الثلاثاء 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

لبنان في انتظار القرار الظني

الثلاثاء 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par غسان العزي

لا يزال لبنان إلى اليوم يعيش على وقع الزلزال الكبير الذي شكله اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط ،2005 قبل أن يبدأ في يونيو/حزيران من العام نفسه سلسلة من الاغتيالات، طالت شخصيات لبنانية سياسية رفيعة الشأن . وقد حقق معسكر الرابع من آذار وقتها نصراً سياسياً ومعنوياً كبيراً عندما تشكلت المحكمة الدولية بقرار أممي وتحت الفصل السابع . كانت التهمة السياسية موجهة ضد دمشق التي تمكنت لاحقاً من فك الحصار الدولي عنها وبالتالي إبعاد تهمة الاغتيال التي راحت “التسريبات” من التحقيق الدولي ترميها في اتجاه حزب الله .

عاش اللبنانيون منذ تشكيل فريق التحقيق الأول على وقع التسريبات في انتظار صدور التقارير عن اللجنة والتي كانت تشكل مادة نقاش سياسي عام شديد السخونة لفترة تمتد إلى حين صدور التقرير التالي عن التحقيق نفسه أيام القاضي الألماني ديتليف ميليس ثم خلفه البلجيكي براميرتز قبل تعيين الكندي دانيال بيلمار الذي سيكون مدعياً عاماً للمحكمة بعد انتهاء التحقيق الذي يقوده .

إنه فيلم بوليسي طويل، وعلى الطريقة الهوليوودية الأمريكية . ونكاد نضيف بأنه فيلم مشوق لولا أن مشاهديه من اللبنانيين خصوصاً، والعرب عموماً يلتهمون أظافرهم ويحبسون أنفاسهم خوفاً بل رعباً لدى مشاهدة العرض الذي ما إن ينتهي حتى تكون صالة العرض قد تحطمت على رؤوس من فيها . هذا على الأقل ما أنفك يبشر به “الإسرائيليون” وما يؤكده رعاتهم الأمريكيون في هذه الأيام العصيبة جداً من تاريخ “الديمقراطية اللبنانية الناشئة” التي طالما بشر بها الرئيس السابق بوش ومحافظوه الذين كانوا جدداً .

تقرير محطة “سي .بي .سي” الكندية يضيف نفسه إلى مجموعة أخرى باتت كبيرة من “التسريبات” والتي أضحت كلها لاسيما منذ بدايات عام 2008 وتطبيع العلاقات الفرنسية-السورية، توجه الاتهامات في اتجاه إما حزب الله مباشرة وإما “عناصر غير منضبطة” فيه . وبالطبع كغيره حاز هذا التقرير على حيز واسع من الجدل الإعلامي والسياسي في لبنان الذي يتوجس شعبه من صدور مفاجىء لقرار يسميه البعض “ظنياً” والآخر “اتهامياً”، وما الفرق طالما أنه سيكون بمثابة الزلزال كما يجمع السياسيون والمراقبون . واللافت مثلاً أنه في “تسريبات” سابقة، ورد اسم رئيس المخابرات السورية السابق في وقت اهتزت فيه العلاقة بين دمشق والغرب إلى حد ما مناسبة تعقيدات تشكيل الحكومة العراقية . وقد انسحب هذا الاهتزاز على الوضع اللبناني الذي بدا وكأنه يتجه لامحالة صوب الفتنة التي يخشاها الجميع . ثم تقدم الوضع العراقي على طريق الحلحلة كما رأينا، وربما هذا ما يشرح أن تقرير ال”سي .بي .سي” لم يتضمن الاسم السوري المذكور بل أبقى على الاتهامات السابقة بشأن عناصر من حزب الله ولو في سيناريو جديد هذه المرة .

اللافت أن التقرير الكندي المذكور، والذي رد عليه دانيال بيلمار، على غير عادته كونه لايعلق البتة على التسريبات، يتضمن، وللمرة الأولى، اتهاماً لأحد المسؤولين الأمنيين البارزين المقربين جداً من الحريري الأب والابن . الأمر الذي دعا بعض المحللين للاعتقاد أن ثمة حلاً دولياً للوضع اللبناني يقوم على اتهام شخص سني بارز إلى جانب عناصر من حزب الله درءاً لفتنة سنية-شيعية لايريدها أحد في العالم . ولكن ما إن جف حبر هذا التحليل حتى نشرت “الفورين افيرز بوليسي” كلاماً عن الأمريكي فيلتمان يعد فيه بتقديم رأس حسن نصرالله كهدية في عيد الميلاد، كما يعد ب”فرم حزب الله” عن طريق المحكمة الدولية . هذا الكلام الخطير، رغم نفيه لاحقاً من قبل واشنطن، إذا ما أضيف إلى السيناريوهات المرعبة التي تنشرها وسائل الإعلام من حين لآخر تدفع المراقب الأجنبي إلى التساؤل: كيف يقوى اللبنانيون على النوم؟

القناعة السائدة عند المتفائلين من اللبنانيين أن أحداً في المنطقة من إيران إلى السعودية مروراً بسوريا وتركيا وغيرهما لايريد أن تحدث فتنة مذهبية في لبنان قد تمتد مثل النار في الهشيم لتحرق المنطقة بكاملها . وبالتالي فإن زعماء هذه الدول الإقليمية النافذة لايوفرون الجهود الضرورية بحثاً عن حل لمواجهة القرار الظني الذي بات صدوره قريباً جداً على الأرجح، بدليل هذه الكثافة غير الاعتيادية من اللقاءات والاتصالات القائمة بين كبار مسؤولي هذه الدول . واذا كانت الاتصالات السورية-السعودية قد تباطأت إلى حد ما بسبب مرض الملك عبدالله فإن الرئيس أردوغان سارع إلى محاولة سد هذا الفراغ . زيارته إلى لبنان والاستقبالات الرسمية والشعبية التي حظي بها (وان كان ذات نكهة مذهبية معينة رداً على طابع زيارة أحمدي نجاد الأخيرة للبنان . . . .) طمأنت اللبنانيين إلى أن تركيا الدولة الإقليمية الأطلسية الإسلامية تقف بحزم ضد الفتنة وضد أي اعتداء “إسرائيلي” على لبنان يستغل صدور القرار الظني الذي اجتمعت لأجله الحكومة “الإسرائيلية” المصغرة .

وكل المؤشرات تدل على أن الحل الذي قد يتم التوصل إليه هو مواجهة القرار الظني بأدلة من وزارة الاتصالات اللبنانية وغيرها من الأجهزة المعنية وحزب الله على أن “إسرائيل” خرقت قطاع الاتصالات وفبركت الأدلة ثم سربتها إلى التحقيق . هذا الأمر ليس جديداً إذ إن حزب الله ووسائل الإعلام القريبة منه كما المحللون والسياسيون من حلفائه بدأوا العمل في هذا المضمار وبنجاح لافت . لكن الجديد، إذا تم الاتفاق المذكور، هو أن تصدر أصوات من معسكر 14 آذار تؤيد حملة التشكيك هذه في حين يلتزم آخرون من هذا المعسكر نفسه الصمت أو الحياد في انتظار التطورات .

هل سيتوقف “الإسرائيليون” والأمريكيون عند ذاك عن ملاحقة المقاومة اللبنانية ولديهم ضدها مثل هذا السلاح الفتاك الذي هو الاتهام الدولي؟ بالطبع لا، لكن يكون لبنان عندها قد مرر قطوع “القرار الظني” ليبدأ مرحلة جديدة لن تكون أقل خطورة هي الأخرى على مصيره والمنطقة معه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2181705

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181705 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40