الاثنين 14 آذار (مارس) 2011

ماذا يمكن أن تقدم لمصر؟

الاثنين 14 آذار (مارس) 2011 par ناجي صادق شراب

أذكر هنا فقط بالعبارة نفسها التي قالها الرئيس الأمريكي كيندي لشعبه “ماذا يمكن أن تقدموا للولايات المتحدة، ولا تقولوا ماذا نريد؟” هذه العبارة هي التي تقف وراء قوة الولايات المتحده اليوم كقوة أولى في كل مجالات القوة البشرية المتنوعة . ونفس هذا السؤال ينبغي أن يسأله كل مواطن وكل شاب مصري بعد هذه الثورة الكبيرة التي تعيشها مصر اليوم .

والسؤال ليس قاصراً على كل مصري بل على كل عربي من منطلق أن في قوة مصر قوة للعرب جميعاً، وفي استعادة مصر لدورها استعادة لدور النظام الإقليمى العربى في زمن التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية . والسؤال في عمومه موجه لكل مواطن عربى ماذا يمكن إن يقدم لبلده ولأمته؟ أما ماذا يمكن إن يقدم المواطن المصرى، فلا يقف عند حدود معينة، بل ينبغى أن يكون عطاء ممتداً بامتداد تاريخ وحضارة مصر . ومصر اليوم قد تمر بمرحلة مصيرية ومهمة من تاريخها، مرحلة تحول يتوقف عليها مستقبلها، ومستقبل الأمة العربية كلها . ولا يكفى في هذه المرحلة أن يقول المواطن أنه يحب مصر فقط، وأن الثورة من أجل مصر فقط، والسؤال كيف نحول هذه الثورة وهى أكبر تحدٍ يواجه شباب الثورة إلى رؤية سياسية وبرنامج عمل محدد الأهداف، والمراحل من أجل الوصول بمصر إلى مصاف الدول الكبيرة والمؤثرة، والأساس في عملية أي بناء وتنمية هي الداخل، لا يمكن أن تتحق التنمية والبناء بالاعتماد على الخارج فقط، ومصر دولة كبيرة وشامله في مصادر القوة المتاحة والممكنة لديها، فلديها أكثر من ثمانين مليون نسمة والعامل السكاني أحد أهم عناصر القوة، وخصوصاً إذا ما تم توظيفه بشكل عقلاني وعلمي، ويكفي أن نعرف أن مصر لديها أكثر من مئة ألف عالم يعملون ويسهمون في بناء قوة دول كبرى مثل الولايات المتحدة، والأسماء هنا كثيرة مثل العالم الدكتور زويل وفاروق الباز وغيرهما . ومصر لديها مساحة كبيرة توفرلها عمقاً استراتيجياً واسعاً، وتتيح لها خيارات تنموية متعددة، ويتوافر لمصر رصيد حضاري كبير، وموارد طبيعية متعددة ومتنوعة، ولقد وهبها الله نهر النيل، وبمصادر ومواقع للسياحة تشكل مصدراً مهماً للدخل القومي، من السياحة العلمية والحضارية بتراثها الآثاري الضخم، وبالمواقع والمنتجعات السياحية، ولديها قناة السويس التي تعتبر شرياناً للنقل العالمي . إذن المسألة ليست في توفر عناصر القوة من عدمها، بقدر الحاجة إلى رؤية سياسية، ونظام حكم على قدر من الديمقراطية والشفافية والنزاهة، وبقدر محاربة الفساد، وبتحقيق درجة أعلى من العدالة التوزيعية، وهي نفس المطالب والدوافع التي قامت من أجلها الثورة .

لا شك أن شباب الثورة وهم مكون مهم من مكوّنات هذا الشعب وقوة الدفع الذاتية فيه قدموا نموذجاً راقياً في الثورة السلمية، وقدموا درساً للجميع في كيفية الحب والانتماء لمصر ورفع اسمها عالياً . لكن هذه هي الخطوة الأولى، هذا، ولقد فرضت الثورة تحديات ومشكلات كثيرة: فهناك التحديات الداخلية من إعادة بناء الاقتصاد المصري بما يسمح باستعادة دور مصر، وقدرتها على تلبية مطالب المواطنين من وظائف وعمل وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير الأمن والأمان الاجتماعي، وإعادة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والحضارية والتكنولوجية، وهو تحدٍ ليس بالهين والسهل، ولا يمكن أن يتم في يوم وليلة، بل يحتاج إلى خطة بعيدة الأهداف، ورؤية تنموية شاملة . وإلى جانب هذه التحديات هناك التحديات الخارجية، فمصر وبحكم موقعها ومركزية ومحورية دورها كانت على مدار التاريخ دولة مستهدفة في دورها ومكانتها، وهذا التحدي يحتاج إلى دولة قوية في الداخل .

المطلوب في هذه المرحلة المحافظة على روح الثورة، وليس الاستمرار في الاعتصامات والاحتجاجات والمسيرات المليونية التي يمكن استحضارها في أي وقت، وإنما بعودة الحياة الطبيعية إلى مساراتها العادية، والمقصود بعودة الحياة، العودة إلى الإنتاج والعمل والدراسة والبحث، وقيام كل مؤسسات الدولة والمجتمع بدورها في مسيرة بناء مستقبل مصر من خلال تجاوز تحديات الحاضر . فلا يمكن الوصول بمصر إلى المستقبل من دون التغلب على كل المشكلات والتحديات الحاضرة . ومصر كما أشرنا غنية بكل مواطنيها: بمزارعيها وفلاحيها، فلا يعقل أن تستورد مصر غذاءها وهي أرض غنية في تربتها الزراعية، وبقدرة فلاحيها على الزراعة والإنتاج . ومصر غنية بعلمائها وباحثيها، وبجيشها الذي وفر كل مقومات النجاح للثورة . ولو عرف كل واحد ما المطلوب منه في هذه المرحلة، وعرف ماذا تعني الثورة من قدرة على التغيير والبناء، لأمكن مواجهة كل التحديات الحاضرة، وأمكن تقليل الاعتماد على الخارج . ولعل من أعظم نتائج الثورة المصرية التي لم نجدها في أي ثورة أخرى التغير الكبير في منظومة القيم التي كانت سائدة في المرحلة السابقة إلى منظومة جديدة من القيم قوامها حب مصر، وركيزتها نبذ كل السلبيات السابقة وأهمها ثقافة الخوف والسلبية، وهي قيم لم تعد قائمة . وبناء مصر قد يكون مهمة ومسؤولية مصرية في المقام الأول، لكنها أيضاً مسؤولية عربية، فقدتها قوة مصر من قوة العرب جميعاً، وعليه، مطلوب في هذه المرحلة دعم اقتصاد مصر، وتشجيع الاستثمار العربي فيها، وزيادة الاستعانة بالقوة العاملة المصرية، وإنشاء صندوق عربي قومي لدعم مصر، لإخراجها من أزمتها الاقتصادية في هذه المرحلة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178417

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178417 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40