الاثنين 21 آذار (مارس) 2011

الاحتلال الأجنبي كوريث للطغيان .. مجدداً!

الاثنين 21 آذار (مارس) 2011 par طلال سلمان

يمور الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً، بثورات شعبية رائعة تصطنع تاريخاً جديداً لهذه الأمة: تبدّل في الأنظمة العاتية فتسقط بعضها وتهدد تماسك بعضها الآخر، في حين يندفع بعض الطغاة إلى إهدار دماء شعبه مستدرجاً قوى الهيمنة الأجنبية للتدخل عسكرياً، إضافة إلى تدخلها اليومي سياسياً... وتمضي الطبقة السياسية في لبنان تمارس عبثها بالرعايا نافخة في نار الفتنة الطائفية والمذهبية في لعبة انتقال السلطة... ديموقراطياً!

وتتبدى هتافات الفتية اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشارع، مرة ثالثة، أمس، وبحشد لافت، وكأنها التحاق مرتجل بهتافات أقرانهم في الأقطار الأخرى، سواء من انتصر منهم فأسقط رأس نظام الطغيان، كما في تونس وبعدها مصر، أو من ما زال يجاهد بدمائه من أجل التغيير، في أقطار عربية عدة.

فالنظام في لبنان، بمرتكزاته الطائفية التي تقوم على حراستها «الدول» أقوى من مجموع الأنظمة العربية، الملكية منها والرئاسية.. والديموقراطية إن وُجدت!

وبالتأكيد فإن أقطابه قد تسلوا، أمس، بالمشاهد الطريفة للمتظاهرين الشجعان الذين تبدوا وكأنهم يبدعون نمطاً جديداً من أحلام اليقظة، خصوصاً إذا ما قورنوا بأمثالهم من فتية العرب الذين تتعاظم قدرتهم على الإنجاز مع كل شمس، وتتمدد بزخمها العفي فتكاد تربط بين أدنى المشرق وأقصى المغرب من فوق رؤوس الطغاة ودول الهيمنة الأجنبية التي لم توفر جهداً في تأمين استمرارهم حكاماً بوصفهم بعض استثماراتها المجزية.

... وها نحن نشهد تكراراً مشيناً لمشهد العراق في ظل صدام حسين في ليبيا تحت نظام معمر القذافي: الطغيان يأتي بالاحتلال وريثاً «شرعياً»، ويشارك معه بل يسبقه إلى تدمير بلاده تاركاً للمستعمر العائد «تلبية لطلب النجدة» شرف الظهور بمظهر المنقذ، حامي حريات الشعوب ومعلمها ومدربها على الديموقراطية.

وكما في التجربة الأولى يجيء المحتل الأجنبي بموافقة معلنة من أهل النظام العربي، تمّ استيلادها في إطار جامعة الدول العربية ثم عبر فذلكة طلب التدخل في مجلس الأمن الدولي، وأخيراً في الصورة التاريخية لطالبي «النجدة» وفيهم خمسة من وزراء الخارجية العرب ومعهم الأمين العام للجامعة، ينحشرون بين أصحاب القرار، أي أصحاب الطائرات والبوارج والغواصات والصواريخ الأميركية والأوروبية، الذين سيهبّون لنجدة «الثورة في ليبيا» واستنقاذها من براثن القذافي وأنجاله وقد تبدّوا في صورة مقاومي الغزو الأجنبي!

وإذا كانت عملية إنقاذ النظام في البحرين قد اتخذت شكل «النجدة الأخوية» بالكوفية والعقال، فإن المسؤولين عنها قد حاولوا تبريرها بما هو أسوأ من الذرائع التي أعطيت للعملية العسكرية ضد القذافي، وإن كانت التبريرات لم تنفع في تمويه تلاقي السيوف جميعاً على مطلب حق الشعب في إثبات وجوده وفي الحياة بكرامة.

في البحرين تلاقت الأنظمة المحيطة جميعاً على إسقاط الشعب، ثم اندفعت إلى تهديم «الميدان» الذي كانت تتلاقى فيه جماهير المطالبين بالاعتراف بهم كمواطنين... قبل أن تدفع حركة الاعتراض السلمية بالمذهبية واستطراداً بموالاة دولة أجنبية بقصد تحويل مطلب الديموقراطية إلى التحاق أو تعصب أي إلى فتنة وتحويل حكّام الطغيان إلى رموز لحماية الوحدة الوطنية بالقواعد الأميركية وعصي المطاوعة!

أما مع حالة اليمن فإن دول الحماية الأجنبية لحقوق الشعوب العربية في الديموقراطية لا تجد ما تقوله إلا التهويل بخطر «القاعدة» ليسهل بعد ذلك التنويه بشجاعة حكم الطغيان في تنظيم المذابح ضد شعبه الذي انتصر على ذاته بالتأكيد على وحدته وتجاوز الانقسام الذي كان يشكّل استثماراً مجزياً للتدخل الخارجي... ولو غطى رأسه بالكوفية والعقال أو العمامة العشائرية.

بديهي القول إن الطغيان المحلي حليف متين للهيمنة الأجنبية، وهي حتى إشعار آخر أميركية وإن استخدمت بعض دول أوروبا «لنثر دماء الضحية على القبائل»، فيكون «المجتمع الدولي» هو صاحب القرار وهو من يتحمّل المسؤولية، ولا بأس في التضحية بواحد من الطغاة طالما أن المصالح الاستراتيجية (وهي مع ليبيا، كما مع العراق من قبل، وكما في دول النفط العربية في الجزيرة والخليج) ستكون في الحفظ والصون، ترعاها الإدارة الأميركية وتشرك فيها حلفاءها كلاً بحسب حاجته..

وفي نموذج ليبيا، كما في نموذج العراق من قبل، كبّد الطغيان شعبه تكاليف تسليح هائلة لتوافق أحلامه الإمبراطورية، حتى إذا ما افترقت المصالح تقدمت دول الهيمنة الكونية لتدمير الثورة الوطنية جميعاً بذريعة إنقاذ الشعب من القتل والتدمير بتلك الأسلحة التي اقتضت حرمانه من أسباب حياته والإفادة من ثروته من أجل التقدم وبناء مستقبل أفضل لأجياله الجديدة.

... وهذه اليمن تخرج جماهيرها التي تعيش حياة الكفاف مطالبة بحقها في خيرات وطنها، فتواجه برصاص السلاح الذي تكبّدت ثمنه مكرهة، وبينه الطيران الذي دكّ حصوناً ومنازل وبيوتاً في أنحاء شتى من اليمن السعيد، بذريعة مطاردة فلول «القاعدة»... مستدرجاً مزيداً من التزكية والدعم الأميركي خاصة والغربي عموماً.

بين المفارقات المفجعة التي فرضت علينا أنظمة الطغيان أن نشهدها فنمتلئ مرارة: أن نسمع جنرالات الاحتلال الأميركي الجديد لبلادنا يكرزون علينا فضلهم في تسخير طائراتهم الحربية وبوارجهم لتمكين الشعوب المستضعفة من استخلاص حقوقها الطبيعية وأولها ممارسة الديموقراطية.

هذا يعني أن بعض الأقطار العربية محاصرة ومحصورة بين التسليم بالطغيان قدراً،لا سيما أنه يتمتع بالحماية الأميركية أو الهرب من الرمضاء إلى نار التدخل الأجنبي، بقيادته الأميركية، وواضح بؤس هذا الخيار الذي يفرض على ثورة الشعب أن تواجهه.

إن أنظمة الطغيان هذه توفر رأس حربة للهجوم المضاد الذي كان طبيعياً أن تشنه الهيمنة الأميركية لاحتواء الثورات الشعبية العربية التي جاء فجرها من تونس ثم أشرقت شمسها في مصر التي يؤكد شعبها، بصدق وطنيته معززة بوعيه، أنه قد عرف طريقه إلى غده بالثورة وأنه سيستعيد بلاده وسيعيد إليها دورها المفتقد... ولعل الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور، الذي تمّ أمس الأول، قد أكد وعي الثوار بخطورة المهمة الرائدة التي تصدوا لإنجازها، والتي تتطلب صموداً عظيماً أمام محاولات التآمر على الثورة وحرفها عن أهدافها الجليلة، من الداخل كما من الخارج... وهذه مهمة جليلة لأنها تتصل بالمستقبل العربي جميعاً، خارج مصر كما في داخلها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178109

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2178109 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40