السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

المحكمة تفقد صدقيتها قبل القرار الاتهامي

السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par د. عصام نعمان

لعل أخطر ما تعرضت له “المحكمة الدولية الخاصة بلبنان” من اتهامات ومطاعن ما قاله في حقها مراسل شبكة التلفزيون الرسمية الكندية “سي بي سي” في واشنطن نيل ماكدونالد . فالتقرير الذي عرضه بالصوت والصورة والمستندات استغرق إعداده شهراً كاملاً أجرى خلاله مقابلات مع العديد من المصادر داخل أجهزة التحقيق الدولي، واستقى معلومات من تسجيلات لجنة التحقيق الدولية التي وجد فيها، بحسب قوله، “أمثلة على الجبن والقصور الذاتي البيروقراطي وانعدام الكفاءة بما يصل إلى حد الإهمال الجسيم” .

ماكدونالد كندي الجنسية شأن دانيال بلمار، المدعي العام لدى المحكمة، الأمر الذي أثار شكوكاً حول ما إذا كان لهذا الأخير دور في التسريبات المذهلة التي وافق تلفزيون كندا الرسمي على عرضها . ربما لهذا السبب ثارت ثائرة بلمار، فلم يكتفِ بما صدر عن مكتبه حول “قلقه الشديد حيال نزاهة التحقيق وسلامة المتضررين والشهود والمشتبه فيهم والموظفين” بل حرص على التعليق عليها شخصياً: “إن أخطر أثر يمكن أن تخلّفه تقارير قناة “سي بي سي” هو أن بثها قد يعرض حياة بعض الاشخاص للخطر” .

بلمار لم ينفِ صحة المستندات والمعلومات التي كشفها ماكدونالد ربما لأنه استخدم بعضها في مسودة القرار الاتهامي التي أشار إلى أنه يعتزم إحالتها “في المستقبل القريب” على قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين “ليصادق عليها” . فهل يتسبب تقرير ماكدونالد بتأخير صدور القرار الاتهامي، وهل يكون مدعاة للتوسع في التحقيق؟

الحقيقة ان كل الاحتمالات واردة . فقد تبيّن من مراجعة سلوكية الرؤساء المتعاقبين في لجان التحقيق، بمن فيهم بلمار الذي عُيّن لاحقاً مدعياً عاماً، وسائر المحققين والموظفين أن كثيراً منهم مخترق من قبل حكومات وشبكات استخبارات وأجهزة إعلام، الأمر الذي أفقد المحكمة صدقيتها حتى قبل أن تباشر عملها .

من لديه شك حول نزاهة قضاة المحكمة والعاملين فيها، فليراجع ما دوّنته منتجة تقرير “الافلات من العقاب” (لصاحبه مكدونالد) لين بورغيس . فقد روت منتجة الشريط على مدوّنة قناة “سي بي سي” كيف جرى الحصول على المعلومات وعلى حماية مصادرها وفق الشرعية المهنية التي تعتمدها القناة . من مراجعة المدّونة يتبيّن أن عملية الاستقصاء بدأت بمصدر سري واحد داخل المحكمة، لكن سرعان ما بدأت حلقة المسرّبين تتسع، ومعظمهم ممن شاركوا بالتحقيقات في اللجان الدولية التي تعاقبت على القضية . وبعض هؤلاء “تكلم بإسهاب عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها المحكمة وتؤثر في التحقيقات” .

تعددت التفسيرات بشأن الدافع إلى بث تقرير ماكدونالد عشية صدور القرار الاتهامي . بعضها رأى فيه محاولة من قبل القوى المتحكمة بالمحكمة لاستئخار صدور القرار الاتهامي في سياق المساعي التي تبذلها السعودية مع الولايات المتحدة من أجل اجتراح تسوية تحول دون انهيار الاستقرار في لبنان بعد صدور القرار المرتقب . بعضها الآخر ذهب أبعد من ذلك بقوله إن الأمر ينطوي على خطة متدرجة لترهيل المحكمة تمهيداً لتعطيلها لأن تحقيقاتها وأسرارها باتت تشكّل خطراً على الذين ركّبوها وعلى ضحاياها في آن . لكن فريقاً ثالثاً ما زال يعتقد ان الدافع الأساس ما زال هو ذاته من البداية إلى النهاية وهو تعزيز شواهد الاشتباه بحزب الله تمهيداً لاتهامه بارتكاب جريمة الاغتيال وبالتالي تشويه سمعته ك “تنظيم إرهابي” .

لا مجال للشك في أن المحكمة الدولية قد فقدت الكثير من هيبتها وصدقيتها خلال السنوات الأربع الماضية حتى يخيل لكثيرين أنه لم يبقَ لأيٍّ من الأطراف المتصارعين، محلياً واقليمياً ودولياً، مصلحة في بقائها . ذلك أن المدعي العام بلمار اصبح مضطراً إلى التحقيق مع “إسرائيل” بعد افتضاح دورها بالمعطيات والقرائن التي قدمها السيد حسن نصرالله، وإدانة “إسرائيل” من طرف الاتحاد الدولي للاتصالات لقيامها باختراق قطاع الاتصالات اللبناني، وثبوت قيامها أخيراً، وفق التحقيقات التي أجرتها وزارة الاتصالات ومديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني والمقاومة، ب “زرع خطوط تليفونية في خطوط أخرى”، وأن ثلاثة مقاومين كانوا في دائرة الاستهداف، مع العلم “أن هناك اعترافات رسمية”، كما أكد الوزير شربل نحاس، “بعضها موثق في الامم المتحدة لأن لبنان تقدم بشكوى في هذا الصدد” .

“إسرائيل” لن تقبل بخضوع مسؤوليها للتحقيق، والولايات المتحدة لا تقبل اصلا باتهام “إسرائيل”، والحريري لا يناسبه مطلقاً ان يُتهم قائد حرس والده المغدور بأن له صلة بالجريمة، وحزب الله لا يناسبه، أولاً وآخراً، أن يصدر بحقه قرار اتهامي تستغله “إسرائيل” وأمريكا لمحاولة النيل منه .

لهذه الأسباب، لا مصلحة لأحد في بقاء المحكمة . حتى أمريكا و”إسرائيل” ربما تشترطان صدور القرار الاتهامي أولاً ومن ثم توافقان على ترك المحكمة تتآكل من الداخل وتموت بمرور الزمن .

خلافاً للآخرين، فإن حزب الله سيبقى حذراً وسيحتاط لكل الاحتمالات، وقد يصّر على تعطيل المحكمة داخل لبنان بعدم التعامل مع أجهزتها أو تنفيذ تبليغاتها وإجراءاتها، وبوقف تسديد مساهمة الحكومة في ميزانيتها وبسحب القضاة اللبنانيين منها . غير أن ذلك يستوجب، أولاً، إقرار قانون في مجلس النواب يقضي بلادستورية اتفاقية 23/1/2007 بين حكومة فؤاد السنيورة والأمم المتحدة التي أصدر مجلس الأمن على أساسها القرار 1757 بإنشاء المحكمة الدولية بسبب افتقارها إلى موافقة رئيس الجمهورية ومجلس النواب . . فما بني على باطل فهو باطل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2178505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40