الخميس 17 شباط (فبراير) 2011

خطورة أن يتحول الانقسام إلى تقسيم

الخميس 17 شباط (فبراير) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

يبدو أن أزمة الانقسام الفلسطيني تدخل مرحلة حرجة في ظل ثلاثة متغيرات تزامنت مع بعضها، وتكاد تهدد الشعب الفلسطيني بتحويل الانقسام السياسي إلى تقسيم جغرافي حقيقي لما بقي من دون استيطان وتهويد من الوطن الفلسطيني . هذه المتغيرات هي أولاً التحول في الموقف الأمريكي عن دعم عملية التسوية بعد تعذر نجاح الإدارة الأمريكية في الاستجابة للمطلب الفلسطيني والعربي المحوري الداعي إلى الربط بين تجميد سياسة الاستيطان وبين استئناف المفاوضات الثنائية المباشرة الفلسطينية “الإسرائيلية” .

فبعد فشل محاولات الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إغراء رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو بصفقة دعم مغرية غير مسبوقة لقبول تجميد مؤقت للاستيطان انصرف أوباما عن عملية السلام وتجاوزها في خطاب الاتحاد السنوي في يناير/ كانون الثاني الفائت كمؤشر لتراجع أولويتها في أجندة الإدارة الأمريكية .

هذا التطور السلبي في الموقف الأمريكي الذي تأكد في رسالة الكونغرس للرئيس الأمريكي برفض أي مشروع قرار يعرض على مجلس الأمن لإدانة سياسة الاستيطان أو يطالب بالاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لحدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 من شأنه أن يضع عملية التسوية في طريق مسدود ويضع السلطة الفلسطينية هي الأخرى أمام طريق مسدود بعد أن جعلت من نفسها شريكاً في محاربة خيار المقاومة كخيار كان يمكن أن يكون بديلاً لخيار التسوية . ومن ثم فإنه سوف يعمق الأزمة ليس بين السلطة وحركة “حماس” ومنظمات المقاومة الأخرى بل سيعمق الأزمة داخل حركة “فتح” أيضاً .

أما التطور الثاني فهو الحدث المصري الجلل المتمثل في نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير في إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك . سقوطه يعني غياب شريك مهم للسلطة الفلسطينية وطرف بارز في عملية التسوية . هذا الغياب قد يطول لأمد غير منظور، أو يبقى على الأقل طيلة المرحلة الانتقالية للحكم العسكري الذي يتراوح بين ستة أو تسعة أشهر قادمة، وهذا الغياب يعد متغيراً مهماً في معادلة الحوار والصراع بين حركتي “فتح” و”حماس”، فالنظام المصري المخلوع كان شريكاً في إدارة الحوار بين الحركتين ومساعي المصالحة الفلسطينية، وليس هناك من شريك في مقدوره أن يقوم بهذا الدور في المدى المنظور، وهذا معناه أن أزمة الخلافات مرشحة للتصاعد خاصة بين السلطة وحركة “حماس” .

يأتي التطور الثالث الخاص بإعلان السلطة إجراء انتخابات محلية في يوليو/ تموز المقبل، ثم إعلان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الأشهر المقبلة وفي موعد لا يتجاوز سبتمبر/ أيلول المقبل، هذان الإعلانان فجرا خلافاً جديداً ليس فقط بين السلطة ومعها حركة “فتح” وحركة “حماس” بل كان سبباً في إحداث انقسامات بين أطراف فلسطينية عديدة حول رفض وقبول دعوة الانتخابات تلك .

فعقب إعلان حكومة سلام فياض يوم 8 فبراير/ شباط الجاري إجراء انتخابات محلية في التاسع من يوليو/ تموز القادم سارعت حركة “حماس” إلى رفض هذه الدعوة، واعتبر الناطق باسمها فوزي برهوم أن “هذه الانتخابات باطلة لأنها من سلطة وحكومة فاقدة للأهلية والشرعية” . وقال: “نحن في حماس لن نشارك في هذه المسرحية الهزلية، ولن نعترف ولن نتعامل مع نتائجها، ولن نعطيها غطاء”، مؤكداً أنه لا انتخابات من دون غزة ولا مصالحة من دونها، واعتبر أن قرار إجراء هذه الانتخابات محاولة من حكومة فياض للتغطية على الفضائح التي نشرت في “ويكيليكس” وفضائية “الجزيرة”، ومحاولة للتغطية على استئصال المقاومة وحماس في الضفة الغربية .

حركة “حماس” لم تكتف بهذا التعليق ولكنها أصدرت بياناً وصفت فيه الانتخابات المحلية التي تنوي حكومة رام الله إجراءها في الضفة الغربية بأنها “غير شرعية” وأنه “لا يجوز إجراء انتخابات في الضفة من دون غزة، لأن هذا تكريس للانقسام”، كما وصف البيان حكومة فياض بأنها “غير شرعية لأنها لم تحظ بثقة المجلس التشريعي وهذا مخالف للقانون الأساسي”، الذي ينص على أنه لا يجوز لأي وزير في الحكومة ممارسة مهامه قبل نيل الثقة من المجلس التشريعي .

هذا الرفض من حركة “حماس” لدعوة الانتخابات المحلية في الضفة الغربية اتسع وتعمق بدعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم 12 فبراير/ شباط لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في موعد لا يتجاوز سبتمبر/ أيلول المقبل . هذه الدعوة التي تضمنها بيان ألقاه ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية ومستشار أبومازن فجر “ثور غضب” لدى أطراف عديدة أبرزها حركتا “حماس” والجهاد الإسلامي، لأن الانتخابات مؤجلة بشبه توافق بين السلطة وحركة حماس لحين حل الخلافات خشية أن يؤدي إجراؤها دون توافق إلى تعميق الانقسام، وبالذات الخلافات التي عرقلت نجاح المصالحة الوطنية وفي مقدمتها: الملف الأمني والمعتقلون، وحكومة التوافق الوطني . وإذا كانت دعوة إجراء الانتخابات المحلية في الضفة لم تعمق الخلافات حولها من جانب أطراف فلسطينية أخرى غير حركة “حماس” باستثناء “حزب الشعب” الفلسطيني الذي أيد على لسان نائبه بسام الصالحي قراراً صدر من المحكمة العليا الفلسطينية في ديسمبر/ كانون الأول الفائت يقضي ببطلان تأجيل إجراء الانتخابات المحلية التي كان من المقرر أن تجرى في العام الماضي، واعتبر أن هذا القرار يدعم دعوة السلطة لإجراء هذه الانتخابات، فإن دعوة اللجنة التنفيذية للمنظمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية أحدثت انقساماً كبيراً بين أطراف عديدة بين رافضين ومؤيدين .

فخلافاً لما أعلنه ياسر عبد ربه بأن اللجنة التنفيذية قررت إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نفى قيس عبدالكريم عضو اللجنة وجود هذه الدعوة، وأكد أن ما جرى هو السعي لإحداث توافق وطني شامل بما في ذلك مع حركة “حماس” من أجل الاتفاق على شروط إجراء الانتخابات بضمانات كاملة لحرية ونزاهة العملية الانتخابية . ولكن هذا التوضيح لم يكن كافياً لإقناع الأطراف الأخرى بحقيقة الأمر هل هو دعوة فعلية لإجراء الانتخابات وقفز على الأحداث والخلافات أم هو كما أوضح قيس عبدالكريم، لذلك اعتبر الدكتور عبدالستار قاسم المحلل السياسي الفلسطيني أن إثارة القضية في هذا الوقت بالذات هو “هروب من الاستحقاقات” وبالذات الموضوعات المهمة وفي مقدمتها “الإفراج عن المعتقلين، ووقف التنسيق الأمني بين السلطة والكيان الصهيوني، وإقالة الحكومة غير الشرعية لا وطنياً ولا انتخابياً” .

وإذا كانت حركة “حماس” قد صعدت من انتقاداتها لما اعتبرته “حمى الانتخابات” التي تسعى السلطة إلى إجرائها، مؤكدة رفضها المشاركة فيها معتبرة أنها إجراء باطل لأن محمود عباس “فاقد للشرعية ولا يحق له أن ينظم هذه الانتخابات”، فإن حركة “الجهاد الإسلامي” أعلنت هي الأخرى رفضها لهذه الدعوة مؤكدة أنها يجب أن تكون “نتيجة عملية توافقية”، ومبررة رفضها بأنها دعوة صدرت عن جهة لا تمثل الشعب الفلسطيني . أما اليسار الفلسطيني الذي أيد دعوة الانتخابات المحلية فلم يبادر بتأييد أو رفض دعوة الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإن كان أقرب إلى تأييدها للخروج من حتمية ثنائية “فتح” و”حماس” وتحريك الأزمة الوطنية والاستعداد لما هو قادم من تداعيات .

المخاوف كثيرة لتصعيد الخلافات والانقسامات خصوصاً إذ ما أجريت الانتخابات المحلية في الضفة من دون غزة وبمقاطعة حماس وغيرها من المنظمات عندها سيفرض شبح التقسيم مخاطره .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178400

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178400 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40