السبت 26 شباط (فبراير) 2011

ثورة ليبيا وأخواتها

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par د. خليل حسين

في عام 1969 أطلق الزعيم الراحل عبدالناصر لقب أمين الوحدة العربية على الرئيس الليبي، رحل ضمير العرب، وترك خلفه بقايا زعماء تفرقوا وتقاتلوا وكان همُّ الوحدة عدة شغل سياسية ووسيلة للبقاء في الحكم . بعضهم ظل عقوداً طويلة، وبعضهم كاد يلامس يوبيله الذهبي في الحكم .

أطاحت ثورتا تونس ومصر برئيسيهما، انفرد الرئيس الليبي بين أقرانه العرب بمعارضة الثورتين، فكانت قراءته صحيحة تماماً، لإدراكه أن ثورة الشعوب قادمة من شرق بلاده، كما غربها، لكن دروسها لم تكن مستفادة، بل أعاد رسم الصوَّر نفسها التي سبق أن تمَّ مجابهة الثورتين بها، طبعاً مع إضافات كثيرة أعطت مواجهته لثورة شعبه، سابقة جديدة سيسجلها التاريخ له، إن لنوعها أو حجمها أو فظاعتها أو لترويعها .

الأكثر غرابة ومفارقة، أن الدفاع عن النظام تمّ بصور حاولت إعادة ليبيا إلى العصور الوسطى، كما حاولت لصق نعوت وصفات بشعب ثائر على أنه مجموعات خارجة عن القانون ومتآمرون وأصحاب سوابق إجرامية ومتعاطي مخدرات وغيرها وغيرها، بلغة ترهيبية ذات رسائل خارجية وداخلية واضحة، مغلفة بمجموعة من الصور السوداوية التي ستحل على الشعب الليبي إذا لم يرضخ للحوار الذي بدا ترويعياً ومرهباً في آن معاً . فالشعب الليبي بقبائله وشرائحه ستتقاتل وسينهار النظام وستفقد امتيازات من المفترض أنها نعمت بها واقعياً لا اسمياً .

بين الثورتين السابقتين والحالية أوجه تشابه وتباين في مواجهتها . في التونسية والمصرية فزاعة الإسلام السياسي المتطرف ظهرت بقوة، كما في الثالثة . دعوة الخارج إلى تأييد الأنظمة وعدم دعم الثورات ولو بالبيانات، خوفاً من الإمارات الإسلامية التي ستطيح بالديمقراطية الغربية التي تدّعي هذه الأنظمة وصلا بها . إعلانات واضحة بالجملة والمفرق بأن من في هذه الأنظمة هي ما زالت صالحة لاحتواء شعوبها ومنعها من حكم نفسها بنفسها والتعبير عن تطلعاتها .

محاولات هذه الأنظمة لإعادة تقديم كتب الاعتماد للخارج، بهدف إقناع من يهمه الأمر أنها أنظمة ما زالت قادرة على محاربة الإرهاب، وطبعاً من بينها إرهاب شعوبها باعتبارها كما تدّعي مدعومة من الخارج ولها أجندات خارجية . وإن هذه الثورات لا تعدو كونها عن حركات تخريبية ضد الأنظمة التي تغرق شعوبها بالمن والسلوى، وما يقدم في حفلات السمر في حكايات ألف ليلة وليلة .

تقديم الوعود بالحفاظ على استقرار الأنظمة والحفاظ على مصالح دول إقليمية ودولية معنية بخيرات المنطقة وصادارتها . ووعود إضافية بأن انهيار الأنظمة سيفقد الغرب الكثير من الامتيازات التي حصل عليها بالمجان تقريباً .

وفي الجانب الداخلي لا يختلف في شيء عن الخارجي . تهديد شعوب هذه الأنظمة بأن رحيل النظام، يعني الفوضى والحروب الأهلية الطائفية والمذهبية وحتى العرقية والقبلية التي لن تبقيها سوى أثر بعد عين . كما أن رحيل النظام ورموزه يعني بقاء الشعب هائماً على وجهه لا راعي ولا موجه ولا حامي لمصالحه، باختصار شعب سيترك لمصيره يموت اقتتالاً وجوعاً، وجهلاً وفقراً مدقعاً . شعب سينتظر من يأتي من الخارج ليحتل أرضه وينتدب عليه، ويحكمه بالحديد والنار، وكأن من حكمه ويحكمه كان يحيي ديمقراطية الجماهير .

بين هذه الثورات الشعبية مشترك يتمثل في عفويتها وقدرتها على التغيير منفردة، ورفعها لشعار واحد هزَّت أنظمة وأسقطتها بأيام بعدما حكمتها وتحكّمت بها عقوداً وعهوداً . شعار واحد، مفاده “الشعب يريد”، وتنسل المطالب على الكثير من المطالب إضافة إلى النظام . والمشترك أيضاً في ما بينها عدم وجود أحزاب معارضة فاعلة إلى جنبها، وإن وجدت كانت وراء هذه الجماهير لا أمامها، ومن الممكن أن يكون هذا الأمر سر نجاحها حتى الآن .

يبدو التباين بينها في أساليب مواجهتها . في تونس ومصر واليمن والجزائر، رغم عنف المواجهة كانت شبه طبيعية وأمراً معتاداً في دفاع الأنظمة عن نفسها . أما في الليبية فكانت سابقة عربية بامتياز نظام دافع عن نفسه بقصف شعبه بالطائرات الحربية التي من المفترض أنها موجودة للدفاع عنه من أعدائه الخارجيين المفترضين . والمفارقة هنا أيضاً استقدام مرتزقة أجانب شاركوا في حفلات الإبادة الجماعية .

في الثورة الليبية ثمّة ما أعلن عن “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” أكثر وضوحاً مما سبقها في أخواتها الأخريات، ما يرتّب تداعيات قانونية دولية يمكن ملاحقتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، طبعاً إذا كان في المجتمع الدولي آذان صاغية لمثل هذه المحاكمات .

الثورة الليبية حتى الآن سجلت سابقة أخرى على أخواتها، فمجموع شهدائها في أيام قليلة فاقت مجموع ما قدّمت أخواتها في أسابيع، لعلَّ ذلك عبرة لحجم الدفاع عن النظام المعبّر عنه بوضوح .

ربما ستكون ثورة ليبيا نموذجاً مختلفاً في سرعة وتيرتها وعنف مواجهتها ،لكنها ستكون بالتأكيد من الدروس المستفادة لغيرها، وإذا لم يستفد النظام من أي درس سبق أن شرحته الجماهير قبلاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2180995

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180995 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40