الأحد 17 نيسان (أبريل) 2011

هل تفوّق حكامنا على «إسرائيل» في القتل والتنكيل؟

الأحد 17 نيسان (أبريل) 2011 par فيصل القاسم

اعتاد الإعلام العربي على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان على التفنن في هجاء الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين وسواهم من العرب. وكم قدّم إعلامنا ملاحم هجائية تنديداً بهمجية الصهاينة في فلسطين ولبنان. ولا غبار على ذلك أبداً. لكن السؤال الآن، هل ما زال الإعلام العربي قادراً على هجاء الوحشية «الإسرائيلية» بنفس الاندفاع بعد أن شاهد وحشية العديد من الأنظمة العربية بحق أبناء جلدتها مؤخراً؟ هل يستطيع أن يتفنن في ذم الصهاينة من الآن فصاعداً وغض الطرف عن الهمجية العربية الصارخة بحق أبناء الوطن؟

لقد سخر صحفي «إسرائيلي» قبل حوالي عشرين عاماً من الإعلام العربي الذي يرى القشة في عين «إسرائيل» ولا يرى الخشبة في العيون العربية. وكان ذلك الصحفي وقتها يعلق على المجازر التي ارتكبها بعض الحكام العرب بحق شعوبهم، وأودت بحياة عشرات الألوف من مواطنيهم. لا بل إن ذلك الصحفي وقتها قال ما معناه إن «إسرائيل» قتلت في حروبها مع العرب أقل بكثير مما قتله الحكام وأجهزة أمنهم وجيوشهم من رعاياهم.

لا أدري ماذا سيقول ذلك الصحفي «الإسرائيلي» لو ما زال حياً حتى الآن فيما يحدث من مجازر وبشاعات بحق الثوار والمنتفضين العرب في أكثر من بلد عربي. لاشك أنه سيضغط على وزارة الحرب «الإسرائيلية» أن تكون أكثر صرامة في حروبها القادمة على الفلسطينيين واللبنانيين والشعوب الأخرى بعد أن شاهد «الإسرائيليون» بأم أعينهم أن القوات المسلحة العربية «الباسلة» على شعوبها وأجهزة الأمن الفاشية تبز آلة القتل «الإسرائيلية» في الوحشية والإبادة، وتجعل جرائمها بحق الفلسطينيين وغيرهم مجرد لعب عيال.

لقد أقام الإعلام العربي الدنيا ولم يقعدها أثناء الحرب «الإسرائيلية» الأخيرة على غزة لفضح البشاعات «الإسرائيلية»، مع العلم أن عدد الذين سقطوا في عملية «الرصاص المسكوب» كان ألف وأربعمائة شهيد حسب الإحصائيات الدولية. وهو عدد بسيط جداً لو قارناه بعدد الذين سقطوا في الانتفاضات العربية على أيدي الحكام العرب في أكثر من بلد.

ففي أحد البلدان العربية أباد النظام الحاكم قبل أكثر من عام بقليل مئات الألوف من شعبه عندما تمردوا عليه، وتذكر بعض التقارير أن عدد الضحايا قارب المليون. وكان سيادة الجنرال الرئيس يقتل الناس كما لو كانوا أسراباً من الذباب. وقد فعلت فيالقه وعصاباته الرهيبة الأفاعيل بالمساكين الذين كانوا يطالبون بأبسط حقوقهم الإنسانية، لكن سيادته أبى إلا أن يلقن المنتفضين على فخامته درساً يجعل الدروس الصهيونية بحق الفلسطينيين وغيرهم معاملة خمس نجوم. فعندما ننظر إلى عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا أمام آلة القتل الصهيونية بعدد الذين تم قتلهم في بلد عربي إفريقي على أيدي العصابات الرئاسية، نجد أنهم لا يشكلون مجرد مقبلات خفيفة للنظام العربي الحاكم هناك.

وقد ذكرت الأنباء قبل أيام أن رئيساً عربياً كان قد طلب من الطائرات الحربية بشن غارة على أحد الأحياء المنتفضة في بلده قبل أشهر قليلة. بعبارة أخرى، فإن ذلك الرئيس الهارب كان ينوي أن يفعل ما يفعله الصهاينة بأهل غزة بحق أبناء بلده.

لقد أظهرت طريقة التعامل مع الثورات العربية أن الحكام العرب يستطيعون منافسة الصهاينة في الوحشية والإبادة بامتياز، لا بل بإمكانهم التفوق عليهم بسهولة. فقد أجرى أحد مواقع الانترنت قبل أيام استطلاعاً للرأي بعنوان «من سيقتل المليون»، ففاز فيه حاكم عربي برتبة جنرال. ولو ظل الأمر محصوراً في عدد الذين تبيدهم قواته «الباسلة» من أبناء الشعب المهلوسين لهان الأمر، لكن البطل الهمام أبى إلا أن يحوّل بعض المدن والقرى في بلاده إلى أثر بعد عين. وكم تذكرنا مناظر المدن الثائرة المدمرة هناك بمناظر المناطق التي دمرتها القوات النازية بقيادة هتلر في بعض البلدان الأوربية أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولا ننسى أن رئيساً عربياً آخر يتعرض الآن لثورة شعبية عارمة يسفك دماء شعبه بنازية عز نظيرها. لا بل إن وثائق ويكيليكس نقلت عنه طلبه من الطائرات الأميركية أن تقصف مناطق آهلة بالسكان في بلده. ولو استعرضنا حرب ذلك الشاويش على بعض المناطق التي ثارت ضده قبل شهور، لوجدنا أنها تضاهي الهمجية الصهيونية على غزة، لا بل تبزها في الغدر والبشاعة والوحشية، فكما أن الطائرات «الإسرائيلية» قصفت الأحياء الفلسطينية واللبنانية الآهلة بالمدنيين لم تتوان طائرات الشاويش العربي في دك مناطق كبيرة من بلاده لتجعل اللحم البشري يتطاير في كل حدب وصوب.

وقد أسفرت الانتفاضات في بلدان عربية أخرى عن سحل وسحق الألوف. وليس لدي شك بأن أجهزة الأمن والجيوش العربية بإمكانها أن تعلم «الإسرائيليين» فنون البطش والتنكيل والتعذيب بحق المنتفضين على أصولها. لقد شاهدنا على شاشات التلفزيون عشرات القتلى العرب الذين أصابهم الرصاص في رؤوسهم تحديداً، فخرجت أدمغتهم من مكانها بطريقة مروعة. وقد أفادت التقارير بأن أكثر من زعيم عربي طلب من أجهزة الأمن أن تستهدف رؤوس المتظاهرين تحديداً. وقد شاهد ملايين المشاهدين كيف كانت قوات الأمن في بعض البلدان تدوس بأقدامها على وجوه القتلى والمعتقلين، وكيف كانت تجرهم في الشوارع بعد سحلهم بطريقة فاشية. هل شاهدتم صهيونياً يمثــّل بجثث القتلى العرب، ويتلذذ بالدوس عليهم؟ ناهيك عن أن بعض الحكام أقسم أنه لن يترك الحكم حتى لو أباد الملايين من شعبه، وحكم فوق جبال من الجماجم.

ولا داعي للحديث عن عمليات التنكيل بالمدن والقرى التي ثارت على بعض الحكام العرب، فقد روى سكانها بأن ما شاهدوه على أيدي النظام الحاكم وكلابه أفظع بكثير مما فعل الصهاينة في غزة، فقد قطعت السلطات الماء والكهرباء ووسائل الاتصالات ومنعت دخول الخبز والطعام إلى المناطق الثائرة، لا بل لم تسمح حتى بإسعاف المصابين، حيث كان رجال الأمن يطلقون النار على سيارات الإسعاف، ويقتلون الأطباء والممرضين الذين يسعفون الجرحى. وقد امتنعت المستشفيات عن استقبال المصابين بأمر من السلطات، وهو أمر لم تفعله «إسرائيل» أبداً.

وحدث ولا حرج عن استخدام أسلحة محرمة دولياً ضد المتظاهرين العرب، فكما أن «إسرائيل» استخدمت الفوسفور الأبيض ضد أهالي غزة، فإن الحكام العرب استخدموا غازات محرمة دولياً إذا استنشقها الإنسان فإنها تؤدي إلى تمزق في الرئتين ومن ثم الموت فوراً. وقد مات مئات الشبان العرب جراء تلك الغازات الرهيبة. أضف إلى ذلك أن عدد قتلى الانتفاضات العربية يفوق المعلن عنه في وسائل الإعلام بعشرات المرات.

ولو اطلع المرء على الخطط والاستراتيجيات التي وضعتها الأنظمة العربية لمواجهة الانتفاضات الشعبية لأخذ انطباعاً بأن السلطات العربية تنظر إلى شعوبها نفس النظرة التي تنظر بها «إسرائيل» إلى أعدائها، إذ تـُظهر تلك الخطط الشيطانية بأن أجهزة الأمن لا ترى في الشعوب سوى ثلة من الأعداء الجديرين بالسحق والمحق.

لقد قال صحفي غربي قبل فترة : «لو انتفضت غزة ضد أي حاكم عربي، لما ترك فيها حجراً على حجر». وللأسف فإن هذا الكلام صحيح تماماً، فلا ننسى أن أحد الأنظمة العربية دمر مخيماً فلسطينياً عن بكرة أبيه قبل مدة، تماماً كما فعلت الطائرات «الإسرائيلية» في الضاحية الجنوبية من بيروت وأكثر. وما قاله الصحفي الغربي أعلاه يتأكد هذه الأيام في البلدان العربية التي تشهد انتفاضات من أجل الحرية والكرامة والاستقلال والتحرر من المستعمرين المحليين. ليتكم تزورون بعض المدن العربية المنتفضة لتقارنوها بقطاع غزة، فربما تخجلون من عروبتكم. تذكروا فقط أن الأجهزة العربية اقتحمت بيوت الله، وقتلت الناس داخلها. هل فعلت «إسرائيل» ذلك؟ ثم ما الفرق بين ذلك القس الأمريكي الساقط الذي أحرق القرآن الكريم وقوات الأمن العربية التي أحرقت المساجد المليئة بنسخ القرآن؟

هل يستطيع أحد الآن أن يلوم «إسرائيل» على وحشيتها بحق العرب، علماً أن «إسرائيل» قد تبرر جرائمها بأنها في حالة حرب حقيقية، وتواجه عدواً يريد القضاء عليها، بينما يقترف الحكام العرب وأجهزة بطشهم فظائع يندى لها الجبين بحق مواطنيهم الذين من المفترض أنهم مؤتمنون على أمنهم وسلامتهم.

كم كان الشاعر الكبير عمر أبو ريشة محقاً عندما قال : «لا يُلام الذئب في عدوانه...إن يكُ الراعي عدو الغنم»!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 54 / 2165654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165654 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010