية والمصرية إلى الثورة على الطريقة اليمنية أو الليبية، مما قد يفتح الباب لتدخلات دولية في سوريا تبدأ بقرارات من مجلس الآمن الدولي لحماية المدنيين السوريين، وهو احتمال وارد جداً إذا تصاعدت حدة استهداف المتظاهرين بالقوة المسلحة للأمن والجيش ومليشيات «الشبيحة».

حكم حزب البعث في سوريا بحكم المنتهي نظرياً، والأيام المقبلة ستجعل من هذه النهاية واقعاً عملياً، لأن جرأة السوريين على التمرد على الخوف والاحتجاج والتظاهر والهتاف «لا بعث ولا بشار.. الشعب هو القرار»، لا يمكن الرد عليها بالرصاص أو إخضاعها بالقوة المسلحة.. فالنظام السوري أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانسحاب المشرف من المشهد والاستجابة لمطالب الشارع السوري، أو الاستمرار في «حالة الإنكار» وخوض معركة ضد الإرادة الشعبية في المعركة التي أعلن الأسد استعداده لها، وفي كلا الأمرين سيتنصر الشعب.. انتصار بأقل التكاليف في الاحتمال الأول، أو انتصار غالي الثمن من الضحايا والدم والدموع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2178600

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178600 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40