السبت 26 شباط (فبراير) 2011

في ذكرى الوحدة المصرية - السورية

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par عوني فرسخ

تأتي ذكرى الوحدة المصرية السورية والوطن العربي يعيش مخاض تغيير جذري على محاور الديمقراطية، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، واجتثاث الفساد . بدأ في تونس ثم انتقل إلى مصر، القطر الأشد تأثيراً في الواقع العربي . وبما استقبلت به الشعوب العربية المخاض التونسي والمصري من فرح وتأييد دلالة عمق الشعور بوحدة المصير وعميق التوق للوحدة، ما يستدعي الوقوف مع التجربة الرائدة التي غلب في تقويمها ذكر ادعاءات مفتقرة لأي سند تاريخي . لجلاء الصورة الحقيقية للتجربة الموؤودة . خاصة ومصر على عتبة استعادة دورها القومي . مسجلاً الملاحظات التالية:

1- لم تكن الوحدة عفوية وغير مدروسة إذ جاءت تتويجاً للتفاعلات التي تواصلت بين سوريا ومصر منذ التقى صناع قرارهما على رفض حلف بغداد ربيع 1955 . وخلال السنوات الثلاث التالية وقع القطران اتفاقيات عسكرية واقتصادية وثقافية . فضلاً عن أن شعار الوحدة مع مصر رفع في سوريا يوم 17/4/1956 لتعقب ذلك سلسلة من المقالات والمحاضرات، المؤيدة والمعارضة للوحدة ما يدحض الادعاء بالعفوية والافتقار للدراسة .

2- في عام 1956 صدر دستور ثورة 23 يوليو متجاوزاً الليبرالية شكلاً ومضموناً، ومرسياً قواعد الديمقراطية الاجتماعية، والنظام الاقتصادي غير الرأسمالي بالنص على تنظيم الاقتصاد الوطني وفقاً لخطط تراعي مبادئ العدالة الاجتماعية، وتهدف إلى تنمية الإنتاج ورفع مستوى المعيشة، ويسمح بالنشاط الحر شرط ألا يضر بمصلحة المجتمع، ومنح المرأة حق الانتخاب والترشيح . وفي تقويمه يقرر د . عصمت سيف الدولة بكل المقاييس النظرية كان دستور 1956 أكثر ديمقراطية من أي دستور سابق، لأنه أضاف إلى ما سبق، ولم ينتقص شيئاً مما كان للشعب من قبل” .

3- كانت سوريا هي التي طالبت بالوحدة، وضغطت حتى فرضتها على عبدالناصر وأركان النظام بمصر . وحين تصدر المبادرة بطلب الوحدة عن القطر الأصغر، والذي كان تاريخياً موضوعاً للضم والالحاق . بينما تأتي الاستجابة، بعد تردد وتمنع، من القطر الأكبر صاحب الدور التاريخي في توحيد المنطقة، ففي ذلك البرهان على انتفاء القسر والإكراه في قيام الجمهورية العربية المتحدة . كما أن في كون المبادئ القومية والحراك الشعبي أداة التوحيد ما يدل على أن تحقق الوحدة إنما جاء متسقاً مع روح العصر التي تجاوزت أساليب الفتح والضم في تحقيق الوحدة، واعتماد الخيار الديمقراطي الحر سبيلاً وحيداً لذلك .

4- خلال السنوات الثلاث السابقة للوحدة تواصلت اللقاءات، واتسعت وتعمقت التفاعلات، بين مصر وسوريا على المستويين الرسمي والشعبي، بحيث كان صناع القرار والنخب السياسية والفكرية السوريون، على معرفة واسعة بالواقع المصري، وتجاوز النظام الليبرالية والنظام الاقتصادي الحر . ويمكن القول إن المعرفة بالواقع المصري المتمايز كيفياً عن السوري كانت في مقدمة محفزات طلب الشارع السياسي السوري للوحدة وفق الأسس التي كانت قائمة في مصر .

5- أوفد “مجلس العقداء” صاحب الكلمة في الجيش السوري ليلة 11/1/1958 عدداً من أعضائه برئاسة عفيف البزري، رئيس الأركان، إلى القاهرة يحمل مذكرة تطالب بدولة ذات رئيس واحد، ودستور واحد، وعلم واحد، وجيش واحد، وعاصمة واحدة . ودارت بينهم وبين عبدالناصر وبعض أركان نظامه مفاوضات على مدى يومين انتهت بإعداد بيان بإقامة جمهورية رئاسية للرئيس فيها صلاحيات غير محدودة، متجاوزاً الليبرالية والاقتصاد الحر . وقعه عبدالناصر، ووزير الخارجية السورية صلاح البيطار . وبعد أن تدارسه مجلس الوزراء السوري في جلسة حضرها رئيس الجمهورية شكري القوتلي، ورئيس مجلس النواب أكرم الحوراني، ورئيس أركان الجيش وقادة وحداته، أقر الجميع البيان دون أدنى تحفظ .

6- لم يعترض على شرط حل الأحزاب أحد من ساسة سوريا وقادة أحزابها، عدا الحزب الشيوعي . ويذكر خالد العظم في مذكراته أنه عند مناقشة النص على إقامة نظام غير حزبي، انبرى صبري العسلي رئيس الوزراء والحزب الوطني، مؤيداً القرار ومذكراً بفساد الحياة الحزبية السورية، وأعقبه أكرم الحوراني مؤيداً قوله، وأن الجميع بمن فيهم الرئيس القوتلي أيدوا القرار . وقد أيد مجلس النواب السوري بجميع الحاضرين من أعضائه بيان إعلان الوحدة دون أي معارضة .

7- كان الرئيس عبدالناصر قد أوفد اللواء حافظ إسماعيل إلى دمشق في ديسمبر 1957 حيث اجتمع بالمجلس العسكري، وأوضح لأعضائه أنه جرى في مصر استبعاد “الضباط الأحرار” من الجيش وإحالتهم إلى وظائف مدنية . وأن عبدالناصر لا يقر النشاط السياسي في الجيش حرصاً على وحدته والتزامه بواجبه المهني .

8- شهد الإقليم السوري خلال سنوات الوحدة منجزات في قطاعات: الخدمات البلدية والقروية، وتطورا في القوانين الاقتصادية والعمالية والرعاية الاجتماعية . كما لم تخل الممارسة من تجاوزات، خاصة في مجال الحريات، غير أن الموازنة الموضوعية ترجح الإنجازات . ولا أدل على ذلك من تواصل المظاهرات في سوريا طوال العامين التاليين للانفصال مطالبة بإعادة الوحدة . وتثبيت قرارات الإصلاح الزراعي، وتأميم البنوك وبعض الشركات، والتأمينات الاجتماعية .

9- إن الوحدة التي قامت على أساس الخيار الديمقراطي، تم فصلها بانقلاب عسكري مدفوع الثمن من خارج الحدود . وكان الانقلاب الوحيد في حياة سوريا الذي تتصدى فيه الجماهير للانقلابيين مطالبة بالإبقاء على الوحدة، وهاتفة بحياة عبدالناصر . وفيما شهدته سوريا يوم الوحدة ويوم الانفصال ما يدحض الادعاءات حول التجربة الرائدة ويسهم في تصحيح الصورة، في زمن التغيير الجذري الذي لا يكتمل ما لم يرس قواعد التقدم على طريق التكامل القومي سبيلاً للاتحاد العربي القاعدة المادية لإقامة الديمقراطية وتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165405

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165405 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010