السبت 26 شباط (فبراير) 2011

لا يا كاسترو ويا شافيز

السبت 26 شباط (فبراير) 2011 par منير شفيق

لا غرابة في أن يعيش فيدل كاسترو في عالم الحرب الباردة وموازين قواه ودور الإمبريالية فيها، أو أن يعيش في أوهام العقد الأول بعد انتهاء الحرب الباردة فيحسب أميركا الدولة العظمى الوحيدة القادرة على إسقاط الأنظمة على طريقتها مع دول حلف وارسو سابقاً.

ولا غرابة في ألاّ يلتقط، كما يجب، ظاهرة المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان حين لم تعد من النمط اليساري المعهود. فهكذا فعل الكثير من اليسار في الغرب في البداية وبعضه ما زال متخبطاً أمام ظواهر المقاومات الجديدة لا سيما ذات القيادة الإسلامية.

ولكن هذه الغرابة تظل مفهومة لبضع سنين في البداية. أما أن تستمر حتى اليوم وتمتد لينسحب التخبط نفسه في التعامل مع الثورتين الشعبيتيْن في تونس ومصر، ثم لينفجر موقفاً مقلوباً على رأسه أمام الثورة الشعبية المليونية في ليبيا، فيرى كاسترو أميركا وراء ثورة الشعب، ويرى القذافي ونظامه يمثل القوّة الثورية المناهضة لأميركا، ولم يكن قد تابع ما ذهب إليه القذافي من استسلام لأميركا بعد سقوط بغداد 2003.

ثم يصرّ على هذه الرؤية المتخلّفة المتخبطة حتى البلاهة، وحتى الإنقطاع التام عن الواقع العالمي والإقليمي والعربي الشعبي الجديد إلى حدّ ذهب به (بكاسترو) إلى أن يسمّي ثورة الشعب “الإضطرابات في ليبيا” التي “ستنكشف أبعادها ومن حركّها بعد إجراء التحقيق فيها لاحقاً”، وحذر بأن ذلك استهدف التمهيد لتدخّل أميركا والناتو لاحتلال ليبيا.

حقاً إنها لكارثة فكرية وسياسية جعلت كاسترو يعمى عن متابعة الصمت الأميركي المتواطئ مع القذافي، والذي دخل الفضيحة مع تقدّم الثورة الشعبية، والتفاف عشرات الملايين من الجماهير العربية حولها ضدّ قيادة أوغلت في المساومة مع أميركا والإستسلام للغرب واستباحت الشعب في الإستبداد والفساد.

على أن ما فيه غرابة أشدّ فذلك الإلتباس الذي أحاط بموقف الرئيس الفنـزويلي الثوري هوغو شافيز حيث وقف على الأرض التي وقف كاسترو عليها فعمى عن رؤية أين الثورة وأين الشعب من جهة، وأين القذافي وأميركا والغرب من جهة أخرى. فأطلق تصريحاً ملتبساً محرَجاً يُفهم منه “أن القذافي يواجه حرباً أهلية” (يقصد ثورة بيضاء).

إن شدّة وضوح الصورة في الثورات الشعبية التي اجتاحت نظاميْن ورئيسيْن مُرتهنيْن لأميركا في تونس ومصر، وتجتاح الآن القذافي ونظامه المتحالف علناً مع النظاميْن والرئيسيْن الساقطيْن المذكوريْن. وأخذت تضرب في عدد من البلدان العربية الأخرى، يجعل من موقفيْ كاسترو وشافيز فضيحة نظرية ومنهجية وسياسية.

إذا لم يصحح هذا الخلل بأسرع ما يمكن فإن كلاً من كاسترو وشافيز ومن قد يتأثر في موقفهما سيجدون أنفسهم خارج التاريخ الجديد للمقاومة والممانعة والثورات الشعبية. بل سيجدون أنفسهم يعمون عن رؤية خنادق أميركا والعالم الإمبريالي الرأسمالي العولمي الذي أخذ بالتراجع وفقدان السيطرة والتدحرج نحو الإنهيار وذلك في حين يظنون أنهم اكتشفوا المؤامرة الأميركية وراء الثورات الشبابية الشعبية المليونية العربية.

كما أن الثورة المندلعة من مصر في خمسينيات القرن الماضي كانت فاتحة لعهد الثورات وحركات التحرّر الشعبية، عربياً وعالماً ثالثياً وقد دفنت الإستعمار القديم فإن الثورات الشبابية الشعبية المليونية المندلعة في البلاد العربية ابتداءً من تونس ومصر والماضية الآن بقوة منتصرة بليبيا، ستكون فاتحة الثورات الشعبية وتغييرات عربياً ورأياً عاماً عالمياً وانتفاضات مماثلة لتعميق تصدّع أميركا وتدهور سيطرتها العالمية بل ومؤذناً ببدء نضال عالمي لتغيير النظام العالمي الإمبريالي-العولمي وإقامة نظام عالمي أكثر عدالة في مصلحة الشعوب.

إن الثورات الشعبية التي تجتاح بلاد العرب اليوم هي ثمرة ما حققته المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان من إنتصارات وهي ثمرة لصمود الدول التي واجهت أميركا بعد انتهاء الحرب الباردة بما كان يفترض بكاسترو أن يرى فيها أجمل أيام حياته وتحقيقاً لحلم عالمي عاش من أجله بل كان يُفترَض بشافيز الذي افتتح عهد الثورة الشعبية، ولو من خلال صناديق الإقتراع، في أميركا اللاتينية، بأن يرى في الثورة ضدّ مبارك وزين العابدين والقذافي تعزيزاً لما يناضل من أجله. بل دعماً له أمام هجمة مضادّة يتعرّض لها في فنـزويلا. فهذه الثورات ستزيد من خلخلة موازين القوى العالمية في غير مصلحة أميركا.

إذا كان كاسترو قد أصبح شائخاً آفلاً يعيش في عالم الستينيات من القرن الماضي، ولم يعد باستطاعته التقاط الظواهر الجديدة للثورة العالمية ضدّ الإمبريالية، فإن شافيز وهو من جيل الظواهر الجديدة لهذه الثورة لا يحق له أن ينتكس بموقفه السياسي وهو يرى القذافي يتهاوى بعد أن عقد الصفقات المشينة مع أميركا والإتحاد الأوروبي وانقلب على كل ما كان يرفعه من شعارات في السابق.

إن سقوط القذافي ونظامه لا يختلف قيد أنملة عن سقوط زين العابدين بن علي وحسني مبارك ونظامهما. فهذه ضربات على يافوخ أميركا والكيان الصهيوني والعولمة. أما التصريحات التي راح يطلقها الساسة في أميركا وأوروبا فهي انحناء أمام عاصفة الرأي العام التونسي-الليبي-العربي العام، بل العالمي العام، وهي محاولة للإلتفاف على ثورات فاجأت أولئك الساسة وتهيئة للثورة المضادّة عليها. فكيف يُخدع بها كاسترو وشافيز؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2182107

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2182107 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40