الخميس 20 كانون الثاني (يناير) 2011

الشعب التونسي: في البدء كان الفعل

الخميس 20 كانون الثاني (يناير) 2011 par د. فايز رشيد

حققت الانتفاضة الشعبية التونسية جزءاً كبيراً من أهدافها , برحيل بن علي, عن أرض تونس الخضراء.نقول : جزءا كبيرا من الأهداف وليس كلها،ذلك أن ما يجري من خطوات سياسية من تسلم رئيس البرلمان للرئاسة المؤقتة , وتشكيل رئيس الحكومة السابق للوزارة الجديدة التي تحتوي رموزا كثيرة من رجالات العهد البائد , قد يجري استغلاله للانقضاض من قبل الحزب الحاكم(السابق) , على السلطة مرةً أخرى،ويعود الوضع إلى الشبيه بمثل ما كان عليه،تماماً مثلما جرى مع(انتفاضة الخبز) في تونس عام 1984, وقد كان بن علي أيامها وزيراً للداخلية،استطاع آنذاك تقديم نفسه, بالمنقذ من حكم الرئيس الأسبق بورقيبه ,قمع بن علي الانتفاضة أيامها،وعادت الأمور إلى الأسوأ مما كانت عليه.نأمل هذه المرة من القوى الوطنية التونسية الحقيقية المعارضة, السير بالمشوار حتى نهايته الظافرة والمؤزرّة.

لقد دفع الشعب التونسي في انتفاضته الباسلة, العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى, في سبيل الثورة,على الظلم والتعسف والفقر والبطالة والدكتاتورية وقمع الحريات والفساد واغتناء القلّة من المرتبطين بالنظام , على حساب القاعدة الشعبية العريضة, التي ازدادت فقراً ومعاناةً،وسط ظروف ازدادت فيها مديونية الدولة،وازدادت مصالح الفئة القليلة, حاجة, للارتباط بالرأسمالية العابرة للقارات, والشركات الاحتكارية العالمية.انتفاضة امتدت شهراً ولم تتوقف , أشعل فتيلها الشاب محمد البوعزيزي, الذي لم يكن يدرك حين أضرم النار في نفسه احتجاجاً على البطالة والظلم،أنه سيشعل انتفاضة شعبه،التي لم تخفت يوماً,سوى عند رحيل الرئيس،وقد دارت طائرته بالجو ساعات وساعات, قبل أن يجد ملجأً يلوذ إليه،بعد أن لفظه حلفاؤه أصدقاء الأمس, ولم تقبل فرنسا باستضافته،وأعلنت واشنطن من خلال ناطق رسمي:أن من حق الشعب التونسي اختيار حكامه.

بن علي مضى على طريق شاه إيران وتشاوتشيسكو وماركوس والعديد العديد من دكتاتوريي العالم.

لقد تصور كثيرون على صعيد المنطقة والعالم:بأن الأمة العربية خانعة, وهي ميتة, وآخرون اعتقدوا ولا يزالون : أن العرب لا يُحكمون سوى من خلال القوة والعصا....إلخ، إلى الحد الذي عنونت فيه إحدى الصحف الفرنسية أخبار تونس من خلال القول(بأن الثورة في بلد عربي ... ممكنة أيضاً).الانتفاضة التونسية أعادت للأمة العربية من المحيط إلى الخليج،أَلَقَها وعنفوانها وقوتها, ليتبين أن الأمة العربية بكافة شعوبها, أمة حرّة،أبيّة،لا تصبر على ضيم،وإن بدا أنها مستكينة, فهذا سراب ووهم،وهو صبر مؤقت،أمة تختزن في حناياها, العزّة والكرامة،وهي في الوقت الذي تتحرك فيه, لن يقف في طريقها ظالم ولا حاكم دكتاتور,يدوس حقوق شعبه صباح كل يوم.

كثيرون من دكتاتوريي العالم النامي(ولا نقول الثالث) ويضمهم العالم العربي, لا يتعظون بما جرى للكثيرين من الحكّام الظلمة،ولا يدركون حقيقة المتغيرات العالمية،والتقدم التكنولوجي وحقائق العصر،فتراهم يحاولون تغطية وجه الشمس بغربال،ويتصورون بأن رقابة الصحف ومنع المسيرات السلمية،وقمع كل أنواع الاحتجاجات الجماهيرية،ويعتقدون بارهاب الجماهير البوليسي, والاعتقال والسجن.

يعتقدون بأن كل هذه الوسائل القمعية ستطيل من عمر هذه الأنظمة حتى في ظل ارتفاع الأسعار لكافة السلع وبالتحديد الحياتية منها،وازدياد نسب الفقر والبطالة،وبخاصة عندما تنقل البطانة إلى الحاكم: بأن الجماهير تُسَبّح بحمده،وعندما تنقل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء, برقيات الولاء إلى الحاكم من فئة قليلة منافقة, رغم العوز والفقر والحاجة،فيعيش الحاكم في عالم جميل رومانسي بعيداً عن الواقع،هكذا اعترف بن علي بخداع بطانته ومستشاريه،خداعهم الدائم له،ولكن جاء اعترافه بعد فوات الأوان،إذ كان بمثابة الزوج المخدوع.

في زمن التكنولوجيا, من الاستحالة بمكان أن تقوم الحكومات بحجب بعض الأخبار والحقائق التي قد تسئ لأنظمة الحكم فيها على الصعيدين:الداخلي والخارجي،ومن الصعب حجب الكتب وما تطرحه من حقائق, بمنع نشرها في هذا البلد أو ذاك،فمن الممكن طباعتها في الخارج ونقل صفحاتها من خلال الشبكة العنكبوتية،فيضطلع عليها الشعب في البلد المعني.نسوق هذا على سبيل المثال لا الحصر،ففي الكثير من دول العالم النامي وبضمنها دول عربية بالطبع،لا تزال عقلية القائمين على الحكم تراوح في أمكنتها, وتعتقد وكأنها تعيش في قرون ماضية خارج إطار الزمن والتاريخ.

الدكتاتورية لا تصنع نصراً،حتى وإن تمكنت , فهو انتصار مؤقت.الدكتاتورية لا تصنع إنجازات إلاّ في عقول معتنقيها.الحرية والديموقراطية هما التي تصنعان الإنجازات , وهما الكفيلتان بحل كل المعضلات التي يعانيها الشعب والدولة،وهما اللتان تكمنان خلف التطور والتقدم للبلد،ولنأخذ الهند على سبيل المثال لا الحصر، فبقوانينها تنتقل السلطة بشكل سلمي وفقاً للإرادة الجماهيرية في صناديق الاقتراع.الهند من أكثر البلدان النامية تطوراً،وهي الأولى في العالم على صعيد علم الكمبيوتر،وتصنيعها يتراوح بين إبرة الخياطة والقنبلة النووية والصواريخ والأقمار الصناعية.
أيضاً البرازيل،في ظل الديموقراطية استطاعت إنجاز الكثير.

عظمة الانتفاضة التونسية, أنها كسرت التابوهات المحرمة, ليس على صعيد تونس فحسب،وإنما على صعيد الدول النامية،وعلى صعيد الأمة العربية،فقد أوضحت كيف يكون الطريق في سبيل الحرية والكرامة.في تونس الفعل هو الذي كان في البداية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165243

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165243 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010