من الأخبار المذهلة ما يمرّ من دون إدهاش، وكأنه قشّة حملها النهر، بينما هو مأساة شعب ومهزلة مصير . يقول النبأ: “المالكي يبحث مع بايدن تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن” . تمنيت لو وقف السيد نوري أمام المرآة، وسأل نفسه باللهجة العراقية: “هاي شلون دبّرتها؟” .
بصراحة، ليست لديّ خبرة سياسية تجعلني أفهم كيف يوقّع بلد تحت الاحتلال، اتفاقية استراتيجية مع المحتل . هذا يعني أن أهداف بغداد هي أهداف واشنطن . هذا لا ينافي العقل ويجافي المنطق فحسب، بل ويضع وطنية الطرف الواقع تحت الاحتلال أمام علامة استفهام . عامل الإكراه ليس مبرّراً على الإطلاق . وإلا فما معنى المسؤولية عن الشعب وتراب الوطن والتاريخ؟ ولهذا قرأت الاتفاقية الأمنية: “اتفاقية المنيّة” .
مثل هذا الكلام قلته في شأن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الغاصب . ولأيّ عربي أن يخشى تحوّل هذه الظاهرة المشينة إلى مبدأ سيادي وإنجاز تاريخي .
لا يوجد بلد عربي ينافس العراق في علوم اللغة العربية، لكن، هل يستطيع كل فقهاء اللغة العراقيين أن يفكّكوا لنا الرموز والألغاز في هذه المفردات الأربع: “تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي”؟ هل التفعيل هو أن تصبح فعّالة لتوليد المزيد من المصائب والدواهي؟ وهل معنى الاتفاقية هو أننا نبصم بالعشر على قبول الاحتلال؟ وهل الإطار يعني أننا نوقّع على ورقة بيضاء كتب عليها العنوان فقط، وأنتم، الطرف القويّ، تكتبون ما تريدون على الصفحة؟ وهل الاستراتيجي يعني أن الحكومة العراقية تهدف أيضاً إلى تفتيت العالم العربي، حتى يتحقق الشرق الأوسط الجديد؟
الطامّة الكبرى هي أن اتفاقية من هذا الوزن الثقيل، لا بدّ أن تكون قد دُرست مليّاً في مستوى الحكومة، وبحثت وفُصّصت بأناة ورويّة في البرلمان . فباسم من توافق السلطتان التنفيذية والتشريعية، على اتفاقية تضرب السيادة في العمود الفقري؟ المهزلة هي أن أهل البرلمان هم نوّاب الشعب، وهم نوائبه في الحقيقة . الشعب ينتخب من يبيعونه في سوق الاستراتيجية، حسبنا الله ونعم الوكيل لمن خانه الوكلاء .
لا شك في أن هذه الاتفاقية ملغّمة بالمفردات الغامضة، والعبارات الفضفاضة من قبيل: مدّة الاتفاقية تحدّد لاحقاً .