الخميس 13 كانون الثاني (يناير) 2011

وداعاً أحمد اليماني.. عاشق فلسطين .

الخميس 13 كانون الثاني (يناير) 2011 par منير شفيق

كان لا بدّ أن يأتي اليوم الذي يودّع فيه الشعب الفلسطيني والأمّة العربية المناضل القائد النموذج أحمد اليماني (أبو ماهر).

أحمد اليماني بدأ حياته مناضلاً عمالياً ومقاتلاً فلسطينياً في المنتصف الثاني للأربعينيات من القرن العشرين، وكابد كل المرارات التي كابدها جيل نكبة فلسطين. فقد كان هو وأسرته من بين الذين أصبحوا في المخيمات. أي كان من بين الذين اقتلعوا من بيته وأرضه ووطنه ليحلّ مكانه مستوطنون مهاجرون يهود. وقد وفدوا إلى فلسطين يحملون مشروع صناعة “شعب” والحلول مكان شعب آخر في فلسطين.

ولهذا منذ البداية أدرك الفتى المتأجّج حيوية وحماساً أحمد اليماني جوهر الصراع في فلسطين باعتباره صراع وجود. إنه صراع اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وهو صاحب الحق الذي لا ينازع فيها. وذلك لزرع مستوطنين مكانه ليصبحوا ميليشيات ثم دولة. ويعلنون أنفسهم “شعباً”. وهم الذين جاؤوا من انتماءات قومية شتى. فما كانت لتجمعهم لغة واحدة، ولا حضارة واحدة ولا تاريخ واحد ولا انتساب قومي واحد. وفي الواقع ما كان من مُشترَك بينهم غير الانتساب إلى الدين اليهودي، والمشروع الصهيوني القائم على أساس إحلالهم مكان الشعب الفلسطيني.

ولهذا كانت أولى نضالات أحمد اليماني بعد النكبة قد اتجهت إلى المطالبة بالعودة وتحرير فلسطين وعدم الاستسلام للتهجير القسري الذي تعرّض له ثلثا الشعب الفلسطيني.

ولكن الاتجاه العام في المنتصف الأول من خمسينيات القرن العشرين كان التوجّه إلى ما اعتُبِر السبب في قيام دولة الكيان الصهيوني وإنزال الهزيمة العسكرية بالجيوش العربية التي دخلت فلسطين عام 1948. أي كان التوجّه نحو تغيير ما أمكن من أنظمة حُمِّلت مسؤولية العجز أو التواطؤ وحتى الخيانة.

وبهذا كانت خمسينيات القرن العشرين هي عقد الانخراط في الأحزاب ذات الطابع العربي، وليس القطري، والعمل لتحرير البلاد العربية وتوحيدها باعتباره الشرط لامتلاك القوّة والقدرة لتحرير فلسطين.

على أن حركة القوميين العرب التي كان أحمد اليماني من القادة المؤسّسين لها قد وُلِدَت مشدودة مباشرة إلى فلسطين، بالرغم من طابعها القومي العربي وليس الفلسطيني. وكانت هذه ميزة لها إذ كان العمل للثأر راهناً وليس مؤجلاً.

ثم وجدت نفسها جزءاً من حركة التحرّر العربي التي قادها الرئيس جمال عبدالناصر. فأصبحت علاقتها المباشرة في الموضوع الفلسطيني مرتبطة بتطورّات علاقة الحركة الناصرية بالموضوع الفلسطيني.

بيد أن المرحلة التي تلت عدوان الخامس من حزيران 1967 وما ترتبّت عنه من نتائج عسكرية، ومن احتلال للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء وجّه البوصلة نحو التركيز على الموضوع الفلسطيني وإعطائه الأولوية، بالرغم من أن إرهاصات هذا التوجّه لدى حركة القوميين العرب سبقت هذه المرحلة. وقد تُرجِمَ بتشكيل فصيل فلسطيني فدائي “شباب الثأر”. وبهذا أعاد التلاحم بين هذا التوجّه والمنطلقات الأولى لحركة القوميين العرب.

أحمد اليماني إلى هنا؛ أي إلى مرحلة تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحسبُ أنه كان الرجل الثاني بعد قائدها جورج حبش، كان جزءاً من تيار فلسطيني وعربي لم تبرز له ميزة على أقرانه فيما عدا دوره القيادي ونموذجه النضالي الفذ من ناحية التقشف والبساطة والعفّة عن مغانم الدنيا حتى في مستواها الأدنى الذي كان رهط من المناضلين لا يرون بأساً في التمتّع بها. ومع ذلك كان الكل على الهدف نفسه والمبادئ نفسها.

أما أكبر مزايا أحمد اليماني فقد أخذت تظهر في استمساكه بالثوابت الأساسية لقضية فلسطين، حيث بدأ يخوض الصراع ضدّ الاتجاهات التي أخذت تدريجاً بتقديم بعض التنازلات التي أطلقها برنامج “النقاط العشر”. ثم ما تداعى عن ذلك وصولاً إلى جرّ (م.ت.ف) إلى اتفاق أوسلو، وعودة مجموعة كبيرة من قيادات الجبهة الشعبية وكوادرها إلى مناطق ما قام من سلطة فلسطينية بناء على ذلك الإتفاق اللعين.

بغض النظر عن التسويغات التي قُدِّمت في ذلك الوقت منذ برنامج النقاط العشر حتى اتفاق أوسلو، من قِبَل الذين انجرفوا إلى هذا الطريق خطوة خطوة، إلاّ أن أحمد اليماني كان خارج هذا الانجراف، وبكل ما يملكه من وعي وصلابة وعزيمة. ولم يخش السباحة ضدّ التيار أو فقدان نفوذه التنظيمي أو محاولات تهميشه لأنه أصبح خارج عصر التنازلات، عصر اتفاق أوسلو.

في هذه المرحلة أي في السنوات الخمس عشرة الأخيرة بدأتُ ألتقي الأخ أحمد اليماني ود.أنيس الصايغ في مكتب المرحوم رفعت النمر الذي هو من المعدن نفسه من حيث الثبات على المبدأ والصلابة في الموقف والصمود في وجه التيار الذي كان جارفاً في حينه وإن تحوّل فيما بعد إلى فضيحة كاملة.

لقد رضي أبو ماهر لنفسه بعد اتفاق أوسلو أن يصبح إنساناً بعيداً من مواقع القيادة التنظيمية والنفوذ. ولكنه كان هنا في قمّة ما يمكن أن يُسجّل في تاريخه من مكانة قيادية وصورة نموذجية لقائد فلسطيني فذ، لا سيما من ناحية الثبات على المبدأ وعدم التنازل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن أي ثابت من ثوابت القضيّة. فلم يساوم ولم يهادن المساومين الذين فرّطوا وظلّ صوتهم عالياً يكابرون بأنهم ما زالوا ينهلون من أول النبع الذي قامت عليه حركة القوميين العرب ثم الجبهة الشعبية.

ولكن من سوء حظ هؤلاء كانت أمامهم قامة أحمد اليماني في مواقفه المبدئية وفي بساطة العيش التي ارتضاها، وفي إصراره على المقاومة وتحرير فلسطين، كما لو كان -وهو في الثمانين- في مطلع شبابه، ولم يقبل مع مرور العقود وانهيار البنى التي قامت عليها فصائل المقاومة و(م.ت.ف) أن ينكسر.

كان عدم المساومة في القضيّة الفلسطينية يُسمّى عدمية، ولكن التجربة أثبتت أن المساومة في هذه القضيّة الفريدة هي دمار للقضيّة وخراب للمقاومة وانحلال للشخصية النضالية.

ويبقى سؤال: هل يستطيع أحد ممن اختلفوا مع أحمد اليماني وهو يودّعه أن يدعي أنه كان على خطأ؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165868

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165868 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010