السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

الرواية الفلسطينية و يهودية الدولة

السبت 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 par عوني صادق

قام رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بزيارة واشنطن، وتأتي زيارته في أعقاب الخسارة التي لحقت بالرئيس الأمريكي باراك أوباما وحزبه الديمقراطي في الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ، وحكام الولايات . ويرى البعض أن أوباما سيكون في موقف ضعيف، وأن نتنياهو لن يجد من يطالبه بتقديم أي شيء من أجل استئناف المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، بينما يظل هو على موقفه من عدم تمديد “تجميد الاستيطان” ومطالبة الفلسطينيين الاعتراف ب”يهودية الدولة” كشرط مسبق .

والحقيقة أن نتنياهو لم يكن في حاجة لسقوط أوباما وحزبه في هذه الانتخابات، لأن أوباما سبق له أن أعلن “إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية” أكثر من مرة، كما سكت عن موضوع تمديد “تجميد الاستيطان” بعد أن أعلن نتنياهو رفضه له . وسبق لوزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، أن صرحت قبل الانتخابات مباشرة، أنه على الفلسطينيين أن يعلموا أنه “لا توجد صيغة سحرية” للتغلب على معضلة استئناف المفاوضات المباشرة، إلا أنه ليس هناك غير المفاوضات المباشرة للوصول إلى “حل الدولتين” . وهذا كله كلام له معنى واحد: على المفاوض الفلسطيني أن يعود إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة، كما سبق لهم أن قالوا، وكما سبق لهذا المفاوض أن فعل .

مع ذلك، فإن أكثر من معلق صهيوني حمل نتنياهو، في الأسابيع الأخيرة، مسؤولية التوقف الحاصل في المفاوضات، ورأوا عدم “منطقية” مطلب الاعتراف ب”يهودية الدولة”، وبالتالي رأوه مسؤولاً عن فشل “العملية السياسية” بل إنه أسهم في تحويل “اتفاق أوسلو” إلى أداة لتكريس الاحتلال، كما يقول ألوف بن في صحيفة “هآرتس”، إلا أن كل هؤلاء لا يمثلون “التيار المركزي” الذي يقرر في الدولة، ولا يعبرون عن سياساتها التي توضع في التطبيق .

وفي الوقت الذي يبدي فيه بعض الفلسطينيين استعداداً للقبول بمطلب نتنياهو حول “يهودية الدولة”، على أنه “شأن إسرائيلي”، وحيث إن أقصى ما يمكن أن يترتب عليه في اعتقادهم هو إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو أمر قبلوا به في مناسبات عدة وعبروا عن ذلك في صور كثيرة، في هذا الوقت يأتي من صلب القيادة الصهيونية وممن يعبرون عن راسمي السياسات الصهيونية الاستراتيجية من يشرح، لمن لم يفهم، معنى “يهودية الدولة” بالقلم العريض، كما يقال .

في مقال له نشرته صحيفة (“هآرتس” 4/11/2010)، علق موشيه ارينز على “أصوات” تطالب وزارة التعليم “الإسرائيلية” بتدريس “الرواية الفلسطينية عن حرب الاستقلال” إلى جانب “الرواية الإسرائيلية” عن تلك الحرب، ويتساءل مستنكراً: “هل توجد روايتان حقاً يجب على أبنائنا أن يدرسوهما؟” في المقال نجد أرينز لا يرفض تدريس الرواية الفلسطينية وحسب، بل تصل به الوقاحة إلى حد أنه ينكر وجود رواية فلسطينية أصلاً . وفي الوقت الذي يقول: “إن الحقائق ضرورية لمعلمي التاريخ”، يجعل من الأكاذيب “حقائق التاريخ” الذي يريد أن يتعلمه أبناؤه، وهو في ذلك لا يختلف عن كل الصهاينة الذين أقاموا دولتهم على الأكاذيب، تلك الأكاذيب الذي فضح ووثق جزءا منها مؤرخون وسياسيون يهود، ومنهم ما زال يتمسك بصهيونيته .

يقول أرينز وهو يعرض “حقائق التاريخ” الذي يعرفه “توجد طبعاً رواية فلسطينية لحرب ،1948 يسمونها نكبة . لكن كل من درس هذه الحرب أو شهدها يعلم أن هذه النكبة كانت طائفة من الأكاذيب” . ويضيف أن “السكان العرب في فلسطين عانوا جداً زمن الحرب، لكن لا شك أنهم هم الذين جلبوا على أنفسهم الكارثة” . (علينا أن ننتبه كيف أن الكاتب لا يعرف أن السكان العرب في فلسطين هم الفلسطينيون) .

وينهي أرينز مقاله بالقول “كي يسود السلام الحقيقي بين “إسرائيل” وجاراتها، يجب أن يعترف العرب بأن ما يسمونه نكبة هو مأساة جلبوها على أنفسهم . وكما كان ممكناً إحراز سلام حقيقي في أوروبا بعد الحرب الثانية، بعد أن ترك الألمان الرواية الألمانية، فإن التخلي عن الرواية الفلسطينية والاعتراف بالمسار الحقيقي للأحداث في 1947 _ 1948 هما أساس المصالحة بين اليهود والعرب” .

ذلك هو المعنى الذي يقصده ويريده بنيامين نتنياهو وعصابته، فهل يفهم أولئك الذين يطالبون بتجميد الاستيطان ليستأنفوا المفاوضات المباشرة؟ وهل يكفي تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات؟ وهل يكون ذلك كافياً للاعتراف بقبول “يهودية الدولة”؟ التسمية التي تطالب القيادة الصهيونية، كما اتضحت، على الأقل من مقال “وزير الدفاع” السابق، وليس ممكنا القول إنها “لا تعنينا”، لأنها تعني ببساطة أنه مطلوب إسقاط الرواية الفلسطينية عن النكبة، والاعتراف بأن الفلسطينيين والعرب هم الذين يتحملون مسؤولية حدوثها (طبعاً هم يتحملونها ولكن ليس بالمعنى الذي يقصده أرينز وعصابته) . إنهم يريدون ليس فقط الاعتراف بأن فلسطين من أملاكهم، وشطب كل التاريخ الفلسطيني والعربي والإسلامي فيها، بل وأيضاً تجريم الفلسطينيين والعرب واعتبار الشهداء الذين سقطوا على ثراها مجرمين قتلة معتدين . وهكذا لا يتوقف الأمر عند إسقاط حق العودة على جوهرية ذلك لأي حل، بل يصل إلى إسقاط فلسطين وشعبها، ومعها إسقاط الأمتين العربية والإسلامية، من التاريخ ماضياً وحاضراً . . ومستقبلاً . فماذا تقولون يا سادة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010