السبت 26 شباط (فبراير) 2011

هوامش على دفتر الثورة

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par احمد عمرابي

عندما كان الملايين من المصريين يشيعون جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخير في عام‬1970 ، لم يكن معظمهم يدركون أنهم يودعون دولة الرفاه الناصرية العظيمة. الآن وبعد نحو أربعين عاما، يتطلع ثوار الشباب في مصر وفي معيتهم عشرات الملايين من الفئات الشعبية، إلى إنشاء دولة رفاه على الطراز الناصري، للخلاص من حالة البؤس المعيشي الشامل.

ولكن، هل يدركون أن الطريق سيكون طويلاً وشاقا

الثورة الشعبية العارمة بقيادة ائتلاف الشباب الثوري، انطلقت في الخامس والعشرين من يناير المنصرم، تحت شعار «الشعب يريد.. إسقاط النظام»، ومن ثم تحول المسار إلى شعار «الشعب يريد.. تطهير البلاد».

مغزى التحول واضح. بقوة الدفع الثوري في الشارع، اعتزل رئيس النظام سلطة الحكم، لكن بقايا النظم بقيت على قيد الحياة تمارس المقاومة كثورة مضادة.

هنا يختلف الظرف عن ما كان عليه في عهد ثورة ‬32 يوليو ‬2591. لقد كانت الخطوة الاستهلالية للضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر، هي الاستيلاء على جهاز السلطة أولا، ومن ثم إنشاء سلطة جديدة تمهد لبناء دولة جديدة. أما في الحاضر الذي نعيشه حاليا، فإن جهاز السلطة لا يزال بعيدا عن تناول ثورة الشارع الشبابية.

المعادلة ليست سهلة، فقادة الثورة الراهنة يريدون دولة مصرية جديدة، تتوافر فيها العدالة الاجتماعية والمساواة، بما يقود إلى حياة أفضل للشعب المصري، للتعويض عن الشظف والحرمان الذي عانت منه الفئات الشعبية على مدى عقود زمنية متصلة.

ولكن لكي يتمكنوا من الشروع في تحقيق هذا الهدف الأكبر والأسمى، فإن عليهم أولا أن يتولوا زمام السلطة، لكي يتسنى لهم أن ينفذوا ما لديهم من خطط. ولكي ينجحوا في تحقيق السيطرة على السلطة الحاكمة، فإن عليهم أن يتمكنوا من تفكيك سلطة النظام الذي فجروا الثورة ضده.

بالاستيلاء على جهاز الحكم، تمكنت الثورة الناصرية من القضاء على الطبقة الإقطاعية، ومن ثم تصفية السلطة التي كانت تتملكها هذه الطبقة وحليفتها الشريحة الطبقية الرأسمالية، وذلك عن طريق ضرب قواعدهما الاقتصادية. وكانت الخطوة الثورية التالية، هي الشروع في إنشاء دولة رفاه عن طريق فرض سيطرة الدولة المركزية على المواقع الاستراتيجية لبنية الاقتصاد الوطني، بوسائل التأميم. وعلى هذا الطريق جرى تأميم إدارة قناة السويس، ليكون دخل القناة رافدا عظيما للاقتصاد الوطني، لتمويل مشروعات تنموية كبرى، مثل مشروع السد العالي. وهكذا أصبحت الدولة في موقف يمكنها من توفير المواد الغذائية الأساسية، بدعم سعري مع توفير وتقديم الخدمات الاجتماعية كالعلاج والتعليم، وبالمجان أو برسوم رمزية.

مثل هذا التحدي الأكبر، هو الذي يواجه قيادة ثورة الشارع الشبابية اليوم.

الفوران الشعبي المتعاظم، اضطر رأس النظام إلى الاعتزال، ولكن مع بقاء نظامه تبقى قيمة هذا الإنجاز الثوري مجرد قيمة رمزية.

ورغم أن النائب العام في مصر، شرع في إجراءات تحقيق مع عدد من الوزراء السابقين ورجال أعمال من أساطين حزب النظام - الحزب الوطني الديمقراطي - بتهم الفساد، إلا أن النائب العام نفسه يجب الا يكون من رجال العهد السابق، حتى لا تكون هناك أي مدعاة للشك في إجراءات التحقيق وجدية المساءلة، وبما يضمن بالتالي، أنها لن تكون مجرد تدابير شكلية لامتصاص غضب الشارع الثائر مؤقتا.

وفي هذه الأثناء تتعاظم مؤشرات، بأن رجال النظام يعدون العدة لمقاومة ثورة الشارع. والسؤال الكبير الذي يُطرح هنا: ماذا بوسع قادة الائتلاف الثوري الشبابي أن يفعل

بداية الثورة الناصرية كانت حركة انقلاب عسكري، وبطبيعة الحال فإن هذا ليس خيارا واردا لثورة الشارع.. ولا ينبغي أن يكون، خاصة أنها ثورة من أجل الديمقراطية.

هناك خيار أوحد لا ثاني له، وهو أن يعقد قادة الشباب العزم على استمرار المد الثوري الشعبي في الشارع، وتصعيد إيقاعه مع حشد كافة وسائل العصيان المدني (السلمية)، وأن يكون الغرض بالتالي جعل العودة إلى الحياة السلطوية أشد صعوبة على من يحاول ذلك، سواء من رموز النظام السابق أو غيرهم.

بانطلاق الثورة في ‬52 يناير ‬1102، كسرت الفئات الشعبية حاجز الخوف إلى الأبد، وبالتالي تجاوزت نقطة اللاعودة.

ورغم أن الطريق سيكون طويلا وشاقا أمام ثورة الشارع، إلا أنه مع استمرار وتصاعد المد الثوري، ليس من المنتظر أن يصمد رموز السلطة الفاسدون في اختبار قوة الإرادة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2181066

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181066 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40