الخميس 13 أيار (مايو) 2010

جعجعة مفاوضات أمريكية ولا طِحناً!

الخميس 13 أيار (مايو) 2010 par سماك العبوشي

ما أن انتهى مشوار المفاوضات المباشرة العقيمة، طويلة الأجل، ثقيلة التبعات في أخريات أيام بوش الصغير، حتى أطل علينا الرئيس الأمريكي الجديد ذو البشرة السمراء مبشراً ومهللاً وباذلاً للوعود على تحقيق حلم إقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، ولفشل المفاوضات المباشرة تلك، فلقد تفتق الدهاء الأمريكي عن مخرج جديد يعرضون فيها بضاعتهم الكاسدة علينا من خلال مشوار جديد للمفاوضات بحلة قشيبة أطلقت عليها هذه المرة تسمية “غير المباشرة” ولمدة أربعة أشهر وذلك كي تعطي انطباعاً آخر يختلف عن ذاك الانطباع السيئ والمقيت الذي اتسمت به المفاوضات السابقة والتي انتهت بالفشل الذريع!!.

وإذا كانت “المفاوضات المباشرة”السابقة سيئة الصيت تلك كانت قد ابتدأت في وقتها بمنتهى السلاسة والسهولة والانسيابية من قبل الجانب الصهيوني، صاحبه آنذاك فرح وتهليل من القيادة الفلسطينية على أساس قرب تحقيق الحلم الذي راود أجيال شعب فلسطين، فإن ألغاماً بفشل هذه المفاوضات “غير المباشرة” قد تمت زراعتها من قبل الجانب الصهيوني وعلى رؤوس من الأشهاد نهاراً جهاراً وقبل أن تنطلق بشكل فعلي!!، ذاك لعمري ما يستشف مما قرأناه وسمعنا به في خبر منشور في صحيفة “الرياض” السعودية الصادرة من مؤسسة اليمامة السعودية بتاريخ 10 مايس / مايو 2010 حيث جاء فيه بأن مسؤولاً “إسرائيلياً” كبيراً مقرباً من رئيس الوزراء النتن ياهو كان قد صرح لوكالة فرانس برس وأقتبس نصه “إن رئيس الوزراء أوضح منذ البداية ان البناء والتخطيط في القدس سوف يستمران كالمعتاد، تماما كما كان الحال في عهد كل الحكومات الإسرائيلية على مدى الأعوام ال43 الماضية”، هذا كما وأضاف هذا المسؤول الرفيع الذي طلب عدم الكشف عن اسمه “لا يوجد أي التزام إسرائيلي في هذا الشأن”، في إشارة منه إلى مشروع بناء 1600 وحدة سكنية في “حي رامات شلومو” الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة!!.

وإزاء ما ورد آنفاً، فإن غموض المشهد قد طغى وقد تلبستنا الحيرة فغطتنا من أخمص قدمينا حتى قمة رؤوسنا، فما عدنا والحالة هذه نفقه ما عدا مما بدا، ولم نعد نعرف مَن الصادق بتصريحه ومَن الكاذب!؟، فالجميع قد صرح وأدلى بدلوه، أنصدق ما رددته وكالات الأنباء نقلاً عن الخارجية الأمريكية عن وجود ضمانات كانت قد قدمتها حكومة النتن ياهو إلى إدارة أوباما!؟، أم أننا سنصدق ما جاء بذاك الخبر المنقول عن جريدة الرياض آنف الذكر!؟، وإذا كان ذاك الخبر صحيحاً، أيعقل أن تكون إدارة أوباما قد خـُدِعـَت بتلك الوعود والعهود والتي قدمتها كضمانات للقيادة الفلسطينية!؟، أم أن إدارة أوباما تمارس معنا الكذب وذلك من أجل كسب عامل الزمن أولاً ولجر أرجل قادتنا لتلك المفاوضات على أمل تقديم التنازلات منها في مرحلة ما بعد الأشهر الأربعة!؟، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف والحالة هذه ترتضي قيادتنا الفلسطينية أن تلج “سُم ّ الخياط” بتلك المفاوضات غير مأمونة العواقب وذات الألغام الواضحة للعيان!؟، ثم كيف سنأمن بعدها ونتقي تداعيات مفاوضات جديدة لن تفضي حتماً إلا إلى فشل آخر لنا وتشبث للعدو واتساع استيطان وقرارات تهجير للفلسطينيين وإفراغ لما تبقى من أرض فلسطين!!؟.

أتساءل مستنداً على تصريحات قادة حكومة يهود، ألا نتعظ مما يعلن هنا أو هناك!؟، ألا نتدبر الأمر ونتدارس المواقف قبل أن نلج أبواباً فيها مقتلنا ومقتل قضيتنا!؟، ماذا يعني بربكم ما يصرح به النتن ياهو من أن البناء في القدس كالبناء في تل ابيب!؟، وما الذي يعنيه بتصريحه من أن الاستيطان في القدس لن يؤثر على الفلسطينيين!؟، ثم ما الذي نفهمه من تصريحات وزير الخارجية المتشدد ليبرمان بأن المطالبة الفلسطينية بوقف الاستيطان في القدس “غير معقولة”!؟، ألا يعني ذاك بأنهم مصممون على إبقاء القدس تحت خيمتهم وأنها عاصمتهم الأبدية كما يصرحون، ألا يفهم من ذاك كله بأنهم لا يعيرون بالاً لغضبة من القيادة الفلسطينية أولاً، ولا وزناً لردة الفعل الأمريكية ثانياً، ومن ورائها مجلس الأمن والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية برمتها ثالثاً!؟.

إن الجميع بات يعلم أهمية فرض تسوية سلمية للقضية الفلسطينية بالنسبة لأمريكا وأوباما تحديداً ( بغض النظر عن مواصفات تلك التسوية وكيفية تحقيقها وهل أنها ستحقق الحد الأدنى من حلم الفلسطينيين!! )، وما يؤيد وجهة النظر هذه إصرار إدارة أمريكا على تقريب وجهات النظر بيننا وبين قادة العدو وبأي شكل كان!!، ومن هذا المنطلق جاءت جولة ميتشيل الجديدة للمنطقة والتي كانت قد سبقتها وزامنتها تصريحات راحت تتحدث عن ضغوط أمريكية كانت قد بذلتها ومارستها من أجل استئناف المحادثات بين الفلسطينيين و“الإسرائيليين”، كما ونقلت الأنباء طيلة الفترة التي سبقت إعلان بدء المفاوضات غير المباشرة من أن السيدة كلينتون كانت قد مارست ضغطاً على “إسرائيل” من أجل بذل مزيد من الجهد باتجاه استئناف مباحثات السلام، كما وسمعنا ما كان قد صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية السيد فيليب كراولي في بيان عنه جاء فيه نصاً “كما يعرف الطرفان، إذا ما اتخذ هذا الطرف أو ذاك خلال هذه المحادثات إجراءات قد تقوض الثقة، براينا، بشكل خطير، فإننا سنرد بتحميله المسؤولية بهدف التصرف بما يؤدي إلى استمرار المفاوضات”!!.

وأقول ... رداً على ما جاء بتصريح المتحدث باسم وزرة الخارجية الأمريكية، ذاك والله جميل ورائع، وحيث إن حقائق تاريخ ممارسات “إسرائيل” تنبئنا مقدماً بالذي سيجري تحديداً نتيجة منطقية للمكر والتسويف والعناد وفرض الرؤى والشروط الصهيونية على الفلسطينيين، وكما قيل بالأمثال عندنا من أن أول الغيث قطر ثم ينهمر، فإن تلك التصريحات الصهيونية التي نوهنا عنها آنفاً لا تمثل إلا أول الغيث الصهيوني قبل أن تمطر “المفاوضات غير المباشرة” على رؤوسنا بالعبث والعقم والفشل أولاً، وبالإحراج والضيق للإدارة الأمريكية ( إن كانت صادقة النوايا)، كما أنها ستعد تحدياً صارخاً لما تسعى من أجله إدارة أوباما!!، ولا أجد إزاء تداعيات ما نستقرئه مقدماً لمفاوضات “غير مباشرة” ستؤول حتماً إلى الفشل الذريع والحتمي، إلا أن نطرح جملة من التساؤلات :

أولاً ... ما الذي ستفعله الإدارة الأمريكية فيما لو قوضت “إسرائيل” جهود أوباما تلك!؟.

ثانياً ... ما نوع الضغوط التي تحدثت عنها السيدة كلينتون والتي ستمارسها إدارة أوباما بحق “إسرائيل” التي نقضت عهودها والحالة هذه أولاً وكرد اعتبار للإدارة الأمريكية راعية تلك المفاوضات ثانياً!؟، هل يندرج ضمن ضغوطات أمريكا وردة فعلها ساعتذاك إيقاف المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني!؟، أم أنها ستوقف إرسال أحدث الأسلحة والمعلومات العسكرية لها!؟، أم أنها ستلوح لها بعقوبات اقتصادية إن لم ترضخ للإرادة الدولية الداعية لمنح الفلسطينيين كرامتهم وسيادتهم على ما تبقى من أرض فلسطين قبل الخامس من حزيران 67، تماماً كما تفعل دائما مع من تطلق عليهم تسمية الدول المارقة!؟.

ثالثاً ... وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتباهى على الدوام فتعلن عن ثبات رسوخ العلاقات الأمريكية الصهيونية، ولعل آخر ما صدر عن أوباما من تصريح وإعلان بهذا الصدد كان رسالة تهنئته للكيان الصهيوني بمناسبة ذكرى قيامه حين أكد فيها على أن العلاقات بين الطرفين “ثابتة وستزداد رسوخا”، فهل والحالة هذه ستبقى العلاقات تلك على “رسوخها وثباتها وازدهارها” أم أنها ستنحو منحى آخر يتناسب وتلك الصفعة التي صفعتها حكومة النتن ياهو لإدارة أوباما التي ظهر عجزها تماماً عن الإيفاء بالتزاماتها ووعودها للفلسطينيين!؟.

رابعاً ... أليس من المنطقي أن تعي الولايات المتحدة الأمريكية ( لو كانت صادقة النوايا ولا تكيل بمكيالين ) حقيقة أن “إسرائيل” دولة محتلة وتعترف بتلك الحقيقة أولاً، ومن ثم أن تمارس معها الضغوط التي تتناسب وأنها سلطة محتلة للضفة الغربية والقدس الشرقية ثانياً، أم أن ما ينطبق على الجميع لا ينطبق على “إسرائيل” أبداً باعتبار أنها فوق كل اعتبار!!؟.

الجواب المنطقي لتداعيات فشل هذه المفاوضات يكمن في السيناريو التالي: ستقوم إدارة أمريكا بلحس وعودها تلك، وستتناسى تلك الصفعة التي تلقتها من حكومة نتن ياهو، غير أنها لن تيأس في البحث عن مخرج آخر يضمن لها تمرير ما تريد، ولن يكون ذاك المخرج إلا من خلال بوابة الضغط المستمر على القيادة الفلسطينية وأنظمة الاعتدال العربي من أجل تقديم التنازلات الفلسطينية التي تتلاءم ورغبة التوسع الاستيطاني الصهيوني!!!.

جعجعة جهود مفاوضات أمريكية ... ولا طحناً!!.

وإن غداً لناظره قريب!!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2178039

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178039 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40