الأحد 6 شباط (فبراير) 2011

لقاح لبناني ضد العدوى التونسية

الأحد 6 شباط (فبراير) 2011 par حسام كنفاني

على وقع الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي، ومن المرجح أن تواصل التمدد بفعل ما بات يسمى “العدوى التونسية”، يبقى لبنان الوحيد المحصّن من انتقال هذه الحركات الجماهيرية التاريخية، التي لا شك ستبدل المشهد العربي للسنوات المقبلة .

الحصانة اللبنانية ليست بفعل الحرية التي يتمتع بها المواطنون في هذا البلد، على اعتبار أن الحرية كانت العنوان الأساس لحركة الشارع في تونس ومصر خصوصاً . قد تكون الحرية اللبنانية فريدة في العالم العربي، لكنها بالتأكيد لم تنتج ديمقراطية صحيّة تعفي البلاد من آفة التوافق التي تهز كيانه بين فترة وأخرى، والتي لا شك تستحق الثورة ضدها .

ولا هي الرفاهية التي من الممكن أن يكون اللبنانيون يعيشون في كنفها . فالحياة في بيروت، مثلها مثل أي مكان عربي آخر، المعايير فيها نسبية وخاضعة للتقسيمات الطبقية . الفقر اللبناني على سواء واحد مع غيره من بؤر الفقر العربي، وسوء التنمية والفساد وتوزيع الثروات أيضاً . وهي عناوين لا بد من الثورة ضدها وتحطيمها .

الاستبداد والدكتاتورية هما مسميان انتشرا في الآونة الأخيرة بفعل الثورات الشعبية . قد يكون لبنان معفواً من هاتين المسألتين بشكلهما السياسي، لكنه خاضع لهما بصيغهما المذهبية التي تنصب أمراء طوائف للشوارع والمناطق والأحياء . أمراء يمارسون الاستبداد والدكتاتورية لكن برضى الطبقة الدنيا، التي ترى إلى قرارات هذا الزعيم أو ذاك على أنها “الحقيقة المطلقة الواجب القبول بها لحماية النوع” . واقع يستحق الثورة الشعبية .

لكن مثل هذه التمنيات لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع، بمعنى أن أحلام الثورة الشعبية لا تزال بعيدة جداً عن لبنان . ربما لأن مفهوم الشعب لم يتبلور بعد . ففي لبنان شعوب طائفية يجمعها سقف بلد واحد، لكنها، على الأقل في الوقت الحاضر، لا يمكن أن تجتمع تحت عناوين معيشية لا خلاف عليها . اجتماع مستحيل على اعتبار أن لكل احتجاج تأويله السياسي أو الطائفي، سواء كان ضد غلاء البنزين أو ضعف الأجور أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية . لكل من هذه المطالب عنوان وزاري، ولكن عنوان ممثل لهذه الطائفة أو تلك، وأي احتجاج على هذا الممثل يعني الاحتجاج على الطائفة بأسرها .

دوامة من الحسابات المعقدة التي لا يمكن الخروج منها . دوامة هي بمثابة اللقاح اللبناني من العدوى التونسية التي باتت تخشاها كل الأنظمة العربية وتقوم بالمستحيل لمنع امتدادها، سواء عبر تعهدات بتوفير الحرية والديمقراطية وعدم التجديد والتمديد الرئاسيين، وغيرها من المطالب التي من الممكن أن تحدث هبّة في الشارع .

هذا واقع الحال العربي، المختلف عن الواقع اللبناني، المتنعم بلقاحه الطوائفي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2178505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40