الأحد 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

رسائل مفخخة إلى القاهرة

الأحد 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par جلال عارف

تطورات هامة وخطيرة على الساحة المصرية، لا ينبغي أن يقلل من الاهتمام بها ضجيج معركة انتخابية لن تقدم أو تؤخر كثيراً في الحياة السياسية المصرية. كما نرجو ألا يحجب رؤيتها كما ينبغي غبار «زوبعة» ثارت مؤخراً بين القاهرة وواشنطن على خلفية انتقادات الإدارة الأميركية للعملية الانتخابية في مصر.

وكان الرد المصري عليها عنيفاً للغاية سواء على المستوي الرسمي والحزبي، أو بالحملات الصحافية التي رفضت أي تدخل في الشؤون الداخلية المصرية، وهي «زوبعة» محكومة في النهاية بادراك القاهرة أن آخر ما تريده واشنطن الآن هو رؤية تغيير في موازين القوي في مصر تعلم أنه لن يكون في صالحها.

وبالتالي إدراك أن حديث واشنطن عن الانتخابات هو محاولة «لتخليص حسابات» عن خلافات في قضايا أخري أو لتوصيل رسائل حول هذه القضايا، وما أكثر الرسائل التي تتلقاها القاهرة هذه الأيام في وضع داخلي وعربي وإقليمي يزداد تعقيداً يوما بعد يوم.

آخر هذه الرسائل وأخطرها هي تلك التصريحات المفاجئة والاستفزازية لرئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي والتي هاجم فيها مصر مؤكداً أنها لا يمكن أن تكسب حرباً ضد أثيوبيا على مياه النيل، وكأن مصر تعد جيوشها لغزو أثيوبيا على بعد خمسة آلاف كيلو متر من حدودها.

وكأن القاهرة لم تقدم كل النوايا الحسنة ـ ومازالت ـ من أجل حوار بناء مع أثيوبيا وكل دول حوض النيل لحل المشاكل المعلقة، بما يضمن حقوق ومصالح كل الأطراف، خاصة أنه لا توجد ندرة في كميات المياه المتوفرة والتي يتم إهدار معظمها في دول المنبع.

ومن هنا فإن الإدارة الجيدة والاستغلال الأمثل لهذه المياه يوفر احتياجات كل دول حوض النيل إذا كانت القضية ستظل في حدودها، وإذا لم تتصرف دولة مثل أثيوبيا بمنطق الابتزاز أو بتحريض خارجي لم تعد مصادره (الإسرائيلية أساساً ثم الأميركية)خافية.

ولابد هنا من الاعتراف بأن مصر أخطأت في حق نفسها كثيراً، حين أهملت لسنوات علاقاتها مع إفريقيا التي كانت قد بلغت أوجها في عهد الرئيس عبد الناصر، ولكن اندلاع أزمة محاولة إعادة توزيع مياه النيل مؤخراً قد أعاد اهتمام مصر بعمقها الأفريقي، وبدأت مصر برنامجاً لتطوير التعاون بين دول حوض النيل في كافة المجالات.

وكانت القاهرة حريصة على تأكيد أن التفاوض والحوار هما السبيل لحل المشاكل المعلقة والوصول إلى صيغة للاتفاق تحفظ مصالح الجميع. وفجأة يخرج رئيس الوزراء الأثيوبي بتصريحاته عن غزو مصري محتمل لبلاده، وتأكيداته بأن اتفاقية تقسيم مياه النيل تعود لعهد الاستعمار.

واتهاماته لمصر بمحاولة زعزعة الاستقرار في أثيوبيا من خلال دعم جماعات متمردة، ومع ملاحظة أن هذه التصريحات الاستفزازية تزامنت مع استضافة أثيوبيا لمحادثات أفريقية للتوفيق بين طرفي النزاع في السودان(الرئيس السوداني ونائبه الجنوبي سلفاكير) في محاولة لتذليل العقبات أمام الاستفتاء على مصير الجنوب.

وقد ردت مصر بهدوء، ولكن الأسئلة تبقى مطروحة، فلماذا افتعال الأزمة في وقت تبحث فيه مصر عن التفاهم وتتمسك بالحوار وتعرف أثيوبيا أن مياه النيل هي قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر؟ ولماذا افتعال الأزمة والسودان يمر بفترة حاسمة في تاريخه لا تستطيع مصر أن تكون بعيدة عنها ؟

وأي رسالة يراد توجهيها للقاهرة في هذا الوقت بالذات؟ وأي دور لأصدقاء زيناوي وحلفائه الإسرائيليين والأميركان في هذا التحرك العدائي نحو مصر؟ وقد يكون التحرك الإثيوبي هو الأخطر، ولكننا لا نستطيع أن نغفل عدة تحركات على أكثر من جبهة وعدة رسائل تلقتها القاهرة في الآونة الأخيرة، ومنها:

اتهامات صادرة من مسؤولين عسكريين إسرائيليين لمصر بتعمد الإضرار بأمن إسرائيل و«تسهيل» تهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة. والزعم بأن ذلك لا يتم فقط بالتعاون مع تشكيلات من أهالي سيناء، بل أيضا بمشاركة رجال أمن مصريين يتم نقل شحنات السلاح عبر الإنفاق تحت أنظارهم.

ثم رسالة أخرى قد تكون لها آثارها الخطيرة في الأيام القادمة، بإثارة الشكوك حول البرنامج النووي المصري، والحديث عن «قلق مصر» من تحقيق تجريه وكالة الطاقة الذرية الدولية حول آثار يورانيوم عالي التخصيب عثر عليها مفتشو الوكالة في موقع المفاعل النووي الصغير المخصص للأبحاث في انشاص قرب القاهرة في العامين 2007 و2008.

وقالت القاهرة إنه ناتج عن شحنة وصلت خطأ ضمن شحنات النظائر المشعة التي يتم استيرادها لأغراض البحث العلمي، وأن الموضوع يرجع إلى عقود مضت، وأن برنامجها النووي يخضع بالكامل للتفتيش الدولي.

والتسريبات هنا مصادرها أميركية، وهي تتم مع بدء الخطوات التنفيذية لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الطاقة في مصر من بين 4 محطات تنوي إنشاءها، وسط معارضة إسرائيلية، وتحفظ أميركي بهدف تعطيل البرنامج، أو ضمان أن يكون تنفيذه بأيدي الشركات الأميركية .

وبدون مشاركة مصرية حتى لا تكون المحطة جزءاً من برنامج مصر النووي بما يتيحه ذلك من فرص للتقدم في البحث العلمي وامتلاك المعرفة والتقدم التكنولوجي وهو ما دعا القاهرة لترك الباب مفتوحاً أمام التعاون في هذا المجال مع دول أخرى مثل فرنسا وروسيا التي ارتبطت بخبرة سابقة من التعاون في مصر في هذا المجال.

تبقى رسالة غريبة خرج فيها رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين عن تقاليد العمل السري وهو يسلم مهامه لخلفه قبل شهر واحد، حين تحدث عن مصر باعتبارها «الملعب الأكبر لنشاط المخابرات الإسرائيلية منذ 1979».

مؤكداً «أننا أحدثنا اختراقات أمنية وسياسية واقتصادية وعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما».

ولو كان الأمر صحيحاً لما أخرجته إسرائيل إلى العلن، ولكنها رسالة أخري تحاول فتح الثغرات في الجدار الأمني المصري، وتقول للداخل الإسرائيلي ـ وهذا هو الأهم ـ ان مصر ستظل هي الخطر الأساسي رغم كل الاتفاقات والمعاهدات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178851

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2178851 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40