الاثنين 4 نيسان (أبريل) 2011

إلى أين قضية فلسطين بعد التحولات العربية؟

الاثنين 4 نيسان (أبريل) 2011 par د. عصام نعمان

تعمّ الحراكات الشعبية نحو عشرة أقطار عربية. ومع تمدد الحراكات في المشرق والمغرب وتعميق شعاراتها وأهدافها سياسياً واجتماعياً، كما في مصر وتونس، نشأت عنها تداعيات وتأثيرات فاضت على ما حولها وأسهمت في توليد تحوّلات لافتة.

في فلسطين المحتلة، يتابع أطراف الصراع، على ضفتيها العربية والصهيونية، الحراكات الشعبية وتداعياتها ويحللونها ويستخلصون منها نتائج ودروساً، ويرسمون في ضوئها مواقف واستراتيجيات. من مراجعة الواقعات والممارسات ذات الصلة، تستبين الظاهرات والاتجاهات الآتية:

على الصعيد الفلسطيني، اتخذ الحراك الشبابي في قطاع غزة والضفة الغربية صورة الاعتراض الشديد على ظاهرة الانقسام السياسي، وحثّ القيادات على تجاوز مظاهره المفرّقة باتجاه ترميم الوحدة الوطنية وتصليبها. كما أسهم الحراك الشبابي في تزخيم الدعوة إلى مصالحة حركتي «فتح» و«حماس» من اجل إقامة حكومـة موحدة تُشرف على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية .

بنيامين نتانياهو استهجن مشروع مصالحة «فتح» و«حماس» بقوله «كيف يمكن أن يكون محمود عباس مؤيداً للسلام مع “إسرائيل” وفي الوقت نفسه مؤيداً للسلام مع «حماس» التي ترغب في القضاء علينا»؟

إلى ذلك، تتابع السلطة الفلسطينية جهودها الرامية إلى الحصول على أوسع تأييد دولي لمشروعها الرامي إلى اعتراف الأمم المتحدة في دورة سبتمبر القادمة بدولة فلسطينية مستقلة في «حدود» العام 1967 .

يواكب سعي السلطة الفلسطينية في هذا السبيل معارضة صهيونية متزايدة تمثلت بتهديد بنيامين نتانياهو للفلسطينيين باتخاذ خطوات عقابية أحادية الجانب في حال الاستحصال على اعتراف أممي بالدولة المرتجاة. وقد تردد أن الخطوات العقابية ربما تتمثل بفرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، أو ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى إسرائيل ( صحيفة «هآرتس» 29/3/2011).

هكذا يتضح أن كلا الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، يقف على عتبة اتخاذ قرارات مصيرية ذات تأثير متبادل على كليهما.

على الصعيد الإسرائيلي، تبدو القيادة الإسرائيلية العليا، السياسية والعسكرية، قلقة ومرتبكة إزاء الحراكات الشعبية، ولاسيما ما يتعلق منها بمصر وسوريا، وانعكاساتها المحتملة على الساحة الفلسطينية. فهي وإن كانت قد اطمأنت إلى أن مصر ستبقى ملتزمة في المستقبل المنظور بمعاهدة الصلح معها، إلاّ أنها تشعر بأن سياسة القاهرة حيال المعابر والأنفاق سيطرأ عليها تعديل. فمعبر رفح سيفتح أمام أهل غزة بصورة دائمة، وعينا مصر ستتغاضيان عن عشرات الأنفاق التي تمدّ قطاع غزة بأسباب الحياة و... المقاومة.

بعد وصول أحد صواريخ المقاومة الفلسطينية أخيراً إلى ضواحي تل أبيب، اضطرت القيادة الإسرائيلية إلى المفاضلة بين خيارين: الأول يقضي بشن عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة لإلحاق إضرار بشرية ومادية جسيمة به وإعادة ثبيت مفهوم الردع. الثاني يقضي بشن سلسلة عمليات تدمير واغتيالات مؤثرة إنما من دون التسبب بتصعيدٍ للأوضاع في المنطقة (صحيفة «يديعوت أحرونوت» 24/3/2011).

اهتمام إسرائيل بالحراكات الشعبية يتعدى انعكاساتها على قطاع غزة وجهود السلطة الفلسطينية للحصول على اعتراف أممي بدولة فلسطينية مستقلة، ليشمل المنطقة برمتها. ذلك أنها تتوقع، كما كشف المحلل السياسي الوف بن في «هآرتس» (26/3/2011) أن الثورات والحروب في الدول العربية لن تؤدي إلى تغيير المنطقة فقط بل ستعيد أيضاً رسم خريطتها. فالحدود التي وضعتها الدول الكبرى التي تقاسمت فيما بينها إفريقيا والإمبراطورية العثمانية توشك أن تتغير ما يؤدي إلى ظهور دول جديدة في السودان والعراق وفلسطين وشرق ليبيا. وتؤمل “إسرائيل” بأن تُحسن انتهاز الفرص المترتبة على ظهور دول جديدة للاستفادة منها بل للإسهام أيضاً في توجيه عملية تفكيك دول الشرق الأوسط لزيادة قوتها ونفوذها في المنطقة!

على الصعيد العربي، يبدو المستقبل غامضاً بل عصيّاً على الاستشفاف. ذلك أن الحراكات الشعبية التي تعصف بالأقطار العربية ما زالت في بدايتها، وقد تجري مياه كثيرة تحت الجسور قبل أن تكتمل فعاليتها وتتضح نتائجهـا.

في مصر، تجددت الروح الشبابية الدافعة للحراك الشعبي والناهضة بمتطلبات الحشد والتعبئة، فأمكن جمع مئات الآلاف في ميدان التحرير من أجل «إنقاذ الثورة» من «تراجعٍ عن مبادئ حركة 25 يناير» ولاسيما لجهة محاكمة حسني مبارك ورموز الفساد في نظامه، والمماطلة في إطـلاق المعتقلين السياسيين.

في سوريا، يواجه نظام حزب البعث تحدييّ المؤامرة والإصلاح معاً دون أن يتضح ما إذا كانت الإصلاحات التي تأخر النظام في إقرارها ستنال رضى المحتجين والمتظاهرين بعد تنفيذها أم أنها ستكون سبباً لتوسيع دائرة الاعتراض والمعارضة.

أما في ليبيا واليمن، فظاهر الصراع تشير إلى إمكانية تطوره إلى حرب أهلية طويلة الأمد، لا يمكن التكهن اليوم بما يمكن أن ينجم عنها غداً.

ثمة دلائل متعددة تشير إلى أن دول أميركا وأوروبا، كما “إسرائيل”، قد دخلت، بشكل أو بآخر، على خط الصراع في معظم الأقطار التي تعصف بها حراكات شعبية، وأن تدخلاتها ليست، بطبيعة الحال، بريئة بل هي تشي بمخاطر جمة تهدد وحدة أقطار عدة كما مواردها الطبيعية.

هل يمكن استشراف الخطوط الرئيسة لما يمكن أن تتجه إليه التطورات والتحولات الماثلة؟

لعل قضية فلسطين، بما هي نقطة تقاطع عدة سياسات وصراعات عربية وإقليمية ودولية، المدخل الأقرب والأهم للجواب عن السؤال.

يقتضي، بادئ الأمر، التركيز على واقعات وتحوّلات بالغة الدلالة:

أولاها، أن التحالف اليميني - الديني الحاكم في الكيان الصهيوني ليس في صدد التراجع عن المكتسبات التي حققها بالحرب والاحتلال في ارض فلسطين التاريخية إلاّ في أضيق الحدود وبما لا يتعارض مع هيمنته عليها من النهر إلى البحر. لا حل الدولتين، ولا الدولة ثنائية القومية، ولا حتى الدولة المنزوعة السلاح ذات الحدود المؤقتة على أقل من 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، يعتبرها مخرجاً جدياً. هذا يجعل خيار المفاوضات غير ذي موضوع.

في المقابل، ما عاد خيار مفاوضة “إسرائيل” مقبولاً لدى الفلسطينيين. حتى جماعة السلطة الفلسطينية أسقطته معتمدةً بدلاً منه خياراً آخر هو الاستحصال من الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعترافٍ صريح بدولة فلسطينية مستقلة على «حدود» العام 1967.

ثانيتها، مع اندلاع الحراك الشعبي في سوريا ونزوع نظام البعث فيها إلى اتهام الولايات المتحدة، ومن ورائها “إسرائيل”، بالتآمر عليه، ما عاد خيار السلام بين “إسرائيل” وسوريا وارداً. لا بشار الأسد يريده أصلاً ولا "إسرائيل بإمكانها الاستعاضة به عن انهيار مفاوضاتها العبثية مع الفلسطينيين، وخصوصاً بعد ازدياد المخاطر المشعة من محور سوريا- إيران - حزب الله عقب سقوط حسني مبارك.

ثالثتها، أن “إسرائيل” تعاني من انحسار «شرعيتها» الدولية لكونها آخر دولة محتلة في العالم وتسيء، فوق ذلك، معاملة الفلسطينيين، وثبوت ذلك بعدة قرارات ووثائق دولية ليس آخرها تقرير غولدستون. ذلك كله يعقّد مسألة لجوئها إلى الحرب، مرة أخرى، لتطويع أعدائها ولا سيما بعد تنامي قوة حزب الله وقدرته (فضلاً عن سوريا أيضاً) على إلحاق أضرار بشرية ومادية بالغة بها في حال اعتمادها خيار الحرب. لذلك تفضل “إسرائيل” اعتماد خيار الردع الرامي إلى لجم العدو دون حمله على الرد بالحرب. على أن ذلك لا يمنعها، في حال توافر ظروف إقليمية ملائمة، من اللجوء إلى الحرب لتحقيق أهداف استراتيجية متقدمة.

رابعتها، أن الولايات المتحدة ليست في وضع يمكّنها من دعم الفلسطينيين للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولتهم، ولا دعم “إسرائيل” في حرب حاسمة ضد الفلسطينيين والعرب الذين يدعمونهم، وإن كانت ستمتنع عن الوقوف ضد “إسرائيل” فيما إذا شنت الحرب عليهم. كل ذلك سببه حرص باراك أوباما على مراعاة اليهود الأميركيين لضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية.

في ضوء هذه الواقعات والاحتمالات، ماذا يمكن أن يفعل الفلسطينيون وحلفاؤهم؟

ليس في مقدور الفلسطينيين ولا حلفائهم في الوقت الحاضر اللجوء إلى خيار الحرب ضد “إسرائيل” بالنظر إلى واقع عدم التكافؤ العسكري والتكنولوجي معها. غير أنهم وحلفاءهم قادرون على ردع العدو الصهيوني في حال شنـه الحرب عليهم وتكبيده قدراً كبيراً من الأضرار ما يجعله يفضل الاستعاضة عن خيار الحرب ببدائل أخرى.

غير أن مواجهة احتمال الحرب الصهيونية وضرورة الاستعداد للرد عليها بالردع الشامل من جهة، ومجابهة سياسة “إسرائيل” الرامية إلى تهويد القدس الشرقية وقسم كبير من الضفـة الغربية من جهـة أخرى، تفرضـان على الفلسطينيين (وحلفائهم) اعتماد استراتيجية مواجهة تقوم على المرتكزات الآتية:

(أ) استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بمصالحة شاملة بين الفصائل والأحزاب على أساس الثوابت الوطنية والحقوق غير القابلة للتصرف، والعودة إلى اعتماد خيار المقاومة، المدنية والميدانية، بحسب ما تقتضيه متطلبات الجهاد ضد العدو الصهيوني وإقامة حكومة وطنية جامعة مهمتها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وإقامة حكومة اتحاد وطني لمواجهة التحديات الماثلة.

(ب) إسقاط سياسة التفاوض مع العدو بالعمل للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطينية سيدة مستقلة على أساس خطوط وقف النار للعام 1967، وذلك عملاً بمبدأ حق الشعب الفلسطيني بإقامة سلطة وطنية على أي جزء من أرضه يجري تحريرها من العدو، مع التمسك بتحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر بقوى الداخل الثائر وقوى الشتات الفلسطيني المساند، وبالتحالف مع قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.

(جـ) مع قيام الدولة الفلسطينية بقرار دولي، يصبح الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي بالمطلق، فتكون مواجهته شرعية وواجبة بكل الوسائل المتاحة وفي مقدمتها المقاومة المدنية والعصيان المدني. هكذا تجد إسرائيل نفسها في حمأة انتفاضة شعبية شاملة يقوم بها عرب الداخل (1948) وعرب الضفة والقطاع، ووسط حصار سياسي وتنديد أخلاقي إقليمي ودولي.

(د) في حال تمادت “إسرائيل” في رفضها تنفيذ القرار الدولي، يكون من حق الدولة الفلسطينية السيدة والمستقلة أن تتعاون مع وأن تنخرط في التحالف القائم بين قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، وأن تستفيد من إمكاناتها السياسية والاقتصادية واللوجستية والعسكرية في الكفاح لتثبيت سيادتها على أرضها ومن ثم لتحرير كامل التراب الفلسطيني.

هذه المقاربة مطروحة للمناقشة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2181074

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181074 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40