الأربعاء 20 نيسان (أبريل) 2011

فرنسا والربيع العربي

الأربعاء 20 نيسان (أبريل) 2011 par محمد كريشان

«صحيح لم نتنبأ بما حدث من ثورات عربية ونحن الآن ما زلنا مترددين بين الفرح والقلق فكل الثورات حمّالة مخاطر»... هذا بعض مما قاله آلان جوبي وزير الخارجية الفرنسي في افتتاح ندوة نظمتها وزارة الخارجية الفرنسية السبت الماضي بالتعاون مع معهد العالم العربي حول «الربيع العربي». لم يغادر الوزير القاعة بعد كلمته بل ظل جالسا حتى النهاية متابعا حلقات النقاش الأربع التي ضمت إلى جانب خبراء فرنسيين مرموقين في شؤون البلاد العربية شبابا ومثقفين وسياسيين من تونـس ومصر وليبيا وسورية. كان يتابع كل المداخلات ويدون ما يراه لافتا للانتباه وحرص في استراحة الغداء أن تضم مائدته تشكيلة منوعة من هؤلاء لتعميق النقاش في بعض النقاط.

بدا واضحا في هذا اليوم الدراسي أن فرنسا تريد ليس فقط جعل دبلوماسييها وسفرائها على إطلاع أفضل بما يجري الآن في عدد من الدول العربية من تحولات تاريخية كبرى وإنما أيضا تجنب تكرار بعض «الحماقات» التي اتسم بها التعاطي الفرنسي مع تونس بالخصوص وعلى لسان وتصرفات وزيرة خارجيتها آليو ماري بشكل أدق. الاقتصادي الفرنسي غوي سرمان أشار صراحة بأنه ليس لبلاده ولا للولايات المتحدة ما تفخران به بخصوص التعاطي مع ثورات مصر وتونس على عكس منظمات المجتمع المدني في باريس وواشنطن لا سيما تلك المعنية بحقوق الإنسان، فيما أشار آخرون إلى أن القيم الليبرالية التي نادى بها الشباب المحتج في الدول العربية الثائرة قيم عالمية لا نموذج غربيا محددا لها.

ومثلما كانت كلمة وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دومينيك دوفلبان في مجلس الأمن الدولي والمعارضة لغزو العراق عام 2003 تحفة سياسية وأدبية حقيقية، كانت كذلك كلمة جوبي وهي تتحدث عن الثورات العربية متضمنة الكثير من النقد الذاتي الجريء لسياسات فرنسا والغرب عموما تجاه العالم العربي. قال إنه ظل متابعا منتبها لكل ما قيل طوال هذا اليوم عن قناعة وطواعية إذ لا بد الآن من الاستمــاع لما يحدث والتدبر في سبر دلالاته وأبعاده لأن لا أحد بإمكانه أن يجزم بالمدى الذي يمكن أن يصله.

وفي جردة شجاعة لتقييم سياسة فرنسا تجاه العالم العربي، قال جوبي إن بلاده التي كانت دائما تدعي أنها ذات علاقات قديمة بالعرب ومعرفة جيدة بهم من أيام الرئيس شارل ديغول اكتشفت فجأة مدى جهلها بهذه الرقعة من العالم. واعترف بنوع من المرارة بأن باريس التي أخافتها طوال سنوات فـــزاعة الإسلاميين وإمكانية وصولهم إلى الحكم ارتضت في النهاية ولسنوات طويلة بالتعامل مع دكتاتوريات وغض النظر عن الكثير من خطاياها. وأضاف رئيس الدبلوماسيــة الفرنسية أن بــلاده، وبعد هذه الثورات التي خرجت من تحت رماد الفقر والقمع والفساد، تحتاج إلى الإنصات إلى صوت الشباب والمدونين والمثقفين والفنانين العرب بعد أن كانت لا تستمع إلا إلى المسؤولين والرسميين. وأوضح جوبي أنه دعا سفراء بلاده إلى توسيع صلاتهم في العواصم العربية التي يعملون بها لإخراجها من السياق الرسمي التي حصرها بالسلطة دون غيرها حتى تشمل كل من يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية وينبذ العنف بما في ذلك الإسلاميين. وفي رد على مداخلة محمد بن سالم أحد قيادات حركة «النهضة» التونسية الحاضرين- قال فيها بأن الإسلاميين في بلاده سيفاجئون الغرب باعتدالهم وديمقراطيتهم- قال جوبي ونحن أيضا سنفاجئكم بالكثير دون أن يخوض في التفاصيل. وقد بدا من حوارات جوبي مع بعض الخبراء والصحافيين خارج القاعة أن بلاده تفكر جديا في مقاربة مختلفة تماما في التعاطي مع أية تيارات تفرزها الثورات العربية واستحقاقاتها الانتخابية لاحقا ولو جاءت بالإسلاميين إلى السلطة على عكس ما كانت تتبناه فرنسا وغيرها من العواصم الغربية لعقود طويلة.

في هذا اليوم بدت مؤشرات كثيرة إلى أن الدبلوماسية الفرنسية مقدمة على تغييرات جذرية هامة للغاية خاصة وأن باريس، كما قال جوبي، معنية بإنجاح ما حصل في تونس ومصر لأن أي فشل سياسي مقرون بفشل اقتصادي سيؤدي إلى تطرف غير مسبوق وهو ما لا تريده لا فرنسا ولا غيرها ممن يحرص على منطقة استقرار في المتوسط مرتكزة على الديمقراطية وليس على الاستبداد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2165504

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165504 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010